14-سبتمبر-2019

هناك خلاف بين النواب الديمقراطيين على خطوة مساءلة ترامب (Getty)

بدأ الديمقراطيون في الكونغرس الأمريكي باتخاذ إجراءات تمهيدية جديدة تسمح لهم بمساءلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في حملة جديدة تستهدف الرجل الذي يملك ملفات عالقة تشمل مجموعة من القضايا التي يحتاج محققو ممثلي الادعاء العام على المستوى الاتحادي، وعلى مستوى الولايات المتحدة الإجابة عليها، ما قد يكون له أثر مهم على مستقبل ترامب السياسي الذي يتحضّر لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر العام القادم.

بينت تقارير أن قرار إطلاق إجراءات العزل ضد ترامب قد يدخل واشنطن في مرحلة قد يكون من الصعب توقع تداعياتها، نظرًا لأن الدستور الأمريكي لم يضع خريطة طريق لما تكون عليه إجراءات العزل

الكابيتول هيل يصوت لإجراءات مشددة ضد ترامب

صوتت لجنة الشؤون القضائية في الكونغرس الأمريكي (مجلس النواب) أول أمس الخميس على مشروع قرار يهدف إلى تكثيف التحقيق الذي تجريه لدراسة إمكانية عزل ترامب من منصبه في البيت الأبيض، وأشارت الصحافة الأمريكية إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تصوت فيها لجنة بالكونغرس على اللغة التي تحدد بوضوح كيف يمكن أن تؤدي التحقيقات الجارية في سوء السلوك الرئاسي المزعوم إلى صياغة مواد المساءلة، ومن ثم التصويت عليها.

اقرأ/ي أيضًا: دونالد ترامب.. سيرة موجزة لممثل فاشل

وقال رئيس اللجنة القضائية جيرولد نادلر إن البعض يطلق على الإجراء "تحقيق يهدف إلى عملية العزل"، ويسميه آخرون "تحقيق بهدف المساءلة"، إلا أنه لا يوجد فرق قانوني بين المصطلحين، فيما انتقد الجمهوريون طرح الديمقراطيين لقضية مساءلة ترامب بعد وصفها بـ"المسرحية"، مشيرين إلى أن الهدف من محاكمة الرئيس إرضاء القاعدة الليبرالية للديمقراطيين.

ووفقًا لما ذكرته تقارير صحفية فإن اللجنة القضائية تعمل على تحويل ما بدأ في صورة تحقيق رقابي بشأن رئاسة ترامب إلى مساءلة، بهدف التوصل إلى قرار بحلول نهاية العام الحالي بشأن ما إذا كان سيتم توصية مجلس النواب بكامل هيئته ببدء تطبيق بنود المساءلة، ومن الممكن أن تشمل الإجراءات الجديدة الاستماع يوم 17 أيلول/سبتمبر الجاري إلى مدير حملة ترامب السابق كوري ليفاندوفسكي، ومساعدين سابقين لترامب في البيت الأبيض هما روب بورتر وريك ديربورن.

وكان 118 عضوًا في الكابيتول هيل من الديمقراطيين قد أعلنوا تأييدهم مطلع آب/أغسطس بدء التحقيق الذي يفضي إلى إجراء تصويت بالمجلس على عزل ترامب، وأشارت وكالة أسوشيتد برس إلى أن هذه النسبة المتزايدة ترجح تنامي الإحباط من سياسات ترامب، ويدور التحقيق حول معرفة إن كان ترامب قد سعى لعرقلة العدالة في سياق تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر المرتبط بعلاقة حملته الانتخابية مع روسيا.

تهمة التواطؤ مع روسيا لم تسقط

يجري ممثلو الادعاء على المستوى الاتحادي، وعلى مستوى الولايات، مجموعة من التحقيقات حول القضايا الجنائية والمدنية، وتشير التقارير الصحافية إلى أن الاتهامات قد تتجاوز تلك التي وردت في تحقيق مولر أو الحق المدني، وعلى الرغم من أن سياسة وزارة العدل الأمريكية تعتمد منذ عقود عدم توجيه ملاحقة للرئيس أثناء تواجده في السلطة، فإن خبراء القانون الأمريكي يقولون إن الوزارة على خطأ كون الرئيس غير محصن من الملاحقة القضائية، إلا أن المؤكد أن ترامب قد يواجه الاتهامات بمجرد ترك منصبه.

