08-أبريل-2023
هديل عبد العزيز

الناشطة الحقوقية هديل عبد العزيز

أصدرت الخارجية الأمريكية الشهر الماضي تقريرها الدوري عن وضع حقوق الإنسان في الأردن لعام 2022، وقد انتقد التقرير الأوضاع الحقوقية في البلاد وذكر من بين ما ذكر ارتكاب مؤسسات الدولة لممارسات ترقى إلى التعذيب.

التقرير انتقد الاعتقالات السياسية وملاحقة الصحفيين واستخدام السلطات لبعض القوانين بهدف ملاحقة النشطاء وتصفية حساباتها مع المعارضة. كما تطرق لحالات عديدة يعتقد أن الأجهزة الأمنية مارست فيها التعذيب، وانتقد انعدام الشفافية وضعف المحاسبة وما وصفه بممارسة الإفلات من العقاب.

أصدرت الخارجية الأمريكية الشهر الماضي تقريرها الدوري عن وضع حقوق الإنسان في الأردن لعام 2022، وقد انتقد التقرير الأوضاع الحقوقية في البلاد وذكر من بين ما ذكر ارتكاب مؤسسات الدولة لممارسات ترقى إلى التعذيب.

ولكن ماذا يعني صدور التقرير بهذه اللهجة؟ وما الذي سينتج عنه على أرض الواقع؟

ناقشنا هذه الأسئلة وغيرها مع الناشطة هديل عبد العزيز، المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية، والحائزة على جائزة المرأة الشجاعة الدولية من الخارجية الأمريكية، والجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان عن جهود المركز في توفير المساعدة القانونية للفئات المهمشة.

  • ما هي جائزة المرأة الشجاعة ولمن تسلم بالعادة؟

هذه الجائزة تقدمها وزارة الخارجية الأمريكية لمجموعة من النساء في كل عام. وعادة ما تقدم لحوالي 12 سيدة من مختلف الدول.

 هذا العام سلمت الجائزة لـ 11 سيدة، في حين سلمت الجائزة ال12 رمزيًا لنساء إيران لنضالهن. وقد كنت العربية الوحيدة هذا العام، ولكن كانت هنالك نساء عربيات في السنوات السابقة. وأنا ثالث أردنية تحصل على الجائزة. والجائزة تسلم لناشطات أو نساء ينشطن في مجالات عدة من أهمها حقوق الإنسان والعدالة، والصحافة، والدفاع عن حرية التعبير، كما يمكن أن تسلم للعاملات في المجال العسكري، فمن بين الحالات على الجائزة هذا العام امرأة بمنصب جنرال من منغوليا. من بين الحاصلات على الجائزة أيضًا صحفيات وقاضية دستورية من إفريقيا الوسطى قضت بعدم دستورية قانون يعطي الرئيس الحق بتمديد فترة ولايته، وكانت هنالك امرأة من كازاخستان كانت تعمل مع مؤسستها على توثيق انتهاكات الجيش للمتظاهرين وتفنيد الادعاء أنهم كانوا يمارسون أعمالًا إرهابية. وكاتن هنالك صحفية من أثيوبيا حققت في حالات اغتصاب ارتكبها الجيش ضد النساء.

والحمد لله أنه لا يوجد هذا المستوى من المعاناة في بلادنا، ولكن هذا لا يعنني أننا لا نحتاج إلى العمل لنحمي حقوق الإنسان والعدالة في بلادنا.

  • هل تعطى الجائزة وفق ترشيح من الدول أم أنها تعطى بناء على الاختيار المباشر من قبل الإدارة الأمريكية؟

تعطى هذه الجائزة من قبل الإدارة الأمريكية تحديدًا، وتجدر الإشارة إلى أنه ترشح العديد من النساء كل عام، فحتى في السنوات التي لا تفوز فيها نساء من الأردن تكون هنالك ترشيحات، ثم يتم اختيار 12 امرأة فقط على مستوى العالم. ولا يكون الفوز مبنيًا على التقدم للجائزة، فالتي تفوز لا تكون على علم أو قد تقدمت أصلًا للحصول على الجائزة.

