22-يوليو-2023
الشرطة تقتل شعار على أحد الجدران في العاصمة باريس (GETTY)

عناصر من الشرطة الفرنسية إلى جانب جدار مكتوب عليه "الشرطة تقتل" في العاصمة باريس (GETTY)

كشفت حادثة مقتل الصبي نائل، التي تسببت في انطلاق موجة مظاهرات واسعة، في عدة مدن فرنسية، عن تجاوزات الشرطة الفرنسية، وساهمت في إعادة تسليط الضوء على العنف المنفلت، الصادر عن العناصر الشرطية في فرنسا، سواء بحادثة مقتل نائل، أو نتيجة تكررها في حادثة أخرى.

أصدر مكتب المدعي العام في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا قرارًا بتقديم أربعة من ضباط الشرطة إلى القضاء لتوجيه الاتهام إليهم، وذلك على خلفية إطلاقهم النار على الشاب هادي البالغ من العمر 22 عامًا

ومع حملة اعتقالات واسعة، شملت المئات من المشاركين في المظاهرات، أصدر مكتب المدعي العام في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا، قرارًا بتقديم أربعة ضباط الشرطة إلى القضاء لتوجيه الاتهام إليهم، وذلك على خلفية إطلاقهم النار على الشاب هادي البالغ من العمر 22 عامًا بداية الشهر، وضربه ضربًا مبرحًا، وتركه على قارعة الطريق وهو يصارع الموت.

وقد أوقفت إدارة الشرطة الوطنية الفرنسية، ثمانية ضباط من كتيبتين مختلفتين من شرطة مكافحة الجريمة بعد أسبوعين من الحادث، إلا أن مكتب المدعي العام في مرسيليا أشار إلى أن "أربعة من هؤلاء الضباط سيقدمون إلى قاضي التحقيق لتوجيه الاتهام إليهم"، وقد طلب إيداعهم الحبس الاحتياطي.

تنا

الاعتداء بدافع القتل

ونقل موقع "Mediapart" الفرنسي في تقرير له، وقائع ما حدث عن مع الشاب هادي، من خلال الحديث الذي أدلى به للموقع، وقال هادي ورأسه مغطى بالضمادات: إن "عناصر الشرطة أطلقوا النار عليّ وضربوني ثم تركوني أنازع الموت على الأرض".

وأضاف، أنه غادر المطعم بمفرده بالسيارة نحو مرسيليا للانضمام إلى بعض الرفاق في الميناء القديم، والتقى بصديقته وواصلا السير معًا"، لكنهما لقيا عند أحد التقاطعات رجالًا من فرقة مكافحة الجريمة.

وتابع هادي "أتذكر هراواتهم وسلاح خدمتهم. قلنا لهم مساء الخير، لكن سرعان ما فهمنا أنهم كانوا غاضبين"، وبحسب رواية هادي، فإن أفراد الشرطة لم يردوا على تحيته، بل أمسكوا به، بينما نجحت صديقته في الهرب.

ويواصل هادي سرده للواقعة، فقد رأى شرطيًا يطلق النار على رأسه، ثم سحله على الأرض مسافة 10 أمتار، ثم جلس أحد رجال الشرطة على رجليه لشل حركته، في حين ضربه بقية العناصر.

ويقول هادي "أتذكر العصا والدم يسيل على وجهي من جرح في رأسي"، وذكر أن الأمر استمر خمس دقائق، حيث توسل للشرطة بالتوقف، قائلًا: "كنت أصرخ بأنني لطيف، وأن لدي أوراقي، وأن بإمكانهم أن يفتشوني ليروا أنه ليس لدي أي شيء خطير، لكنهم لم يريدوا التوقف".