وتبرز قضية التحقيق في تعاون حملة ترامب الانتخابية مع روسيا التي أثرت على نتائج انتخابات البيت الأبيض قبل ثلاثة أعوام في مقدمة التحقيقات التي تجريها لجنة الشؤون القضائية في الكابيتول هيل، رغم أن التقرير النهائي الذي صدر حول القضية في آذار/مارس الماضي خلص إلى عدم وجود دليل يثبت أن أي مسؤول في حملة ترامب الانتخابية قد تآمر عن سابق معرفة مع روسيا، وفقًا لملخص وزير العدل الأمريكي وليام بار.

وأثارت نتائج التحقيق المزيد من الشكوك حول ذلك، بعد وجود إثباتات تؤكد أن موسكو تدخلت في انتخابات البيت الأبيض لعام 2016، لذا فإن نتائج مولر جاءت لتدعم حقيقة عدم احتمال النظام الأمريكي إطاحة رئيس عبر تحقيق بتواطؤ مع دولة خارجية، وبالأخص روسيا، وهناك احتمال بحسب وكالة رويترز أن يتولى ممثلو ادعاء آخرون في وزارة العدل القضايا الجنائية التي بدأها مولر.

وكانت التحقيقات التي بدأها مولر قبل أكثر من عامين قد أدت لتوجيه اتهامات لـ34 فردًا كان بينهم ستة أشخاص من أكثر المقربين لترامب متورطين بقضية تدخل روسيا بالانتخابات الأمريكية، واستقال ما بين عامي 2016 – 2018 أكثر من عشرة مسؤولين في إدارة ترامب أقروا بالكذب على لجنة التحقيقات عند سؤالهم عن علاقتهم مع مسؤولين روس خلال الحملة الانتخابية لترامب.

وقبل أيام بدأت لجنة برئاسة ديمقراطيين تحقيقًا مشتركًا فيما إذا كانت حملة إعادة انتخاب ترامب رئيسًا، قد حاولت التلاعب بالنظام القضائي الأوكراني لتشويه صورة العضو البارز في الحزب الديمقراطي جو بايدن، ويهدف التحقيق لاكتشاف ما إذا كان تعليق المساعدات يتعلق بدفع الحكومة الأوكرانية لإجراء تحقيقات ذات دوافع سياسية، وإن كان قرار ترامب إعادة دراسة جدوى تقديم المساعدات العسكرية المقدمة لأوكرانيا بقيمة 250 مليون دولار له صلة بالموضوع ذاته.

الديمقراطيون يمارسون سياسة "الضغوط القصوى" على ترامب

ولا تقف أزمة ترامب مع لجنة الشؤون القضائية في الكونغرس على التحقيقات المرتبطة بتواطؤ حملته الانتخابية مع موسكو، نظرًا لوجود مجموعة أخرى من القضايا التي يحقق الكونغرس بشأنها، كان من بينها اعتراف المحامي الشخصي السابق لترامب مايكل كوهين بانتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية من خلال الترتيب بناء على توجيهات ترامب، لدفع رشوة 130 ألف دولار لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز، ومبلغ 150 ألف دولار لعارضة أزياء مجلة بلاي بوي السابقة كارين مكدوجال لشراء صمتهما.

وكانت سمر زيرفوس، وهي متسابقة سابقة في برنامج (ذا أبرنتيس) لتلفزيون الواقع الذي كان يقدمه ترامب، قد رفعت دعوى تشهير ضد الملياردير الأمريكي العام الماضي، واتهمته بتقبيلها عنوة في مكتبه بنيويورك عام 2007، ثم عادت واتهمته بتحسس جسدها خلال اجتماع في فندق بكاليفورنيا، فضلًا عن اتهام أكثر من 12 امرأة ترامب بالقيام بمفاتحات جنسية رغمًا عنهن وذلك قبل سنوات من دخوله عالم السياسة.

وقبل أيام بدأت لجنة الإشراف والإصلاح بقيادة ديمقراطيين في الكونغرس التحري حول معلومات قد تكشف عن صلة وزارة الدفاع الأمريكية بمنتجع ترامب للغولف في تيرنبيري، ومطار جلاسجو بريستويك في أسكتلندا، ووفقًا لوكالة رويترز فإن النواب يتحرون مجالين، الأول يتألف من 629 طلبية مشتريات دفاعية منفصلة لوقود في بريستويك بلغ مجملها 11 مليون دولار منذ تشرين الأول/أكتوبر عام 2017، والثاني يتعلق بتقارير صحفية قالت إن المطار عرض غرفًا بأسعار مخفضة لركاب وأفراد أطقم معينين ومباريات غولف مجانية في تيرنبيري لعسكريين أمريكيين وأفراد أطقم طيران مدنية.