 من المعروف عنا في مركز العدل أننا لسنا من المؤسسات التي تسعى وراء التمويل، لذلك فنحن لا نغير أهدافنا ولا غاياتنا ونحاول قدر المستطاع أن نخدم الناس. كما أننا نحاول قدر المستطاع أن نكون منسجمين مع غاياتنا ومعاييرنا المعلنة وأن نحرص على وجود عامل الجودة في الخدمة المقدمة ونحاول دائمًا تطوير أنفسنا.

  • هل عندك فكرة عن المعايير التي يتم المفاضلة بين المرشحات على أساسها ليتم اختيار الفائزات ال12؟

بصراحة هذا غير معلن، لكن بشكل عام يجب أن تكون الفائزة قد قدمت عملًا مهمًا يخدم واحدًا من المحاور الثلاثة التالية: العدل وحقوق الإنسان، وحرية الصحافة، والسلام، ولكن بشكل عام لا توجد معايير معلنة وتختلف المنافسة حسب المرشحات من الدول كل عام. أنا متأكدة أن هنالك كثيرات غيري أعتبرهن أحق بالجائزة مني.

  • إن أثر عملكم في مركز العدل ملموس على الأرض ويشعر به الجميع ويستحق التكريم.

الحمد لله نحن في مركز العدل نحاول دائمًا أن نكون صادقين مع أنفسنا، بمعنى أننا لا نخرج عن غاياتنا ولا نحاول أن نمشي مع التيار أو نتغير حتى لو تعرضنا لأي شكل من الضغط أو المشاكل، ومن المعروف عنا أننا لسنا من المؤسسات التي تسعى وراء التمويل، لذلك فنحن لا نغير أهدافنا ولا غاياتنا ونحاول قدر المستطاع أن نخدم الناس. وبالتأكيد فإنه لا توجد مؤسسة تعمل ولا تخطئ ولكننا بشكل عام نحاول قدر المستطاع أن نكون منسجمين مع غاياتنا ومعاييرنا المعلنة وأن نحرص على وجود عامل الجودة في الخدمة المقدمة ونحاول دائمًا تطوير أنفسنا. ولدينا في المركز كفاءات وإخلاص في العمل،  ونتمنى أن نكون دائمًا عند حسن الظن وأن نتمكن من خدمة الناس.

هديل عبد العزيز
هديل عبد العزيز خلال حصولها على جائزة المرأة الشجاعة الدولية. (GETTY)
  • لأي درجة يمكن لحصولك على الجائزة أن يؤثر على عمل مركزالعدل للمساعدة القانونية؟

نأمل أن يكون تأثير الجائزة إيجابيًا، فنحن لم نسعَ للحصول على الجائزة، بل عملنا على نحو عادي فقط وصدف أنني رُشَحت هذا العام بناء على القيام بعملي. فنحن في النهاية نعمل من أجل غاية معلنة وواضحة لنا في الداخل والخارج.

ولا شك أن الاعتراف بالجهد يخلق مساحات أوسع للعمل، فالكثير من الناس ربما لم يسمعوا بمركز العدل سواء في الداخل أو في الخارج أو على مستوى الممولين أو الشركاء، ومن ثم فإن هذه الجوائز تخلق مساحات أوسع للعمل وتلغي الشعور الداخلي الذي ربما قد نشعر به بأنه لا يوجد أثر لما نفعل وأنه لا فائدة. فالجائزة شكل من أشكال الاعتراف وتعطي شعورًا جميلًا للفريق، خاصة وأن العام 2022 كان عامًا صعبًا بالنسبة لنا، وواجهنا مشاكل وتحديات كبيرة لكن ولله الحمد انتهى العام على خير. وأهم ما حدث هو أننا ربحنا قضية كانت قد أقيمت ضدنا من قبل نقابة المحامين الأردنيين في سعي لإغلاق المركز وإنهاء عمله وإعلان عدم مشروعيته لكننا تمكننا من الحصول على قرار قضائي يقضي بأن عملنا لا يخالف القانون. وهكذا، أعتقد أن 2022 كان عامًا بدأت فيه مرحلة جديدة من عمل المجتمع المدني في الأردن في مجالات حق الوصول إلى العدالة والمساعدة القانونية.

لا شك أن الاعتراف بالجهد يخلق مساحات أوسع للعمل، فالكثير من الناس ربما لم يسمعوا بمركز العدل سواء في الداخل أو في الخارج أو على مستوى الممولين أو الشركاء، كما أن مثل هذه الجوائز تلغي الشعور الداخلي الذي ربما قد نشعر به بأنه لا يوجد أثر لما نفعل وأنه لا فائدة.

