23-مايو-2017

عمر تورسيوس/ إسبانيا

هل هو الكفر فقط ذاك الذي يجعلك منبوذًا بينهم؟ وما إلى ذلك من ترداد أسئلة البقاء على قيد الكلمة، وبعد كل هذه السنوات من الكتابة الممجوجة والمعجونة ببعض الممالأة والمحاباة أحيانًا، وبعض "تمسيح الجوخ" لفكرة غدرتك فأحببتها تصل بك إلى نهايات المآل... ثمة من يترصد لك في فمك المتقّيح من هول ما ترددت، ومن بقايا كلماتك المصادرة.

في دمشق كان ممنوعًا عليك أن تكتب عن رئيس بلدية مرتزق إذ أن له داعمين يمنعون عنه النقد والمحاسبة

في دمشق كان ممنوعًا عليك أن تكتب عن رئيس بلدية مرتزق إذ أن له داعمين يمنعون عنه النقد والمحاسبة، وإن تطاولت كلماتك من قدم الباب العالي ثمة من يمنعك بالقانون المصبوب في غرفة محقق صغير، وأحيانًا سيخرج الموظف الصغير في وزارة الإعلام رأسه الصغير ليقول لك: الجريدة أوقفت عند وزير الإعلام. والسبب أوهى من أن يخسر صاحب الجريدة 100 ألف ليرة يحرقها في طريق بعيدة عن العاصمة، فالأعداد المصادرة مصيرها حاوية مشتعلة بالقهر.

اقرأ/ي أيضًا: ترامب وسلمان والميكافيلية في أوج صورها!

خارج أسوار العاصمة ثمة ممنوعات من صنف آخر، على اللغة أن لا تعلو أكثر من محلك من الإعراب، وقامات سمّها ما شئت وطنية وسياسية واقتصادية... شخصيات إلخ، شخصيات اعتبارية أطول قامة من كلماتك التي لا تباع بأكثر مما يسد الرمق. رمقك الناشف الذي لا يبله نهر عربي صار ساقية لغسيل الأقدام والصوف.

لا تكن رومانسيًا ولا حالمًا فثمة من يقتص من أحلامك قبل الطبع، وثمة آخرون يقتصون من بدنك بعد الطبع، ليس بالقتل، بل بانتظار المحقق التافه لساعات أو انتظار قدومه في التاسعة صباحًا، أو السابعة مساء، والنتيجة "حانة للهو"، كما يقول المعلم درويش.

ذات يوم منعت الرقابة عددًا من جريدة سورية أسبوعية لمقال معنون "أخي المواطن الحقير"، والسبب هو امتهان المواطن ووصفه بالحقير. الحقير لغةً هو الصغير، وحقيقة هو المقموع والمقتول والمهمش والمغفل والمسروق والمذبوح، والمشرد الآن مع تلك الصفات السابقة.

ثمة من يقتص من أحلامك قبل الطبع، وثمة آخرون يقتصون من بدنك بعد الطبع

في رحلة الكتابة لا تحاول أن تكون سيدًا، ولا حتى عبدًا، وفي الحالتين ثمة من يرى أنك متهم بما هو أعلى منك، ومن دور الحبر الذي تستخدمه، ومن يرى أنك أعلى من ذل البقاء مع من هم في القاع. ثمة أيضًا من تستفزه كلمة الرعاع لدرجة اتهامك بأنك فوقي وسادي واستعلائي ومريض، وهي (الرعاع) تنال منه كما لو أنها ولدت معه، أو أنه اكتسبها كعلامة فارقة سوداء على جيبنه.

اقرأ/ي أيضًا: السعودية وإيران.. إنه النفط

مصطلحات عليك أن تتجنبها وأنت تكتب مقالًا مهمًا وحقيقيًا... الكرامة، الأسياد، الأوصياء، الأموال، البلاد، الشرف، صاحبة الجلالة والوضاعة، النخب، السياسة، النقد، أسماء المحاضرين، النساء المحظيات، شرف المهنة.

لا تعتقد أنك أتيت بـ"راس غليص" على طبق من ذهب عندما تكتب عن الحقيقة والناس والوطن، والصحافة ولدت كي تكون صوت أولئك القادرين على إبقائك قادرًا على ابتلاع ريقك لحظة رعبك من استدعاء أمني مفاجئ، وسنوات موتنا السوري شاهدة على لعقنا لدمنا كرمى لأن يبقى رأسنا مكانه، وأرزاقنا مبسوطة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

موت السياسة في مصر

نماذج من "الحرب الناعمة" ضد الإرهاب