ينادونهم في مصر بـ"البلطجية"، ويسمونهم في سوريا "الشبيحة"، أما في المغرب فيعرفون بـ"العياشة"؛ الظاهرة التي برزت بشكل كبير خلال حراك الريف الحالي، وباتت محل متابعة من قبل الرأي العام الوطني، حول دورها في المشهد الاحتجاجي العام، وعلاقتها برجال السلطة، المتهمة بتوظيف قسم من هذه الفئة من المواطنين في كسر الحراك الشعبي.

من هم العياشة؟

يعود أصل التسمية إلى عبارة "عاش الملك"، وهو الشعار الذي ترفعه عادة مجموعة من الناس المصطفين مع السلطة في وجه مختلف الأشكال الاحتجاجية، بما فيها المسيرات ذات المطالب الاجتماعية، كما يحدث اليوم في الريف، ما أفرز وسط الرأي العام انقسامًا شعبيًا، تحول إلى حرب كلامية امتدت إلى ساحة مواقع التواصل الاجتماعي، بين المحتجين من جهة و"العياشة" من جهة أخرى.

في العادة تضم مجموعات العياشة، أفرادًا من ذوي السوابق الجنائية ومتعاطي المخدرات، والمهمشين

البعض يُوسِّع دائرة اللفظ في سياق مواجهاته الكلامية ليشمل به كل الفاعلين الرافضين للحراك الشعبي أو المنتقدين له، من سياسين ووزراء ومحللين ورجال دين ومواطنين عاديين، إلا أن الشائع هو أن لقب "العياشة" تُنعت به فئة معينة بالتحديد، وهي المجموعات التي تعمل على نسف الوقفات الاحتجاجية الشعبية.

اقرأ/ي أيضًا: العقلية البوليسية تدير المغرب مجددًا

وتضم مجموعات العياشة عادة أفرادًا من ذوي السوابق الجنائية ومتعاطي المخدرات والمهمشين، يحملون الأعلام الوطنية وصور الملك في خرجاتهم، مرددين شعارات تمجد الوطن والملك، وأخرى تقدح في المحتجين، وكثيرًا ما يتخذ سلوكهم منحى عدوانيًا يظهر من خلال اللجوء للعنف في مواجهة المتظاهرين وكيل السباب لهم، كما أن عامتهم يفتقدون للقدرة على النقاش السياسي، وأغلبيتهم تنحدر من طبقات اجتماعية هشة وغير مثقفة.

في الواقع ظاهرة "العياشة" ليست بالحديثة مع حراك الريف، إذ ظهرت بشكل ملفت إبان احتجاجات 2011، عندما نشأت فجأة حركة تضم مجموعة من الشباب أطلقت على نفسها "حركة الشباب الملكي"، كانت تنظم مسيرات شعبية مضادة لمظاهرات "حركة 20 فبراير"، النسخة المغربية من الربيع العربي.

السلطة تستعمل "العياشة" في تخويف المحتجين

يشير بعض المراقبين بأصابع الاتهام إلى السلطة في كونها وراء دعم حركة "العياشة"، من أجل بث الخوف في نفوس المتظاهرين، وإيقاف المسيرات الشعبية في الريف. وما قد يؤيد هذا الطرح هو أن هناك مقاطع فيديو عديدة متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر نسف وقفات احتجاجية من طرف "العياشة" أمام أعين قوات الأمن.

وسُجلت حالات لمظاهرات عدة في الحسيمة والرباط ومراكش وطنجة وبمدن أخرى، قامت مجموعات "العياشة" بتفريقها مهددين بالعنف، وصل في بعضها الحال إلى الاعتداء المباشر على المحتجين، كما حصل في تطوان والناظور، ما أحدث إصابات في صفوفهم، جعلت المشاركين يدينون قوات الأمن لعدم حمايتهم.

ويتهم الناشطون في الاحتجاجات الداعمة للريف، رجال السلطة المحليين بالاستعانة "بالعياشة" مقابل الإتاوات، لقمع المسيرات الاحتجاجية، وهو ما استنكره حقوقيون، واعتبروا استعمال "البلطجية" في نسف الوقفات الاحتجاجية، "إساءة لصورة السلطة والبلاد بشكل عام"، بخاصة وأن هذه المجموعات لا تتردد في القذف بالكلام النابي والتهديد بالعنف أمام كاميرات الإعلام وأعين السلطات.

ولم تقتصر خرجات "العياشة" المعادية للمحتجين على الشارع  فقط، وإنما وصلت العالم الافتراضي، حيث ظهرت مجموعة من مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، لأشخاص يهددون المتظاهرين بالعنف والاغتصاب بواسطة القنينة، دون أن تحرك السلطات اليد القضائية من أجل متابعتهم. وإجمالًا، باتت الشبكات الاجتماعية ساحة ساخنة بالاحتكاكات بين مؤيدي المظاهرات و"العياشة".

"العياشة" يقحمون المغرب في أزمة مع أمريكا

خلال الأيام الأخيرة، ظهر أفراد مغاربة مفتولو العضلات، في مقطع فيديو قصير على موقع يوتيوب، يهددون ناصر زفزافي، زعيم حراك الريف المعتقل؛ بتحطيم عظامه، وهم يرتدون لباس قوات المشاة البحرية الأمريكية (المارينز)، مختتمين تحذيراتهم للمحتجين في الحسيمة بصيحات "الله أكبر"، فيما يشبه صيحات مجندي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وسرعان ما أعلنت القوات المسلحة الملكية، على لسان وكالة المغرب العربي للأنباء (ماب)، نفيها أن تكون المجموعة التي ظهرت في الفيديو على علاقة بالمؤسسة العسكرية المغربية، مؤكدة أنها لا تعتمد مواقع التواصل الاجتماعي قناةً لنشر بياناتها الرسمية. فيما تناقلت وسائل إعلامية مغربية، أن "أفراد المارينز" الذين ظهروا في الفيديو، لم يكونوا سوى ممثلي كومبارس في فيلم سينمائي، استغلوا لباس المارينز لصنع فيديو التهديد ذاك.

لم تقتصر اعتداءات العياشة على المحتجين في الشارع فقط، وإنما وصلت للعالم الافتراضي، بتهديدهم المتظاهرين بالعنف عبر مقاطع فيديو

من جهتها، أعلنت السفارة الأمريكية في الرباط/ براءتها من شريط الفيديو الذي ظهر فيه شبان بلباس المارينز وهم يهددون حراك الريف، في شخص متزعمه ناصر الزفزافي. وقالت السفارة في تغريدة لها على حسابها الرسمي بموقع تويتر، إن "الأفراد الذين يرتدون ما يشبه الزي العسكري الأمريكي بفيديو، لا يمتون للولايات المتحدة الأمريكية بصلة"، مضيفةً: "نحن ندين بشدة الرسائل الداعمة للعنف".

اقرأ/ي أيضًا: جرحى وعنف واعتقالات.. ماذا يجري بالريف المغربي؟

لكن ما استغربه الرأي العام المغربي هو أن السلطات المغربية لم تفتح متابعة قضائية حتى الآن ضد أفراد مجوعة المارينز المزيفة هؤلاء، مع أن وجوه المجموعة كانت بادية بشكل واضح، كما أنها لم تعلن فتح تحقيق في مقاطع الفيديو المتداولة من بعض هؤلاء العياشة على قناة يوتيوب، والتي تهدد المحتجين بالاغتصاب.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لماذا تشتعل الاحتجاجات بالمغرب في كل رمضان؟

كتاب المغرب.. لا تعسكروا حراك الريف