  • تعرضتم لبعض الانتقادات لقبولكم الجائزة رغم أنها مقدمة من قبل الإدارة الأمريكية التي تعد مسؤولة عن فظائع إنسانية كثيرة حول العالم، وفي منطقتنا العربية بالذات، فكيف تردون على ذلك؟

أنا أتفهم هذا الطرح تمامًا، فبالتأكيد أننا لا نغمض عيوننا عن الإشكالات المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية وكل ما ارتكبته وترتكبه في المنطقة، فهو أمر حقيقي وواقع.

 السؤال هو أنه هل كان مطلوبًا منا أن نعتذر عن الجائزة؟ ربما نعم وربما لا، لكن كما قلت سابقًا، أنا لم أسعَ ولم أتقدم للحصول على الجائزة، وعندما حصلت عليها وعلى الجائزة الفرنسية- الألمانية لحقوق الإنسان كان الأمر اعترافًا بأن عملي وعمل مركز العدل حقق هذه المعايير.

بالنهاية أعتقد أن وجهات النظر والأولويات قد تختلف من شخص إلى آخر، وأنا أعتقد أن قبول الجائزة لا يؤثر على فكرة أن العمل بحد ذاته يستحق التكريم، وأن التكريم لم يغير أي مواقف شخصية لي أو لمؤسستي، سواء تعلقت بدعم الجهود الوطنية من أجل الاستقلالية أم باستنكار أي عمل أو سياسة تمس المصالح العليا في بلادنا العربية، فأنا لا أرى أن قبولها يعني أنني خرجت عن خطي أو مبادئي ولكنني أتفهم الانتقادات، ولا أعتقد أن هذا شيء يجب أن نحاسب عليه فنحن قمنا بعملنا، وقد اعترفت جهات دولية عديدة بحمد لله بهذا العمل.

هل كان مطلوبًا منا أن نعتذر عن الجائزة؟ ربما نعم وربما لا، لكن كما قلت سابقًا، أنا لم أتقدم للحصول على الجائزة، وأعتقد أن وجهات النظر قد تختلف من شخص إلى آخر، كما أن قبول الجائزة لا يؤثر على فكرة أن العمل بحد ذاته يستحق التكريم، وأن التكريم لم يغير أي مواقف شخصية لي أو لمؤسستي.

  • قبل شهر تقريبا صدر تقرير الخارجية الامريكية الدوري عن الأردن وانتقد الأوضاع الحقوقية في البلاد، فهل يمكن أن تقدمي نبذة عن محتوى التقرير؟

هذا التقرير تصدره وزارة الخارجية الأمريكية حول كافة الدول التي تتلقى مساعدات من الولايات المتحدة، فهو جزء من قانون المساعدات الخارجية ويقدم للكونغرس الأمريكي، وفي الفترة الأخيرة أعتقد أنهم باتوا يصدرون تقارير تقيم حقوق الإنسان في أكثر من 180 دولة تحصل على المساعدات من الولايات المتحدة.

وهذا التقرير ليس بالجديد، فالولايات المتحدة تصدره منذ 50 عامًا، وأنا أعتقد أنه مهم جدًا وكثير مما تضمنه ورد في تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان السنوي، كما أن كثيرًا منه يتوافق مع ما تعلنه مؤسسات المجتمع المدني والنشطاء، لكن الأهم أنه تقرير لم تدحضه الإدارة العامة في الأردن ولا تنكر ما ورد فيه، ولو أنه احتوى على أي معلومة مغلوطة فستبادر الحكومة إلى تصحيحه مباشرة.

التقرير يعتمد بشكل أساسي على تقارير صادرة من جهات رسمية أو جهات مدنية في الأردن، فنحن بحاجة لمناقشة محتواه سواء علقت الحكومة عليه أم لم تعلق. ومن الضروري جدًا أن نناقشه نحن الأردنيين لأن علينا أن نخرج من خانة الدفاع عن الوضع القائم وإنكار وجود مشاكل لنصل إلى الاعتراف بوجودها والعمل على حلها. والحكومة الأردنية تعلن كثيرًا عن خطط تتعلق بالتحديث والتطوير السياسيين والانتقال إلى مستقبل أفضل وما إلى ذلك، فكيف يمكن أن نحقق هذه الغايات المعلنة في حين أنه لا تزال لدينا مشكلات أساسية تتعلق بحقوق الإنسان في البلاد؟

تقرير الخارجية الأمريكية ليس بالجديد، فالولايات المتحدة تصدره منذ 50 عامًا، وأنا أعتقد أنه مهم جدًا، لأن الإدارة العامة في الأردن لم تدحضه ولا تنكر ما ورد فيه، ولو أنه احتوى على أي معلومة مغلوطة فستبادر الحكومة إلى تصحيحه مباشرة.

