04-سبتمبر-2022
Artemis program

منصة إطلاق رحلة آرتميس الأولى في ولاية فلوريدا (CNet)

تم تحديث هذه المقالة في 16 تشرين الثاني 2022. 

حاولت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" عدة مرات منذ أيلول/سبتمبر الماضي، الوفاء بوعدها وإطلاق صاروخها العملاق القمري الجديد، ضمن المرحلة الأولى من برنامج أطلقت عليه اسم "آرتميس". حصل ذلك أولًا بسبب تسرب وقود لم تستطع السيطرة عليه، وهو ما عنى تأخرًا أطول في موعد إطلاق الصاروخ، بعد أن كان من المقرر إطلاقه يوم الإثنين الماضي، 29 آب/أغسطس. 

تراجعت الوكالة عن تأكيد موعد العد التنازلي لإطلاق الصاروخ، بعد إخفاق المهندسين في السيطرة على تسرب كبير لوقود الهيدروجين السائل فائق التبريد

عملية الإلغاء الأخيرة تقررت قبل ثلاث ساعات فقط من الموعد المعلن عنه للإطلاق من نظام (SLS) الفضائي، في قاعدة كيب كانافيرال في ولاية فلوريدا الأمريكية، حيث كان من المفترض أن تكون الرحلة التجريبية الأولى غير المأهولة من هذا البرنامج، والتي تهدف إلى إطلاق الكبسولة إلى القمر  وروجوعها، بمثابة الرحلة الافتتاحية التي طال انتظارها من منصة (SLS) وكبسولة "أوريون"، وذلك بعد نصف قرن من آخر مهمة قمرية، والتي حملت اسم "أبولو". 

Artemis program

وقد تراجعت الوكالة عن تأكيد موعد العد التنازلي لإطلاق الصاروخ، بعد إخفاق المهندسين في السيطرة على تسرب كبير لوقود الهيدروجين السائل فائق التبريد، والذي يتم ضخه في خزانات وقود "المرحلة الأساسية" للصاروخ، بحسب بيان من الوكالة. أما محاولة الإطلاق الأولى يوم الإثنين، فقد أجهضت بسبب مشاكل فنية أخرى، من بينها تسريب في خط وقود مختلف، إضافة إلى مشاكل في أجهزة استشعار الحرارة، واكتشاف شقوق في نظام العزل، وهي مشاكل تقنية كانت متوقعة، وسرعان ما تم التعامل معها. 

إلا أن المهمّة انطلقت أخيرًا، وفيما يلي عرض لأبرز المعلومات عنها. 

ما هي مهمة آرتميس القمري؟ 

وضعت وكالة ناسا خطة بعيدة المدى في برنامج "آرتميس" لاستكشاف القمر، وهي مهمة متعددة المراحل مدتها سنوات، تهدف إلى إرسال رواد فضاء إلى القمر لاستكشافه وسبر ما وراءه بشكل أوسع. وستتضمن المهمة إرسال أول امرأة وشخص ملوّن للهبوط على سطح القمر لأول مرّة. ومن الناحية العملية، فإن نجاح هذه المهمة سيكون خطوة أساسية لاستكشاف المرّيخ، كما أنها تعد بإنشاء "اقتصاد قمري" مستدام، بالتعاون مع وكالة الفضاء الدولية، ووكالات غربيّة أخرى. 

ماذا يعني اسم آرتميس؟ 

أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية على برنامجها المبكّر الأول لاستكشاف القمر اسم "أبولو"، وهو برنامج امتد بين عامي 1969 و1972، وتضمن عدة عمليات هبوط ناجحة على سطح القمر. وأبولو هو اسم إله إغريقي، أما أرتميس فهي أخته التوأم، وهي إلهة القمر، بينما هو كان إله الشمس في الأساطير الإغريقية. 

لم تريد ناسا العودة إلى القمر اليوم؟ 

حققت وكالة الفضاء الأمريكية تطورًا كبيرًا في برامجها منذ ستينات القرن الماضي، وعززت تعاونها باستمرار لتطوير الجهود البحثية والمشاريع بالاعتماد على محطة الفضاء الدولية، وذلك على مدى عدة عقود من الزمن. إلا أن محطة الفضاء الدولية تبعد 400 كم تقريبًا عن سطح الأرض، في حين أن القمر يبعد عنا 400 ألف كم تقريبًا، ويبعد عنا المريخ 225 مليون كم. وعليه فإن أي تواجد طويل المدى خارج مدار الأرض (المنخفض نسبيًا، وحيث توجد محطة الفضاء الدولية)، فإن العودة إلى القمر خطوة لا غنى عنها، وهو ما جعل الاهتمام يتواصل لإطلاق مهمة قمرية جديدة، تحمل اسم "آرتميس". 

Artemis program

وبحسب مدير وكالة ناسا عام 2019، جيم بريدنشتاين، فإن برنامج آرتميس سيساعد البشرية على استكشاف القمر بشكل حقيقي ومعمق، ضمن مخطط للبقاء هذه المرّة، لتوظيف تقنيات وأدوات وأساليب عمل سيكون نجاحها مبشرًا لتطوير برامج مستقبلية لاستكشاف المريخ، وتحديد إمكانات الحياة البشرية في الفضاء. 

