11-أغسطس-2015

يبقى النجاح الباهر للحركة "اجتماعيًا" حجر زاوية يستفاد منه عربيًا (Getty)

بالترافق مع انتفاض أكثر من شعب على امتداد الأرض العربية، لم يبق المغرب ساكنًا غير متفاعل مع مشاكله ومع المتغيرات في محيطه، البلد الذي يحوز إرثًا سياسيًا عريقًا، لجهة المعارضة كما لجهة الأحزاب الموالية للسلطة، التي تعيد إنتاج صورتها في شكل حزب سياسي، لكن التجربة الجديدة نسبيًا على المغاربة، كانت في إفراز ما هو أقرب إلى نموذج الحركة الاجتماعية الواسعة، بعيدًا عن زواريب و"زنقات" الأحزاب المتمترسة وراء الهيكليات الحزبية والمشاريع السياسية مسبقة الصنع.

عصف الصراع الإسلامي - العلماني، والإصلاحي - الجذري بحركة "20 فبراير" وأسهم في حالة شبه التفكك التي وصلتها 

جاءت حركة "20 فبراير" في المغرب نتاج حراك غير هين، وطويل، لقطاع ممتد من الشباب في مخلتف أنحاء البلاد وخارجها، من الذين يسوؤهم تردي الحال سياسيًا واقتصاديًا، كما ويطمحون لمشاركة حقيقيّة، ودستور وطني يعبر عنهم وعن عصرهم، جل هؤلاء كانوا ناشطين عبر صفحات السوشال ميديا، خاصة موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ومن هناك بدأوا مطالباتهم بالإصلاحات في بلدهم، ليتحولوا لاحقًا من مجموعة من الفيسبوكيين إلى قادة تظاهرات واعتصامات في شوارع الرباط والدار والبيضاء وغيرها من المدن المغربية، رافضين السلفية السياسية والدينية في آن معا، لتنضم لهم لاحقًا قوى سياسة وحقوقية ومنظمات مجتمع مدني، لا ينكر الدور الفاعل الذي أدته في تسويق الحركة وتحسين انتشارها بين القطاعات الناشطة في الشارع المغربي.

هذه الحركة ذاتها من كانت تقف خلف خروج المغاربة يوم 20 شباط/ فبراير 2011 في تظاهرات المطالبة بدستور جديد يمثل إرادة الشعب وتطلعاته، كما طالبت التظاهرات، التي عمت مجمل المدن الرئيسية، بحل الحكومة والبرلمان ونفي الشرعية عنهما، لكن عصا الأمن كانت بالمرصاد وأوقعت عشرات المصابين من بين من تظاهروا، كما قتلت 9 نشطاء وفق أقل التقديرات.

بالإضافة إلى المطلب الدستوري ونزع الشرعية عن البرلمان والحكومة، كان لـ"20 فبراير" مطالبات أخرى أكثر تفصيلية وغوصًا في ثنايا الحال السياسي المغربي، وصلت إلى حد انتقاد القضاء والمطالبة بقوانين تنظمه وتضبطه، وركزت على اختيار الوجوه التي تعمل وتمثل هذا السلك الأساسي في مؤسسة الحكم والدولة، وغير الشعارات الواضحة بمنحاها الاقتصادي، والمتعلقة بنسبة البطالة البالغة بين حملة الشهادات الجامعية وحدهم 74%، كان للحركة مطلب ثقافي اجتماعي حيوي يتعلق بالاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. ولم يغب عن المطالب الإصرار على ضرورة إطلاق المعتقلين السياسيين ووقف هذه "الظاهرة" في المغرب، والمطالبة بالحق في التعبير عبر مؤسسات إعلامية مستقلة حرة يمكن لها أن تعمل بشكل قانوني ودون تضييق وحجب من طرف الدولة.

ما ميز الحركة منذ انطلاقتها، أنه يمكن القول عنها، أو يمكنها أن تعبر عن نفسها بجرأة وثقة، بأنها حركة شبابية، إذ إن جلّ المنتمين لها والفاعلين والمؤيدين من الشباب، إضافة إلى أن الطبيعة المطلبة المتكاملة التي تختص بمصالح الفئات الشعبية والطبقة الوسطى، دفعت إلى أن يكون تفاعل الشارع مع الحركة أكثر إيجابية وتقبلًا. كما كان للدفاع الشرس من طرف الحركة عن شعاراتها ومطالبها التي جاءت من الناس ولهم دور أساسي في التفاف كتلة جماهيرية واسعة حولها، مما ساعدها في الإبقاء على شعلة تظاهرات "حقيقية" وليست للاستعراض الإعلامي فقط.

لكن، كان المآل الذي بلغته الحركة مخيبًا للتوقعات نظرا للنجاح الذي رافق بدايتها، إذ فشلت الحركة في الحفاظ على الالتفاف الشعبي حولها ومعها، كما لم تتمكن من تفعيل حالة استقطاب وتجديد في الوجوه المنتمية لها، وبالتالي ضخ دماء حيوية وجديدة في الحركة، في الوقت عينه لم يُشهد أن للحركة نصيبًا في إنتاج قيادات جوهرية أو مركزية تسهم في توجيهها والأخذ بيدها أمام العقبات والتفسخات التي أصابتها، وإن كان مرد هذا، ربما، يعود إلى طابع الحركة الأفقي الجماهيري البعيد عن مثالب القيادة الحزبية وهرميتها. كما كان للانقسام بين الإسلاميين والعلمانيين في الحركة أثره البالغ في إضعافها، وكذلك الانقسام بين المعسكر الوسطي والمعسكر الراديكالي على الطرفين، يسار ويمين، فيما يتعلق بسقف مطالب الحركة، بين الإصلاح السياسي الاجتماعي وبالتالي الدستوري، وبين التغيير الجذري لطبيعة المنظومة السياسية في المغرب.

يبقى النجاح الباهر للحركة "اجتماعيًا" حجر زاوية يستفاد منه عربيًا، إن لم يكن عالميًا، فيشهد لها بديناميكيتها ووجودها الحقيقي كحركة اجتماعية جماهيرية لا تخضع لسلطة التمويل والسيطرة الحزبية. وقدمت نموذجًا غير بيروقراطي ولا متكلس في النضال الديمقراطي نحو المواطنة الفاعلة وصيانة الهوية المغربية ضمن بعدها العربي وظروفها المحلية.