12-نوفمبر-2020

يفتح مقتل الناشطة حنان البرعصي ملفًا حقوقيًا عسيرًا في الشرق الليبي (تويتر)

أثار مقتل المحامية والناشطة الحقوقية الليبية حنان البرعصي على يد مجهولين بوابل من الرصاص في وضح النهار في أحد أكبر شوارع مدينة بنغازي في الشرق الليبي حالة من التنديد والاستنكار الشديدين في أوساط المنظمات الدولية والمحلية لحقوق الإنسان. وقد عُرفت حنان بانتقاداتها الحادة للانتهاكات المرتكبة على يد الميليشيات المنتشرة في مدينتها، ودفاعها عن قضايا المرأة والحديث عن الاعتداءات التي تتعرض لها النساء شرقي ليبيا. إضافة إلى ذلك، فقد طالبت الناشطة اللواء المتقاعد خليفة حفتر مرات عديدة للتدخل للحد من نفوذ ابنه صدام حفتر الآخذ بالازدياد والتوسع، والميليشيات المسلحة الموالية له التي تبسط سيطرتها على مدينة بنغازي.

يعيدنا مقتل الناشطة حنان البرعصي إلى حالات خطف واعتقال في الشرق الليبي جرت بحق نشطاء مدنيين وحقوقيين على خلفية مشاركتهم باحتجاجات سلمية ترفض الأوضاع المعيشية والأمنية المتردية في المنطقة

يعيدنا مقتل الناشطة حنان البرعصي إلى حالات خطف واعتقال في الشرق الليبي جرت بحق نشطاء مدنيين وحقوقيين على خلفية مشاركتهم باحتجاجات سلمية ترفض الأوضاع المعيشية والأمنية المتردية في المنطقة. وعلى مدار سنوات، وفي ظلّ النزاع الليبي الذي تسبب بانهيار مؤسسات الدولة وفوضى السلاح، يغدو الحديث عن حماية الحقوق المتعلقة بالمدافعي عن حقوق الإنسان أمراً معقداً وليس سهل التطبيق، حيث يضيع نظام العدالة بين الصراعات السياسية والميليشيات المتناحرة. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ حوادث كهذه تحتّم علينا الوقوف على الحقوق المكفولة للأفراد والجماعات التي تكرّس حياتها وحريّتها للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإنّ مصطلح المدافع عن حقوق الإنسان يستخدم لوصف الأشخاص الذين يعملون بمفردهم أو مع الآخرين لتعزيز حقوق الإنسان أو حمايتها.

ويعتبر الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالمياً، والذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1998، أهمّ الوثائق الدولية التي تتطرق إلى حماية الحقوقيين والنشطاء، إذ يشدد الإعلان على مسؤولية جميع أعضاء المجتمع الدولي بالالتزام الرسمي بتعزيز وتشجيع الاحترام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية دون تمييز. حيث يشير الإعلان في الفقرة الثانية من المادة الثانية منه إلى حق الشخص، بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، في تقديم انتقادات ومقترحات إلى الهيئات والوكالات الحكومية والمنظمات المعنية بالشؤون العامة لتحسين أدائها وتوجيه الانتباه إلى أي جانب من جوانب عملها قد يعوق أو يعرقل حقوق الإنسان والحريات الأساسية. في حين تنص الفقرة الثانية من المادة الثانية عشر على وجوب اتخاذ الدولة جميع التدابير اللازمة التي تكفل لكل شخص حماية السلطات المختصة له من أي عنف أو تهديد أو انتقام أو تمييز أو ضغط نتيجة ممارسته المشروعة للحقوق المشار إليها في هذا الإعلان. وفي نفس السياق، تؤكد الفقرة الثانية من المادة الثانية على حق الشخص في التمتع بالحماية الفعالة لدى مقاومته أو معارضته بوسائل سلمية للأنشطة والأفعال المنسوبة إلى الدول.

وعلى الرغم من كون هذا الإعلان غير ملزم بحدّ ذاته، إلاّ أنّه ينص على مجموعة من المبادئ والحقوق الراسخة والمكرسة سابقاً في اتفاقيات ملزمة قانونياً كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. أيّ أن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ملزمون بالعمل على احترام هذه الحقوق وكفالتها لجميع الأفراد واتخاذ جميع التدابير التشريعية وغير التشريعية لضمان إعمال الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقيات.

وعلى الرغم من الأهمية الشديدة لهذا الإعلان ودوره في تعزيز حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، إلاّ أنّه لا تزال ثمة فجوة كبيرة بين ما ينصّ عليه وما تنص عليه القوانين المحلية في الكثير من دول العالم، بل إنّ بعض القوانين المحلية تجرّم ما يقوم به النشطاء والمدافعي عن حقوق الإنسان، كحبسهم احتياطياً أو حجزهم بشكل تعسفي على خلفية التظاهر السلمي، هذا في حالة وجود دول حتى وإن كان نظام الحكم يصنف فيها بأنه نظام سلطوي شمولي، فما بالك في الدول الهشة التي انهارت مؤسساتها السياسية والأمنية والقضائية وانتشرت فيها الميلشيات المسلحة والتي تفرض قانونها على المجتمع بقوة السلاح.

يدرك الناشطون والناشطات في مثل هذه المجتمعات أن حياتهم مهددة وأنهم عرضة لانتهاكات جسيمة مختلفة قد تنتهي بالتعرض إلى الخطف والتعذيب والاغتيال

في مثل هذه المجتمعات، يعد وجود مدافعين ومدافعات عن حقوق الإنسان مخاطرة شديدة نهايتها التصفية أو الإخفاء القسري، على الرغم من إيمانهم بأن دفاعهم عن حقوق الإنسان في مجتمعاتهم هو أمر جوهري لتعزيز ضمان تطبيق حقوق الإنسان والديمقراطية وحكم القانون. فهم يدركون جيدًا أن حياتهم مهددة، وأنهم قد يتعرضون لانتهاكات جسيمة لحقوقهم، ابتداء من وضع قيود على حرية تنقلهم، وحريتهم في التعبير، مروراً بالتهديد والضرب والاعتقال التعسفي، وانتهاء بالتعذيب الشديد ومن ثم القتل عبر سياسة الاغتيالات التي وضعت حدًا لحياة حنان البرعصي، وقبلها الناشطة العراقية رهام يعقوب في مدينة البصرة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

يحدث هذا في ليبيا فقط

تصريحات ماكرون وموجة التطبيع العربي - الإسرائيلي