ويجادل مسؤولو ناسا اليوم، وعلى رأسهم بيل نيلسون، مديرها الجديد، بأن مهمات الوصول إلى القمر عنصر أساسي لتطوير برامج رحلات الفضاء التجارية المأهولة، والتي لن تكون بأي شكل كان، مجرّد إعادة لمهمة أبولو نهاية ستينات القرن العشرين. وبحسب نيلسون، فإن المهام التي ستؤديها مهمة آرتميس أكثر تعقيدًا وذات تبعات أشدّ أهمية ،ولاسيما إذا تكللت باكتشافات تساعد على وصول البشر إلى المريخ. 

كما تأمل ناسا عبر هذه المهمة الجديدة ونجاحها، في تشجيع الشركات الخاصة الكبرى المعنية بالاستثمار في تقنيات الفضاء، إضافة إلى إنعاش الاهتمام بالمجال بين الطلبة والباحثين في المدارس والجامعات. 

أما بالنسبة إلى علماء الفضاء، فإن تجديد الاهتمام باستكشاف القمر يعد بتوفير حجوم هائلة من البيانات الجديدة خلال السنوات المقبلة، ولاسيما فيما يتعلق بظاهرة الجليد المائي على القمر وفهمها، والاستفادة المحتملة من ذلك في تزويد رواد الفضاء بالماء والأكسجين، أو حتى توفير الوقود لإتمام مهمّات أطول في الفضاء. إلا أن العلماء لا يعرفون كمية المياه الموجودة على القمر أو مدى سهولة استخراجها، وهذا سؤال قد تجيب عليه مهمة آرتميس، في حال نجاح إطلاقها. 

مراحل مهمة آرتميس 

- رحلة آرتميس الأولى (2022)

من المقرر إطلاقها هذا العام، هي مجرد رحلة تجريبية مأهولة، لكن ليس بالبشر. فأفراد الطاقم في آرتميس 1 هم مجسّمات خاصّة، (مانيكانات)، ولكلّ منها اسم معلوم، فالأول "هليغا" والثاني "زوهار" والثالث هو "مونيكين كامبوس". هذه المجمسات تشتمل على مواد ومركبات حساسة للإشعاعات،  كتلك الموجودة في الأعضاء البشرية، وذلك لتحديد مدى تأثير الإشعاع في الفضاء على رواد الفضاء البشريين في المستقبل. 

وستسافر هذه المجسمات الثلاثة في مركبة "أوريون" الفضائية، وهي مركبة مصممة لحماية أفراد الطاقم البشري أثناء التجارب العلمية في الفضاء. وسيتم إطلاق مركبة أوريون إلى الفضاء عبر نظام الإطلاق الفضاء (Space Launch System)، وهو صاروخ يبلغ ارتفاعه 322 قدمًا (98 مترًا)، ووزنه يتجاوز 2.7 مليون كغم، ويعدّ أحد أقوى الصواريخ التي طورتها الوكالة الأمريكية على الإطلاق، إذ يقدر على إطلاق حمولة بوزن 27 ألف كغم إلى القمر. 

- رحلة أرتميس الثانية (2024) 

ستحمل مهمة آرتميس الثانية على متنها أربعة رواد فضاء، لتصل بهم على مسافة 7500 كم عن الجانب الأبعد عن الأرض من القمر، وقد تكون هذه هي أبعد مسافة على الإطلاق يصل إليه رواد فضاء في النظام الشمسي. بعد إطلاق هذه المهمة، سيدور رواد الفضاء حول الأرض لمدة 24 ساعة لاختبار أدوات التحكم في المركبة الفضائية وأنظمة دعم الحياة لرواد الفضاء فيها، قبل التوجّه إلى القمر في رحلة تستغرق أربعة أيام. 

- رحلة أرتميس الثالثة (2025) 

في الرحلة الثالثة لآرتميس، سيهبط اثنان من رواد الفضاء قرب القطب الجنوبي للقمر، في حين ينتظر الآخران في مركبة أوريون في مدار حوله. المنطقة المحددة للهبوط على القمر هي موضع يشتمل على حفر غامضة لم تر ضوء الشمس منذ مليارات السنين، ويعتقد العلماء أن المواد الكيماوية المتجمدة فيها قد تساعد على فهم المزيد من تاريخ القمر والنظام الشمسي. وفي حال نجاح المرحلة الثالثة من المهمة، ستقوم ناسا بإرسال رحلات مأهولة منتظمة إلى القمر، وإنشاء قاعدة على القمر، وإرسال مركبة فضائية متمركزة في مدار حوله، ستطلق عليها اسم (Gateway). 

تبلغ تكلفة كل رحلة إلى القمر ضمن برنامج آرتميس أربعة مليارات دولار أمريكي على الأقل 

 

كم تبلغ تكلفة كل مهمّة من برنامج آرتميس؟ 

يعد هذا البرنامج مكلفًا للغاية لوكالة الفضاء الأمريكية، التي تحصل على تمويلها بشكل مباشر من الكونغرس الأمريكي، إذ تبلغ تكلفة كل رحلة ضمن برنامج آرتميس أربعة مليارات دولار أمريكي على الأقل، وذلك دون احتساب تكلفة برامج التطوير.