  • كيف يكون الرد الحكومي عادة على الانتقادات التي يقدمها المركز الوطني لحقوق الإنسان؟

المركز الوطني لحقوق الإنسان كان دائمًا بوضع دفاعي في التعليق على تقاريره، فالعام الماضي مثلًا عندما أصدر تقرير الانتخابات وخلص إلى أن الممارسات التي رافقت العملية الانتخابية ألقت بظلالها على العملية الديمقراطية برمتها، ثارت ثائرة هيئة مراقبة الانتخابات والحكومة وحاول الكثيرون إظهار التقرير وكأنه غير دقيق وغير صحيح، لكن بعد ذلك خلال اجتماعات انعقدت بهدف التطوير السياسي كان الجميع يتحدثون عن أن الكثير من الممارسات التي وثقها التقرير كانت حقيقية وموجودة واعترفوا بها. فموضوع شراء الأصوات واستخدام المال السياسي والتدخل من قبل الأجهزة الأمنية للضغط على بعض الأحزاب للانسحاب، والممارسات الانتقامية ضد من كانوا منخرطين في العمل الحزبي، كل ذلك نوقش بوضوح خلال عمل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية واستحدث المشاركون بعض النصوص للتعامل مع بعض هذه الممارسات بما في ذلك النص الوارد في القانون الجديد والمتعلق بالضغط على أشخاص من أجل الإجبار على الانسحاب على خلفية العمل الحزبي.

 

كما أن التقرير الخاص بالمركز الوطني لحقوق الإنسان عادة ما كان يوثق عشرات الآلاف من حالات التوقيف الإداري وكان كل من وزارة الداخلية والأمن العام ينفون الأرقام ويقولون أنها تعود على أشخاص تكرر اعتقالهم إداريًا. لكن هذا العام تحدث تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان عن 2200 حالة توقيف إداري فقط بدون أي توضيح، وقال أنه لم يتسنَ للعاملين على التقرير الوقوف على أسباب انخفاض الأعداد، وقد كان هذا خللًا في التقرير. في المقابل، تحدث تقرير الخارجية الأمريكية عن 29000 حالة توقيف إداري في الشهور التسعة الأولى من عام 2022، فنحن نتحدث عن أرقام مضاعفة بالمقارنة مع تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان. ولم يصدر عن وزارة الداخلية أي تكذيب للرقم كما أن تقرير الإدارة الأمريكية أشار إلى أن ما ذكروه مستند إلى أرقام حصلوا عليها من قبل وزارة الداخلية. يحزنني أن أرى مثل هذا الفارق في الأرقام، فمثل هذا الرقم كان يجب أن يتم توضيحه والإفصاح عنه بوضوح في تقرير المركز.

ومن أهم النقاط التي تحدث عنها تقرير الخارجية الأمريكية وجود 200 معتقل سياسي على الأقل، ونقارن ذلك مع ما أعلنت عنه الحكومة في أكثر من موقع عن عدم وجود اعتقالات سياسية وأن من يعتقلون يكونون قد خالفوا القانون.

ومن أهم النقاط التي تحدث عنها تقرير الخارجية الأمريكية وجود 200 معتقل سياسي على الأقل، ونقارن ذلك مع ما أعلنت عنه الحكومة في أكثر من موقع عن عدم وجود اعتقالات سياسية وأن من يعتقلون يكونون قد خالفوا القانون، وهذا صحيح، فتقرير الخارجية الأمريكية لا يقول أن هؤلاء لم يخالفوا القانون، ولكن أي قانون؟ وما هي طبيعة المخالفة؟ لقد خالفوا القوانين التي لا تتواءم أصلًا مع المعايير الدولية المتعلقة بحرية التعبير. كل من يعمل في هذا المجال يعرف أن لدينا مشكلة تتمثل في أن بعض قوانيننا فضفاضة، مثل قانون منع الإرهاب وقانون الجرائم الإلكترونية وقانون منع الجرائم الذي يعطي الحكام الإداريين حق التوقيف، وقد استخدم التوقيف الإداري ضد النشطاء السياسيين.

