28-يوليو-2023
تكررت حوادث اعتراض المقاتلات الروسية للمسيّرات الأمريكية فوق سماء سوريا (GETTY)

تكررت حوادث اعتراض المقاتلات الروسية للمسيّرات الأمريكية فوق سماء سوريا (GETTY)

تزايدت على مدار الأشهر الماضية، حوادث الاعتراض الروسية لمسيّرات أمريكية في شمال سوريا، مما رفع درجات التوتر بين واشنطن وموسكو بشكل متكرر، ودفع تحليلات عدة، للحديث عن إمكانية حدوث تصعيد داخل سوريا.

وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، تقريرًا عن الحوادث المتكررة لاعتراض الطائرات الحربية الروسية للمسيّرات الأمريكية، بل حتى المقاتلات الأمريكية فوق الأجواء السورية، وقالت الصحيفة: إن "سوريا أصبحت ميدانًا محفوفًا بالمخاطر للتنافس العسكري بين موسكو وواشنطن".

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، تقريرًا عن الحوادث المتكررة لاعتراض الطائرات الحربية الروسية للمسيّرات الأمريكية

وجاء حديث "وول ستريت جورنال"، بعد الحادثة التي وقعت يوم الأربعاء، عندما قامت مقاتلات روسية برمي بالونات حرارية أصابت جناح مسيّرة أمريكية من طراز "MQ-9 Reaper" كانت في مهمة بشمال غرب سوريا.

وأعلنت القوات الجوية الأمريكية أن 3 طائرات مقاتلة روسية اعترضت 3 طائرات مسيّرة أمريكية في شمال شرق سوريا، صباح الأربعاء. ووصف قائد القوات الجوية في القيادة المركزية الأمريكية الجنرال أليكس غرينكويتش، في بيان، المناورة الروسية ضد الطائرات المسيّرة الأمريكية، التي كانت في مهمة لمراقبة أهداف لتنظيم "داعش" في سوريا، بأنها "غير آمنة وغير مهنية"، وأرفق مع البيان تسجيل فيديو أظهر المواجهة.

زكي وزكية الصناعي

في المقابل، حمل مسؤول عسكري روسي القوات الأمريكية اللوم عن حادث الأربعاء حيث قال إن المسيّرة الأمريكية قامت "بتقدم خطير" باتجاه مقاتلتين روسيتين بشكل دفع المقاتلتين لإرسال بالونات حرارية. وأشار المسؤول العسكري الروسي إلى أن "الولايات المتحدة تواصل تضليل المجتمع الدولي".

أكثر من المسيّرات

الاعتراض السابق، لم يكن الوحيد هذا الأسبوع، فقد تعرضت مسيّرة أخرى من نفس الطراز إلى اعتراض، مما ألحق أضرارًا بالغة بإحدى مراوحها الدافعة.

فيدو بثت القيادة العسكرية الأمريكية لحادث اعتراض قامت به مقاتلة روسية

وتعلق الصحيفة أن المسيّرات الأمريكية ليست الوحيدة التي تعرض لها، الجيش الروسي في الأسابيع الأخيرة، ففي 16 تموز/يوليو ناورت مقاتلة عسكرية روسية قريبًا جدًا من مروحية أمريكية بطريقة عرضت طاقمها للخطر، عندما اضطرت المروحية للتحليق وسط دخان الطائرة النفاثة، وذلك بحسب الجنرال ألكيوس غرينويتش.

وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن المسؤولين الأمريكيين ينظرون إلى هذه الحوادث كجهود حثيثة من الروس للضغط على القوات الأمريكية لدفعها إلى الخروج من سوريا.

واشتكى قادة في الجيش الأمريكي من عمليات "الاعتراض الروسي باعتبارها غير مهنية"، وعبروا عن إحباطهم من الحوادث المتكررة. 

تبرير روسي

في المقابل، لم يكن هناك لدى الروس أي ندم على تلك الحوادث، ففي حادثة مماثلة وقعت في آذار/مارس عندما اعترضت طائرة روسية مسيّرة أمريكية من طراز " MQ-9 Reaper" فوق البحر الأسود، وقاموا بتحطيم محركها لدرجة أجبرت القوات الأمريكية على إسقاطها في المياه الدولية، قدم وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو "جوائز الدولة" إلى قادة الطائرات المقاتلة الروسية.

وجددت وزارة الدفاع الروسية تأكيدها أن "قادة الطائرات الروسية، منعوا الطائرة المسيّرة الأمريكية من انتهاك، حدود منطقة النظام المؤقت لاستخدام المجال الجوي، الذي تم إنشاؤه لغرض القيام بالعملية العسكرية الخاصة [غزو أوكرانيا]"، وأضافت الوزارة أنه "من أجل التعرف على الطائرة الدخيلة، تم إرسال مقاتلتين من قوات الدفاع الجوي المناوبة"، وتابعت الوزارة "نتيجة مناورة حادة، دخلت الطائرة المُسيّرة من طراز MQ-9 Reaper في مسار غير منضبط، مع فقدان الارتفاع واصطدمت بسطح الماء"، وأوضحت الوزارة أن "المقاتلتين الروسيتين لم تستخدما أسلحة محمولة، ولم تصطدما بالطائرة المُسيّرة وعادتا بسلام إلى القاعدة". فيما أظهرت اللقطات المصورة التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية، رواية مغايرة للحادث، كشفت عن تعرض المقاتلات الروسية للمُسيّرة الأمريكية.

