14-أكتوبر-2017

تهدد المادة 25 من الدستور الأمريكي، بعزل ترامب في أي وقت (مارك ويلسون/Getty)

في "دليل المتشائم" الذي نشرته وكالة بلومبيرغ، نهاية العام الماضي، توقعت أن يفرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حالة الطوارئ، ويحظر التجول في كبرى المدن الأمريكية، وأن تتحول ولاية كاليفورنيا مقرًا لمعارضة الإدارة الأمريكية الحالية، ويقود المليارديران إيلون ماسك وشيريل ساندبرغ تحالفًا متناميًا ضد ترامب في عام 2020، بالإضافة لحدوث انقسامات داخل إدارة ترامب نفسها.

تتوقع تقارير غربية عدم استكمال ترامب ولايته حتى 2020، استنادًا إلى المادة 25 من الدستور الأمريكي التي تجيز عزل الرئيس أثناء حكمه

وبعد مضي نحو 10 أشهر على استلام ترامب لمهامه في البيت الأبيض، تحقق جزء لا بأس به من توقعات بلومبيرغ بالمجمل، لكن تقارير جديدة بدأت تظهر في الصحافة الغربية توقعت أن الرئيس رجل الأعمال لن يكمل فترة ولايته حتى عام 2020، بنسبة 30%، بالاستناد للمادة 25 من الدستور الأمريكي.

لعنة المادة 25 من الدستور الأمريكي

مصادر في البيت الأبيض نقلت عن كبير المستشارين السابق في البيت الأبيض، ستيف بانون، الذي أقيل من منصبه في آب/أغسطس توقعه عدم إكمال ترامب ولايته الرئاسية، بحسب ما نقل موقع "فانيتي فير"، مضيفًا أن بانون حذر ترامب من المادة 25 في الدستور الأمريكي "التي يجهلها". وجاءت توقعات بانون مزامنة لقول رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري بوب كوركر، إن البيت الأبيض تحول لـ"دار حضانة"، وأن "ترامب يقود الولايات المتحدة إلى حرب عالمية ثالثة".

اقرأ/ي أيضًا: ترامب.. النسخة الأكثر فشلًا من نيكسون

ويجيز التعديل الذي أدخل على المادة 25 من الدستور الأمريكي عام 1963 عزل الرئيس قبل انتهاء ولايته في حال أبلغ "نائب الرئيس وغالبية الموظفين الرئيسيين في الوزارات التنفيذية أو أعضاء هيئة أخرى، يحددها الكونغرس بقانون، رئيس مجلس الشيوخ المؤقت ورئيس مجلس النواب، تصريحهم الخطي بأن الرئيس عاجز عن القيام بسلطات ومهام منصبه".

خلافات داخل إدارة ترامب

العودة للحديث عن دور المادة 25 مجددًا، تأتي بالتزامن مع التطورات التي تشهدها الإدارة الأمريكية مؤخرًا، من خلاف ترامب مع وزير خارجيته ريكس تيلرسون الذي لم يبادر لنفي ما نسب إليه في تقرير صحفي عن وصف ترامب بـ"الأبله"، ما أثار غيظ الأخير الذي طالب بإجراء اختبار للذكاء أعلن خلاله مسبقًا أنه سيكون المنتصر.

والخلاف مع وزير الخارجية الذي يعول عليه دبلوماسيين أمريكيين لضبط تصرفات ترامب، جاء في وقت أكثر من حساس، فواشنطن تجد أن صورتها كـ"شرطي للعالم" تهتز أمام طموحات الزعيم الكوري الشمالي النووية، وهي على ما يبدو دخلت في صراع يشبه إلى حد ما الحرب الباردة التي خاضتها واشنطن في منتصف القرن العشرين ضد الاتحاد السوفيتي، لكن الحال مع ترامب الذي يملك أفضلية الولوج للحقيبة السوداء قد تغير، وهو يعتزم أن يزور حدود الدولة الشيوعية عندما يجري زيارته لكوريا الجنوبية الشهر المقبل.

كما أن ترامب أعاد من جديد فتح ملف الاتفاق النووي الإيراني الموقع خلال فترة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وأعلن أمس الجمعة أنه في حال لم يتوصل لحل مع الكونغرس وحلفاء واشنطن فإنه سوف يلغي الاتفاق، متجاهلًا معارضة دول الاتحاد الأوروبي خرق الاتفاق، وتحذيرها بالاتجاه لتحالف مشترك مع روسيا والصين ضد الولايات المتحدة، وبالفعل فقد بدأ ترامب أولى تهديداته بفرضه عقوبات على الحرس الثوري الإيراني الأمر الذي لاقى استياءً إيرانيًا.

مرًة أخرى.. عودة للمادة 25

يشير تاريخ رؤساء الولايات المتحدة الـ45 إلى أن رئيسان فقط جرى عزلهما خلال فترة ولايتهما هما أندرو جونسون عام 1868، وبيل كلينتون 1998، قبل أن يُبرأ من التهم الموجهة إليه. وعندما كان يُعد قانون عزل الجمهوري ريتشارد نيكسون عام 1974 لمجلس الكونغرس أسرع نيكسون لإعلان استقالته، بعد ثبوت وضعه أجهزة تنصت داخل مكاتب الحزب الديمقراطي المعروفة بفضيحة ووترغيت غير المسبوقة في تاريخ الرئاسة الأمريكية.

