22-يونيو-2023
الناشطة الأردنية هالة عاهد

الناشطة الأردنية هالة عاهد (تويتر)

شهدت منطقتنا في السنوات الاخيرة تزايدًا في عدد النساء الشجاعات اللواتي نشطن في الدفاع عن حقوق الإنسان من خلال سعيهن الدؤوب لإحداث تغيير إيجابي داخل مجتمعاتهن في مجالات متعددة، في ظل تخلي الهياكل التقليدية عن مسؤولياتها وتزايد إهدار الحقوق والتعدي عليها، حتى باتت هذه الهياكل من سلطات حكومية أو دينية أو أبوية شريكًا في بعض هذه الانتهاكات.

وعلى الرغم مما حققته الكثيرات منهن من إنجازات ساعدن من خلالها على استرداد بعض الحقوق المهدورة للرجال والنساء على حدٍ سواء، وألقين الضوء على خروقات كثيرة، وأعدن إحياء جهود المدافعة عن كثير من القضايا المحقة. للأسف، جاء هذا التقدم بتكلفة عالية، حيث وجدت هؤلاء النساء الرائعات أنفسهن أهدافًا للكراهية وحملات الشيطنة والتخوين والتكفير وحتى التهديدات بالتصفية الجسدية.

المجتمعات الذكورية لا تهاجم النسوية لكونها منتجًا غربيًا دخيلًا على المجتمع، بل تهاجمها لأنها قد تزعز السلطة الذكورية من خلال إعادة الحقوق للنساء

وغالبًا ما تغذي مثل هذه الأفعال معلومات مضللة وحملات كراهية وتفسيرات مشوهة للدين وللقيم، تكرسها القوى الشعبوية والرجعية التي باتت تعتبر المدافعات عن حقوق الإنسان في العالم العربي تهديدًا لسلطاتهم التقليدية، حيث جعلت السلطات والقوى الرجعية والهياكل الأبوية من المدافعات عدوًا لدودًا إلى جانب المدافعين عن حقوق الانسان من الرجال أيضًا، وأصبح شغلهم الشاغل وهدفهم الأساسي هو إسكات أصواتهن/م وإلغاء تأثيرهن/م على المجتمع، من خلال استخدام القمع والترهيب والمضايقات المتكررة، للتأثير على عزيمتهن/م وتقويض نشاطهن/م، بدلًا من تركيز هذه الهياكل جهودها على حل المشاكل الهيكلية المتجذرة في مجتمعاتنا.

تشرفت عبر السنين بالتعرف على مجموعة من هؤلاء النساء الشجاعات ومنهم الأستاذة هالة عاهد، التي تعرضت خلال الأيام الماضية إلى حملة شيطنة وافتراء وتهديد ممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تكون غير مسبوقة لمجرد الإعلان عن تيسيرها لدورة تثقيفية حول النسويّة.

الأستاذة هالة عاهد التي عرفت بالتزامها بمبادئها وعقيدتها، هي محامية أردنية نشطت لسنوات طويلة في الدفاع عن الحقوق والحريات في الأردن، وعملت مع عدد من المنظمات الحقوقية للدفاع عن حقوق المرأة وحقوق العمال وحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، ودافعت عن سجناء الرأي وكانت عضوًا في الفريق القانوني الذي يدافع عن نقابة المعلمين الأردنية، وترأست اللجنة القانونية لاتحاد المرأة الأردنية وتواصل الدفاع عن الضحايا من النساء والرجال.

كل هذا التاريخ النضالي الطويل في الدفاع عن الناس والانتصار لقضاياهم المحقة لم يشفع للأستاذة هالة أمام الشعبويين، ومن ورائهم الهياكل التقليدية التي ترى في أي صوت حقوقي تهديد لسلطتهم، السلطة التي أثبتوا بانهم لن يتورعوا عن أي فعل مشين من أجل الحفاظ عليها بأي ثمن، ولم يجدوا شيئًا ليشيطنوه إلا دورة تثقيفية حول النسوية، دورة لا تخالف شرعًا ولا عقيدة ولكنها قد تشكل فعلًا يهدد سلطتهم على المدى البعيد في حال تراكم الافعال والبناء عليها، فجيشوا ذبابهم ومريديهم لشيطنتها، وأنا واثق أننا لو أجرينا دراسة لوجدنا أن 99.99% من هذا الذباب الإلكتروني لا يستطيعون التمييز بين "عرنوس الذرة" والنسوية، فما بالك بتفرعاتها وتعريفاتها وتطبيقاتها التي تتوافق مع السياق المحلي.

