07-نوفمبر-2017

طابور طويل أمام المركز الثقافي الفرنسي في الجزائر (فيسبوك)

تعوّد المركز الثقافي الفرنسي في قلب الجزائر العاصمة، على أن يستقبل شبابًا جزائريين في دورات لتعلّم اللغة الفرنسية، أو لحضور نشاط ثقافي يقوم به، لكن لم يحدث أن بلغ عددهم الآلاف دفعة واحدة، حتى أنهم أوقفوا حركة المرور تمامًا، وأعطوا انطباعًا لمن يراهم عن بعد من غير أن يملك خلفية عن الأمر، أنها تظاهرة شعبية قد انطلقت.

استاء جزائريون من مشهد الآلاف ينتظرون أمام المركز الثقافي الفرنسي أملاً في اجتياز اختبار اللغة والهجرة نحو المستعمر السابق

وقد قدّرت بعض المصادر العدد بـ70 ألف شاب وشابة، شرعوا في التجمّع أمام المركز الثقافي الفرنسي، قبل شروق الشمس بساعات، للمشاركة في اختبار اللغة الفرنسية المؤهل للحصول على تأشيرة دخول إلى الأراضي الفرنسية، ومنها إلى بقية دول الاتحاد الأوروبي، قصد الدراسة في المعاهد والجامعات الفرنسية.

اقرأ/ي أيضًا: مدارس اللغات الأجنبية في الجزائر.. تجارة أم انفتاح؟

بينما كانت البوّابة محكمة الإغلاق، لم يكن أحد من الحاضرين يسمح لأحد بأن يأخذ مكانه، وكانت الأصوات تتعالى كلما وقعت حالة من الإغماء، خاصّة لدى الفتيات، اللواتي حضرن بقوّة، وهو الوضع الذي دفع ببعض المشرفين على المعهد إلى الظهور من الشرفات ومخاطبة الحشود عبر مكبّر الصّوت، ومحاولة تهدئتهم وإبلاغهم بأن هناك إجراءات جديدة ستتخذ لتفادي هذا الازدحام في الأيام القليلة القادمة.

هنا، عاتب بعض الحاضرين المشرفين على المسابقة على عدم استقبال ملفات الرّاغبين في المشاركة عبر الإنترنت كما كان معمولًا به في السّابق، حيث لا يحضر إلا من كان ملفّه مقبولًا أصلًا.

وفي الحقيقة، عدم العمل بهذا الإجراء وتزامن الموعد مع عيد ثورة التحرير، جعل قطاعًا واسعًا من الجزائريين يقول إن الفرنسيين تعمّدوا أن يحدث ما حدث، لتمرير رسالة سياسية. يقول الممثل أيّوب عمريش لـ"الترا صوت": "كانوا قادرين على أن يتجنّبوا حدوث ما حدث لو كانت النوايا بريئة. إنهم كانوا يريدون الوصول إلى هذا المشهد، الذي يعدّ خيانة لدماء الشّهداء، فلو كانت حكومات الاستقلال في مستوى روح الثورة والاستقلال لوفّرت للشباب ما يغنيهم عن الزّحف نحو فرنسا أو غيرها".

اقرأ/ي أيضًا: هل يحق لنا الاحتفال بذكرى الثورة؟

اعتبر جزائريون مشهد الطابور خيانة لدم الشهداء ودليلًا أن حكومات الاستقلال لم تكن بدورها في مستوى انتظارات شعبها

في السّياق ذاته، يتساءل الأكاديمي والناشط الحقوقي فضيل بومالة: "كيف سمح بهذه الطريقة للآلاف بالتجمهر في منطقة من أكثر المناطق حساسية من حيث التشدّد الأمني والخوف من أيّ انزلاق؟ علمًا أن المعهد الفرنسي يقع بين البريد المركزي وساحة بورسعيد، حيث نجد مخفر الشرطة التاسع والولاية والمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة؟ من أعطى الترخيص؟ الداخلية الجزائرية أم السّفارة الفرنسية؟! وكيف يفسّر سلوك الشرطة الحضاري بينما كانت تبدي عداء شديدًا لأبسط تجمّع لا يتعدّى الثلاثين شخصًا يقوم به النشطاء للتنديد بالنظام وسياساته؟".

ويضيف فضيل بومالة: "أتألّم وأتخوّف من الاستنزاف، الذي تعرفه الجزائر في كل المجالات. لكني أتفهم ولا ألوم أحدًا ما دمنا لم نرتق بمستوى الوعي الفردي إلى الوعي الجماعي، وبمستوى الإنسان إلى الوعي بالمجتمع، وبسلطة وسطوة النظام إلى دولة القانون والمؤسسات".

من جهته، يقول معمّر خوالد أحد المشاركين في المسابقة لـ"الترا صوت" إنه لا يرى المشاركة خيانة للوطن ولروح الثورة، ويرفض التهويل في هذا الباب، "فلطالما حدث هذا بشكل ما أمام المراكز الثقافية الأمريكية والكندية والبريطانية وتم التعاطي مع الأمر على أنه عادٍ. فلماذا التهويل عندما يتعلّق الأمر بالطرف الفرنسي؟ لأنه مستعمر الأمس؟ إذًا لماذا التقاعس كل هذا الوقت عن المطالبة بإنصاف الذاكرة"، يضيف: "من حقنا أن نطلب العلم بكل لغات الأرض، والعبرة بروحنا الوطنية، التي لا أعتقد أن أحدًا من الشباب الحاضرين قد تخلّى عنها".

أمّا الإعلامي حمزة عتبي، فقد كتب أنه لا يرى في مشهد طوابير الشّباب أمام المركز الثقافي الفرنسي ما يخلّ بالحياء، فالأولى، بحسبه، "أن نستحي من طوابير المواطنين من أجل الحصول على كيس حليب".

 

يبدو أن الجزائريين، وفي ظلّ الوضع المتشنّج سياسيًا واقتصاديًا، قد باتوا يستغلّون كل حدث للتعبير عن تذمّرهم من الوضع القائم، وتطلّعهم إلى غد أفضل، يقولون إن إمكانيته متاحة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

استعادة رفات ثوار الجزائر.. التأجيل مستمر!

ذاكرة الجزائر الجمعية.. "الحركي" بعيد عن الغفران