غضب أمريكي

وأثارت الحادثة غضب الجيش الأمريكي، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية الجنرال باتريك رايدر: "النقطة الأساسية هنا هي أنه في حين أن عمليات الاعتراض بحد ذاتها ليست نادرة الحدوث، فإن هذا النوع من السلوك من قبل هؤلاء الطيارين الروس، غير شائع ومؤسف وغير آمن".

ويشير الجنرال المتقاعد فرانك ماكينزي، والذي قاد القيادة المركزية في الشرق الأوسط ما بين عامي 2019- 2022، إلى أن "استراتيجية موسكو هي إخراج القوات الأمريكية من سوريا، في وقت باتت فيه البصمة العسكرية الأمريكية بالمنطقة متواضعة".

وأضاف الجنرال الأمريكي "يريدون جعل اللعبة غالية علينا، لكي نلعبها بحيث نتراجع ولا نثبت في مواقعنا"، وتابع "عادة ما يصعد الروس من أجل التهدئة".

شعرت القيادة العسكرية الأمريكية بالغضب من تكرار عمليات التعرض الروسي لطائراتها

وتكشف "وول ستريت جورنال"، أن الحوادث المتكررة، قادت المسؤولين الأمريكيين للبحث عن طرق للرد، وبطرق عسكرية في حال أسقط الروس مسيّرة أمريكية، وقال مسؤول في وزارة الدفاع الامريكية للصحيفة: "هذا الأمر نوليه مزيدًا من الاهتمام".

كما قالت مصادر أمريكية، إن 12 من المقاتلات الحربية المتطورة من طراز "F35"، وصلت إلى الشرق الأوسط في مهمة للرد على الهجمات الإيرانية ضد ناقلات النفط في مضيق هرمز. 

وأشار المصادر الأمريكية إلى أن "المقاتلات تستطيع التحليق في الأجواء المتنازع عليها لو طلب منها ذلك"، في إشارة للعمليات الأمريكية المستمرة ضد تنظيم داعش في سوريا.

ومنذ إرسال القوات الروسية إلى سوريا عام 2015 لدعم نظام بشار الأسد، كانت هناك العديد من لحظات التوتر بين واشنطن وموسكو في سوريا، ولا يزال ينتشر في الأراضي السورية حوالي 900 جندي أمريكي لمساعدة الأكراد في شمال شرق سوريا في الحرب ضد تنظيم داعش.

عوامل زيادة التوتر

وتقول الصحيفة الأمريكية: إن "الولايات المتحدة طالما أرسلت مُسيّرات إلى شمال غرب سوريا، واستطاع الجيش الأمريكي والروسي إدارة الأمر، وتجنب المواجهة من خلال قناة خفض الصدام التي تربط القادة العسكريين الروس في سوريا بالقادة العسكريين الأمريكيين في المنطقة".

أمّا التوتر الأبرز، فقد جاء في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، عندما قام الروس بإطلاق صواريخ أرض- جو ضد مسيّرة أمريكية في سوريا لكنها لم تصبها.

وبداية الشهر الحالي، قامت مقاتلات روسية بالتشويش على مسيّرة أمريكية من طراز " MQ-9 Reaper"، ولعدة أيام حلقت طائرة استطلاع روسية فوق مواقع أمريكية في الجنوب الشرقي من سوريا.

بودكاست مسموعة

وتوضح الصحيفة الأمريكية، أن "هناك عدة عوامل أسهمت في زيادة التوتر، منها تصادم المهمات بين الجيشين، حيث أجبر الجيش الأمريكي على ملاحقة بقايا تنظيم داعش الذي يختبئ قادته في شمال غرب سوريا، وهي المنطقة التي تسيطر على أجوائها روسيا".

وتضيف الصحيفة "هناك عامل آخر، وهو أن ميزان القوة في المنطقة قد تغير مع خفض الولايات المتحدة من بصماتها في المنطقة. فقد مضت الأيام عندما كانت الولايات المتحدة تحلق بطائراتها من طراز "F22" فوق سوريا، بحيث لم يعد لدى الولايات المتحدة سوى بضع مقاتلات لمحاولة صد الطائرات الروسية في سوريا".

يشير الجنرال المتقاعد فرانك ماكينزي، والذي قاد القيادة المركزية في الشرق الأوسط ما بين عامي 2019- 2022، إلى أن "استراتيجية موسكو هي إخراج القوات الأمريكية من سوريا، في وقت باتت فيه البصمة العسكرية الأمريكية بالمنطقة متواضعة"

وتتابع الصحيفة الأمريكية "العامل الأهم، هو الموقف العدواني الروسي في سوريا، فقد كانت الطائرة الروسية التي ألحقت أضرارًا بالمسيّرة الأمريكية يوم الأربعاء تحمل علامة "Z"، وهي العلامة التي يستخدمها الروس لقواتهم المشاركة في غزو أوكرانيا".

ويتحدث أندرو ويز، من معهد "كارنيغي للسلام العالمي"، قائلًا: "يريد الروس أن يكونوا مستفزين، ومواجهة الإحساس بأن الولايات لا يمكن تحديها"، لكن بالمقابل "يحاول الجيش الأمريكي عدم الوقوع بالمصيدة، وفي نفس الوقت حماية جنوده أرضًا وجوًا"، وفق تعبيره.