فالتقرير وثق 40 حالة للتوقيف الاستباقي لأشخاص بهدف منعهم من ممارسة حقهم بالاعتصام السلمي، إذ إنه بمجرد الإعلان عن وقفة في 24 آذار العام الماضي، أوقف 40 شخصًا ثم أخلي سبيل جزء منهم. ووثق التقرير أيضًا حالة توقيف إداري لشخص من محافظة معان لفترة طويلة أعلن على إثرها إضرابه عن الطعام لمدة زادت عن 40 يومًا، ثم بعد ذلك أخلي سبيله وأسقطت القضية دون أن يحاكم. فإذا كان بالفعل قد ارتكب جريمة بالاستناد إلى قانون منع الإرهاب، فكيف له بعد كل هذا التوقيف أن لا يحاكم؟ فنحن من دون شك لدينا مشكلة كبيرة بالممارسات والتشريعات ويجب أن نتصدى لهذه الأمور جذريًا.

هديل عبد العزيز
حصلت هديل عبد العزيز على الجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان. (موقع السفارة الألمانية)

ومن أهم الأمور التي يجب أن نتصدى لها أيضًا، وقد وثقها التقرير الأمريكي وتقرير المركز الوطني وتقارير أخرى محلية ودولية، الضغط على وسائل الإعلام وتقييد حرية التعبير. وكانت قد صدرت تقارير تحدثت عن الرقابة الذاتية التي يمارسها الإعلام الأردني. ونحن نرى أن الإعلام غاب غيابًا تامًا عن بعض القضايا، ومن بينها كما وثق تقرير الخارجية الأمريكية إضراب الشاحنات نهاية العام الماضي، إذ كان هناك غياب تام للإعلام وعُطِّل الإنترنت.

 والتقرير يشير إلى مجالات حقوقية كثيرة أخرى على مستوى العنف الأسري والتعامل مع النساء في حالات التعميم للتغيب، وهي حالات موجودة ووثقها تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان. كما أنه في التقرير الأخير للمركز الوطني لحقوق الإنسان وُثِّقت أكثر من حالة للتعذيبن وقد كان فريق المركز يزور الموقوفين وكان يشاهد آثار الكدمات والجروح، وكان يحصل على تقارير طبية تثبت وجود شكل من أشكال الانتهاك، ومع ذلك وفقًا لتقرير المركز الوطني ، فقد كانت النتيجة هي الامتناع عن المحاكمة، إذ إن هنالك حالة تصل إلى حد الإفلات من العقوبة في بعض الحالات، والأمن العام عادة ما لا ينكر وجود حالات التعذيب إنما يقول أنها حالات فردية وليست تعذيبًا ممنهجًا.

من أهم الأمور التي يجب أن نتصدى لها أيضًا، وقد وثقها التقرير الأمريكي وتقرير المركز الوطني وتقارير أخرى محلية ودولية، الضغط على وسائل الإعلام وتقييد حرية التعبير. وكانت قد صدرت تقارير تحدثت عن الرقابة الذاتية التي يمارسها الإعلام الأردني.

  • نلاحظ أن الانتهاكات الحقوقية تتكرر ويبدو أنه لا يوجد تعامل جدي من قبل الحكومة للتعامل معها ولا يوجد تأثير حقيقي لها، فهل تتفقين مع ذلك؟

هذه التقارير تصدر منذ 50 عامًا، فلو كان لها تأثير سحري كنا سنراه وما كنا لنرى التقرير يستمر بالصدور. بل بالعكس، فنحن نرى أن هناك زيادة في وتيرة الانتهاكات. لكن بنفس الوقت لاننكر أن مثل هذه التقارير مهمة، ولا أعني هنا تقرير الإدارة الأمريكية إنما تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان والتقارير عن حرية الإعلام، فمن الأساسي جدًا أن تكون لدينا الإمكانية لنرصد الممارسات السلبية وأن نطالب بإصلاحها بصوت عالٍ، لأنه في النهاية هذا بلدنا ولا يوجد عندنا مجال لنفقد الأمل. أنا دائمًا أقول أننا لا نمتلك ترف أن نفقد الأمل، بل نحتاج لأن نظل نقرع الخزان ونحفر بالصخر حتى يصل الصوت. ولا شك أن استمرار هذه الممارسات مخيف لأن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن يصل الشباب لمرحلة اليأس. فاليوم، الشباب الذين لم يسعوا إلى الهجرة بدأوا يشعرون بالرغبة بالثورة وبدأوا يشعرون بالغضب تجاه مجتمعهم وحكومتهم ودولتهم، وهذا خطر علينا جميعًا وعلى استقرار بلادنا ومجتمعنا.