فالمجتمعات الذكورية لا تهاجم النسوية لكونها منتجًا غربيًا دخيلًا على المجتمع، بل تهاجمها لأنها قد تزعز السلطة الذكورية من خلال إعادة الحقوق للنساء، فتستغل السلطات والقوى الرجعية المخاوف والتحيزات المجتمعية الموجودة لتكوين صورة سلبية عن المدافعات والتشكيك في نواياهن ومبادئهن، مما يؤدي إلى تخوينهن وتشويه سمعتهن وتكفيرهن، حتى نصل لمرحلة تعرضهن للتهديد والعنف تحت تأثير الدعاية السلبية والتضليل الذي تنشره القوى الرجعية في حملات الكراهية والشيطنة، الحملات التي تغض السلطات النظر عنها على الرغم من أن الكثير منها يشكل جرائم وانتهاكات صريحة للقوانين، وخصوصًا حملات الشيطنة والهجمات على المدافعات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تسهل انتشار البذاءة والكراهية بسرعة كبيرة، مما يؤدي إلى هجمات شرسة وتشويه سمعة المدافعات بشكل عام، ويستغل الرجعيون المنصات الرقمية للتشهير والتنمر على المدافعات ونشر أخبار كاذبة عنهن، مما يؤثر سلبًا على حياتهن الشخصية والمهنية، ويخلق بيئة معادية لممارسة نشاطهن النبيل.

يجب علينا تعزيز الوعي والتثقيف بشأن دور المدافعات عن حقوق الإنسان وأهمية الأدوار التي يقمن بها، ويجب توضيح الحقيقة بأنهن يسعين لتحقيق المساواة والعدالة للجميع دون تمييز

شخصيًا ما زلت أجد صعوبة في فهم سبب انجرار الجموع وراء هذه القوى في شيطنة المدافعات. فعلى الرغم من أن المدافعات من أمثال الأستاذة هالة عاهد يعملن على حماية حقوق الجميع، بما في ذلك الفئات المستضعفة، فإن الناس تتأثر بسهولة بالمعلومات المضللة، متناسين أن أمثال هؤلاء المدافعات والمدافعين هم الحصن الأخير للجميع، أمام طوفان انتهاكات الحقوق الذي نشهده في عالمنا المعاصر.

في ظل هذه الهجمات الشرسة المعتمدة على الأكاذيب والتضليل، يجب علينا تعزيز الوعي والتثقيف بشأن دور المدافعات عن حقوق الإنسان وأهمية الأدوار التي يقمن بها، ويجب توضيح الحقيقة بأنهن يسعين لتحقيق المساواة والعدالة للجميع دون تمييز، وأنهن يسعين لإصلاح المجتمعات لا إفسادها، وفي سبيل ذلك يواجهن تحديات وصعوبات خطيرة في مساعيهن النبيلة. وبينما يعملن على حماية المجتمعات والمستضعفين يجب على السلطات والمؤسسات الامنية والحقوقية توفير إجراءات الحماية المناسبة للمدافعات ضد الاعتداءات والتهديدات والاضطهاد، وعلينا جميعًا توفير التضامن الكامل معهن من أجل تعزيز أصواتهن. كما يجب على الجميع محاربة ثقافة الكراهية والتشهير، وتعزيز ثقافة الاحترام والتسامح ونشر الوعي حول أهمية حقوق الإنسان، وعدم تعارضها مع الثوابت والعقائد النبيلة، على أمل أن يوفر هذا بيئة آمنة لتمثيل أكبر للمرأة في الفضاء العام، تمثيل يمكن أن يؤدي إلى تغيير إيجابي في ثقافة المجتمع وتوفير بيئة أكثر تسامحًا وتقبلًا للمدافعات بشكل خاص وللمرأة بشكل عام.

في النهاية، يجب أن ندرك أن المدافعات عن حقوق الإنسان في العالم العربي يقدمن تضحيات كبيرة من أجل تحقيق التغيير والعدالة، وخلال نضالاتهن المستمرة يحتجن إلى دعمنا وتضامننا للتغلب على الصعوبات التي يواجهنها، وعليه يجب أن نعمل سويًا لتغيير النظرة المجتمعية نحو المدافعات وتكريم جهودهن في تحقيق حقوق الإنسان والمساواة في المجتمع العربي، وعليه أعلن تضامني الكامل مع الأستاذة هالة عاهد.