خلال 10 أشهر فقط شهدت إدارة ترامب عشرات الاستقالات والإقالات لمسؤولين كبار، حتى وزير الخارجية لا يرى نفسه منتميًا لإدارة ترامب

إذا أردنا المقارنة بين نيكسون وترامب، نجد أن نيكسون في ولايته الأولى فاز بالانتخابات بفارق ضئيل هو 1.5 % من الأصوات على منافسه الديمقراطي هيبرت همفري، ومثله كان ترامب الذي فاز بعدد مراكز الاقتراع مقابل خسارته نسبة المقترعين لصالح منافسته هيلاري كلينتون، ولا تزال قضية تلاعب موسكو بمسار نتائج الأمريكية لصالح ترامب لم تقفل حتى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: صراعات داخلية أكثر من أي وقت مضى.. ترامب في مواجهة أمريكا

وأكثر ما هو لافت في إدارة ترامب الحالية أنها شهدت عشرات الاستقالات والإقالات لمسؤولين كبار، كان أخرها نهاية الشهر الماضي عندما قدم وزير الصحة والخدمات الإنسانية توماس برايس استقالته بعد ساعة من إعراب ترامب عن خيبته لاستخدام برايس "رحلات طيران مرتفعة التكلفة"، ومن المرجح أنها لن تكون الأخيرة بعد ما ذكر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بقول تيلرسون في وقت سابق "لستُ من هذا المكان" في إشارة لدائرة الحكم الضيقة في واشنطن، ورجح التقرير أن يكون هو التالي في تقديم الاستقالة.

وبالتوقف قليلًا عند استقالة وزير الصحة بسبب تكلفة رحلات الطيران، فقد تحدث تقريران سابقان، الأول نشر في النسخة الأمريكية لهافينغتون بوست في آذار/مارس الماضي عن رفض مكتب الإدارة والميزانية طلب وكالة الخدمة السرية الأمريكية تزويدها بـ60 مليون دولار أمريكي إضافي، يخصص منها 33 مليون لتغطية سفر الرئيس ونائبه، ورؤساء الدول الزائرين.

وذكر تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية أن رحلة تزلج لإحدى المنتجعات الفخمة في جبال "روكي" بمدينة أسبن أجراها أولاد ترامب الثلاث (دون، إريك، إيفانكا) في آذار/مارس الماضي كلفت الجهاز السري أكثر من 15 ألف دولار أمريكي ما بين استئجار سيارات ليموزين وإقامة، ولفت التقرير لارتفاع عدد الذين يتلقون خدمات هذا الجهاز عن الحد الطبيعي بنسبة 40% خلال ولاية ترامب، أي أن اتهام ترامب لوزير الصحة ليس جادًا بما يكفي.

هل يستمر ترامب في ولايته حتى عام 2020؟

الحديث الأخير لستيف بانون عن احتمال اللجوء للمادة الـ25 المعدلة من الدستور الأمريكي، كان سببه الهجوم الذي شنه ترامب على محطة "NBC" الأمريكية، ملوحًا بسحب ترخيصها، وهي ليست المرة الأولى التي يصطدم بها ترامب مع الإعلام الأمريكي، فللرجل معارك كثيرة مع الإعلام منذ توليه منصبه، وصلت به لنعت وسائل الإعلام بأنها "حثالة، مخادعة، فاسدة، كاذبة، وأعداء الشعب"، فضلًا عن الاستهزاء بأحد الصحفيين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو منذ أيامه الأولى في السلطة وصف وسائل الإعلام بأنها "أحزاب معارضة".

وقبل بضعة أيام، قال السناتور كوركر، إن "الوضع في البيت الأبيض يوميًا يُختصر في محاولة احتواء دونالد ترامب"، مضيفًا أن "مجموعتنا بأغلبيتها الكبرى مدركة جيدًا لما علينا التعامل معه"، وأنهم "يدركون قابليته للانفجار والجهود الهائلة التي يبذلها محيطه لمحاولة إبقائه على السكة"، في وضع يلخص حجم الانقسامات التي تشهدها مكاتب موظفي البيت الأبيض، وهي قد تكون واحدة من التوقعات التي ذكرتها وكالة بلومبيرغ بدأت بالتحقق.

تعاني إدارة ترامب من انقسامات خطيرة ومستمرة رغم محاولات احتوائها، قد تودي في النهاية إلى عزل ترامب قبل انتهاء ولايته

وعليه، فإن ما ذكر سابقًا بالاستناد لتقارير الصحافة الغربية، يشير إلى أن فريق ترامب يعاني من انقسامات رغم محاولات احتوائها، والتي قد تصل لعزل الملياردير الأمريكي من مهامه كرئيس للولايات المتحدة، فيما يستمر من جانبه بالإصرار على مواجهة وسائل الإعلام حتى النهاية، ما يجعل منه هدفًا لأعضاء مجلس الشيوخ الذي يتضح أنهم بدأوا بالتململ من تصريحاته، والتي تبدو كأنه يقدم برنامجًا جديدًا من برامج تلفزيون الواقع التي أشتهر بها سابقًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ترامب.. خطر على الصحافة والرئاسة معًا

هل ستصمد الديمقراطية أمام شعبوية ترامب؟