 بالنهاية هذا ما نستطيع فعله؛ أن نحاول قدر المستطاع أن نصل إلى سيادة القانون وأن نظل نطالب بالحقوق ولا نرضخ للأصوات التي تحاول أن تشوه المطالبين بالحقوق والنشطاء وتدعي أن هؤلاء مدفوعون بمصالح شخصية وما إلى ذلك، لأن الأسهل أن يظل الإنسان صامتًا .في هذه الظروف التصفيق للباطل هو السهل، والنشطاء على الأرض الذين يوقفون ويضيق عليهم هم الذين يدفعون الثمن الأكبر. وحتى لو حدثت أخطاء هنا وهناك فهذا لا يبرر أن نغض الطرف عنها أو نتظاهر بأن الأمور على ما يرام، لأننا في النهاية نحتاج لنكون واضحين بأن لكل إنسان الحق في العيش في هذا البلد بأمان وأن يحظى بحماية الدستور وأن يسود القانون.

تقارير الؤسسات المحلية مهمة جدًا لأنه من الأساسي أن تكون لدينا الإمكانية لنرصد الممارسات السلبية وأن نطالب بإصلاحها بصوت عالٍ، لأنه في النهاية هذا بلدنا ولا يوجد عندنا مجال لنفقد الأمل.

  •  عادة ما تجد المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان أنفسها في موقع تكون فيه مستغلة من قبل السلطات، فكيف يمكن أن تنأوا بأنفسكم في مركز العدل عن أن تصبحوا في هذا الموقف؟

أعتقد أنه إن أرادت السلطات استخدام المركز فليستخدموه، لكن المهم أن تكون هناك نتيجة. لا شك أن عمل المجتمع المدني وحرية الإعلام ووجود مجتمع حي ومواطنين مشتبكين ومنخرطين بالعمل السياسي للتعبير عن آراءهم، هذا كله يخدم الحكومة. لذلك نتمنى أن يأتي اليوم الذي يفهم فيه صانع القرار أن كل ما يعتقد أنه هجوم عليه هو في الحقيقة إيجابي وسيراه كذلك لو كان عنده وعي ومنظور طويل الأمد ورؤية صحيحة. لكن الإشكالية تكمن في أن كثرة التضييق تؤدي إلى ممارسات تضعف مؤسسات المجتمع المدني. فمثلًا، لدينا اليوم مؤسسات كثيرة تمارس الرقابة الذاتية وضبط النفس ويكون خطابها ضعيفًا ولا يكون عندها وضوح في المواقف، وهذا ليس بالأمر السهل، إذ إنه ليس مطلوبًا من الناس أن يضحوا تضحيات كبيرة جدًا.

أدري أن الجميع قد يجد نفسه في موقف يضطر فيه لاختيار معاركه، ولكن الأمر يصبح إشكاليًا عندما يمارس الجميع هذه الممارسة، لأننا في النهاية لن نحافظ فقط على الوضع القائم بل سيؤدي ذلك إلى تراجع دائم ومستمر.

أما نحن في مركز العدل فنعطي أنفسنا حتى على المستوى الداخلي الحق في الانتقاد، ولا تقرر إدارة المركز كل شيء لوحدها، فالقيم تطبق على كل المستويات. فهنالك فرصة داخل المؤسسة لإبداء الانتقادات لأننا جميعنا نمتلك القضية. ونحن نحاول قدر المستطاع أن نكون واضحين مع رؤيتنا ومعاييرنا وأن لا نختار القضايا والمسارات الأسهل، لكنني لا أدعي أننا في المركز نأخذ مسارات صعبة جدًا أو أننا نتعرض لضغوط لا يمكننا التعامل معها، فشأننا شأن الكثير من المؤسسات التي يتم الضغط عليها.