ويحقق ممثلو الادعاء الاتحاديون في نيويورك فيما إذا كانت اللجنة التي نظمت تنصيب ترامب في كانون الثاني/يناير عام 2017 قد قبلت تبرعات غير قانونية من أجانب أو أساءت استخدام الأموال أو توسطت في وصول الإدارة بشكل خاص للجهات المانحة، حيث يحظر قانون الانتخابات الاتحادي على الأجانب التبرع للحملات السياسية أو للجان التنصيب الأمريكية، فضلًا عن حظر قوانين مكافحة الفساد على المانحين تقديم مساهمات مقابل خدمات سياسية.

وفيما يبدو أن الديمقراطيين يريدون استخدام سياسة الضغوط القصوى مع ترامب، أسوًة بالسياسة التي ينتهجها مع إيران. وقالت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي إنها ستستدعي مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص لأفغانستان زلماي خليل زاد للشهادة في 19 الشهر الجاري بعد القرار المفاجئ بإلغاء المحادثات مع حركة طالبان الأفغانية، بعدما تجاهلت الخارجية الأمريكية طلبات عديدة بتقديم إفادة من خليل زاد عن خطة سلام أفغانستان.

لكن.. الديمقراطيون منقسمون حول إجراءات العزل  

كان الحزب الديمقراطي الأمريكي قد سيطر في انتخابات التجديد النصفي للكابيتول هيل العام الماضي على غالبية المقاعد بعد فوز 222 مرشحًا عن الديمقراطيين في الانتخابات مقابل 199 مقعد للحزب الجمهوري، وعلى الرغم من سيطرة الديمقراطيين فإن اتخاذ إجراءات تمهد لعزل ترامب من منصبه قد تؤدي لانقسامات بين الديمقراطيين أنفسهم.

وتحدثت تقارير سابقة عن موقف الديمقراطيين من عزل ترامب مشيرًة إلى وجود ثلاثة آراء مختلفة حول توجهات أعضاء الحزب في الكونغرس لاتخاذ مثل هذا الإجراء، إذ يرى الديمقراطيون المعارضون لإجراء عزل ترامب أنه في حال قرر الكونغرس اتخاذه فإن ذلك قد يؤدي في النهاية لاتهامهم بإساءة استخدام السلطة، فيما يرى آخرون معارضون للقرار عينه أن إجراءات العزل يجب أن تكون عن طريق الناخبين، بالإشارة إلى أن واشنطن مقبلة العام القادم على انتخابات رئاسية جديدة.

ويعكس نائب ولاية نيويورك جيرولد نادلر في تصريح سابق وجهة نظر التيار الوسطي داخل البيت الديمقراطي بشأن عزل ترامب بالاستناد للأطر القانونية، والتي يلخصها بقوله إن الفكرة ليست مناقشة بنود قرار العزل، بل معرفة ما حدث بالضبط، وما الإجراءات الوقائية المؤسسية التي جرى الالتفاف عليها، وكيف حدث ذلك، ثم تحديد ما يجب فعله حيال ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: لعنة المادة 25 من الدستور الأمريكي تطارد ترامب.. هل يُعزل من منصبه قريبًا؟

ويظهر التيار الثالث الذي يقود المساعي لعزل ترامب من منصبه، ويتوزع التيار الثالث بين من يريد دخول سباق الترشح للانتخابات الرئاسية، ومن يقول إن فشل الكونغرس في عزل ترامب يعني تراجع الديمقراطية في الولايات المتحدة، وكان أعضاء الكونغرس الجمهوريين قد هاجموا تصويت الديمقراطيين على مساءلة ترامب، بسبب عدم التزامها بإجراءات سبق أن جرى اتباعها في سياق مساءلة الرئيسين السابقين ريتشارد نيكسون وبيل كلينتون.

يحقق ممثلو الادعاء الاتحاديون في نيويورك فيما إذا كانت اللجنة التي نظمت تنصيب ترامب في كانون الثاني/يناير عام 2017 قد قبلت تبرعات غير قانونية من أجانب أو أساءت استخدام الأموال أو توسطت في وصول الإدارة بشكل خاص للجهات المانحة

وكانت تقارير إخبارية قد تحدثت عن أن قرار إطلاق إجراءات العزل ضد ترامب قد يدخل واشنطن في مرحلة قد يكون من الصعب توقع تداعياتها، نظرًا لأن الدستور الأمريكي لم يضع خريطة طريق لما تكون عليه إجراءات العزل، وقد تؤدي هذه المعركة لإدخال الحياة السياسية في واشنطن حالًة من الشلل، وتجعل الحملات الرئاسية استفتاءً على ما إذا يجب عزل ترامب أم لا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ترامب الفاضح للحلفاء.. المفيد للأعداء!