نحن نحاول قدر المستطاع أن لا نتخلى عن مبادئنا، وهي عملية ليست بالسهلة، كما أنها عملية مستمرة وحية، ويحتاج الجميع للتعايش معها ليقرروا يوميًا كيفية اتخاذ قراراتهم ليظل ضميرهم مرتاحًا.

نتمنى أن يأتي اليوم الذي يفهم فيه صانع القرار أن كل ما يعتقد أنه هجوم عليه هو في الحقيقة إيجابي وسيراه كذلك لو كان عنده وعي ومنظور طويل الأمد ورؤية صحيحة.

ونحن نتذكر دائمًا أن أي شيء نفعله سيتعايش أبناؤنا معه، فأنا دائمًا ما أقول لفريقي أننا نغير شكل العدالة في الأردن، فما هو شكل العدالة الذي نريده؟ وما الذي أريده إن دخل أحد أبنائي لمركز أمني؟ أريد أن لا يتعرض للإساءة ولا يضغط عليه ليعترف ويكون له الحق باستعمال المحامي وأن يكون على علم بالقانون.

ونحن مؤسسات المجتمع المدني لا يجوز أن تصبح كل واحدة منا أشبه بدكان يعمل في كل شيء، لذلك فقط اخترنا الاختصاص بالعدالة والمساعدة القانونية بالتحديد، لكن مع الوقت وجدنا أن ذلك لا يكفي للوصول إلى العدالة، إذ يجب أن يكون نظام العدالة بأكمله الذي يصل إليه المرء فعالًا وعادلًا.

  • هل يمكن استخدام مثل هذه التقارير، وخاصة تقرير الخارجية الأمريكية، لتحصيل الحقوق ضد الجهات الحكومية وتحقيق العدالة؟

لا أعتقد أن هذه التقارير استخدمت إلى الآن، فلم تُفعَّل لدينا في الأردن فكرة استخدام المسارات الدولية من أجل توثيق الانتهاكات والتظلم لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ولكن الحالات تُوثَّق وتستخدم في مجالات أخرى من بينها تقارير الظل التي تقدمها منظمات المجتمع المدني، إذ عادة ما تقدم منظمات المجتمع المدني تقاريرها وتصدر توصياتها التي قد تقبل الحكومة الأردنية بعضها وترد بعضها الآخر.

أعتقد أنه من وجهة نظر الشخص الذي يقع عليه الانتهاك فإنه من المؤلم أن الكثير ممن يتعرضون للانتهاكات لا يهضم حقهم فحسب، بل في بعض الحالات يتم إنكار ما مروا به وتوجيه تهم لهم، فيصبحون بموقع المتهم بدلًا من كونهم ضحايا، وخير مثال على ذلك قضية المعلم الذي اعتقل على خلفية مشاركته في إحدى مظاهرات نقابة المعلمين وأجبرته القوى الأمنية على التعري داخل أحد المراكز الأمنية ثم اتهم بأنه فعل ذلك وحده وسجلت ضده قضية وضعته في موضع المتهم.

من المؤلم أن الكثير ممن يتعرضون للانتهاكات لا يهضم حقهم فحسب، بل في بعض الحالات يتم إنكار ما مروا به وتوجيه تهم لهم، فيصبحون بموقع المتهم بدلًا من كونهم ضحايا.

فالتقرير الذي أعده المركز الوطني لحقوق الإنسان آنذاك ساهم على الأقل بإسقاط التهم عنه والاعتراف بكونه ضحية، وهنالك قضايا لحالات تعذيب كانت لتُظهر الضحايا على أنهم هم المجرمون لولا تدخل منظمات المجتمع المدني.

فتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان له قيمة كبيرة إلا أنه لم يأخذ البعد الأكبر الذي يمكن أن يأخذه، ويعود ذلك بجزء منه إلى أن الأردن لم يصادق على البروتوكولات المتعلقة باتفاقية مناهضة التعذيب، كما يعود إلى أن هنالك تقصير من قبلنا نحن منظمات المجتمع المدني في خلق المسار المتمثل برفع القضايا إلى منظمات دولية، وأعتقد أنه من الضروري لمنظمات المجتمع المدني أن تتوسع وتُفعل هذا المسار، لأنه كلما ازداد استخدام الأدوات الدولية استطعنا تسريع عملية الإصلاح.