وبعد أن تركه أفراد الشرطة، حاول هادي النهوض والركض لكنه انهار، وحاول الاتصال بصديقته التي أتت ونقلته مع مالك بقالة إلى المستشفى، ولم يتم إبلاغ والديه إلا في اليوم التالي عندما طلب منهم الدرك الاتصال بالشرطة، وأخبروهم "إنه أمر خطير للغاية". وتقول والدته: "عندما اتصلنا بهم، أخبرونا إنه في مستشفى بعد إصابته في رأسه، وطلبوا منا الحضور في أسرع وقت ممكن".

أصيب الشاب هادي بجروح بليغة خلال الاعتداء عليه

ويصف والدا هادي، كيف مرت عليهم الساعات قبل رؤية هادي في المستشفى، وكيف قال الأطباء، إن "بقاءه على قيد الحياة كان معجزةً"، حيث اضطر الأطباء إلى "إزالة جزء من جمجمته لتصريف الدم الموجود بين الدماغ والجمجمة، مع فك مكسور، وعين يسرى متورمة لا تكاد تستعيد الرؤية".

دعم للشرطة

في المقابل، تحدث موقع "Mediapart" في تقرير آخر، عن المقطع المصور لضباط شرطة يصفقون ويقولون لزملائهم المشتبه بهم في الاعتداء على الشاب هادي بإنهم "لن يتركوهم" وهو في طريقهم لجلسة التحقيق، في مشهد وصفه الموقع بأنه "تصفيق للعار يشبه البصق في وجه الضحية"، ويقدم هذا التصرف مثال عن تزايد الشعور بين أفراد الشرطة بـ"الإفلات من العقاب"، وهو ما خلق حالة استنكار واسعة.

وتساءل التقرير: "كيف يمكن فهم أن يجرؤ ضباط شرطة الذين يجب عليهم التحفظ وإعطاء المثال الحسن، على إظهار مثل هذا الدعم؟، وكيف يفسر هذا الشعور بالإفلات من العقاب الذي يغزو هذه المهنة بشكل متزايد؟"، مشيرًا إلى "ما تعودته الشرطة من تشكيك في روايات الضحايا وتجرميها لهم".

getty

وتطرق التقرير لحادثة مقتل الصبي نائل، حين دافع قسم من الطبقة السياسية والجمهور الفرنسي عن التبريرات التي قدمها الشرطي المتهم بقتل نائل، وحصل على مساندة واسعة.

وأشار التقرير إلى أن وزير الداخلية جيرالد دارمانين، يشعر بالغضب حين يتم الحديث عن عنف الشرطة، فيما ينفي مدير شرطة باريس بشكل متكرر أن تكون هناك عنصرية داخل جهاز الشرطة، وقد رفض في وقتٍ سابق إدانة عملية جمع التبرعات لفائدة الشرطي الذي قتل الفتى نائل، والتي شارك فيها أفراد من الشرطة بشكل قوي، رغم فتح تحقيق رسمي فيها.

هل جهاز الشرطة أقوى من العدالة؟

وكشف تقرير "Mediapart" أن تحدي الضباط للعدالة أمام مبنى الشرطة ودعمهم لزملائهم يبدو أنه أمر "مرخص له"، وأضاف التقرير "في أي مهنة يدعم الناس رفاقهم بهذه الطريقة، هل يمكننا تخيل أن يقدّم مثل هذا الدعم الصريح لمقدمي رعاية يشتبه في ضربهم كبار السنّ في دور رعاية المسنين أو لمعلمين تركوا الطلاب ليموتوا؟".

زكي وزكية الصناعي

وخلص التقرير إلى أن هذا المشهد يوضح فقدان السيطرة على مهنة الشرطة، على الرغم من أن جميع التحقيقات سلطت الضوء على العنصرية والعنف المتجذر بشكل منهجي داخل جهاز الشرطة.

وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، يشعر بالغضب حين يتم الحديث عن عنف الشرطة

ويدور الحديث منذ فترة طويلة، حول عجز الحكومات الفرنسية، عن إصلاح جهاز الشرطة، الذي تقف خلفه نقابات شرطية قوية، فيما تسعى النقاشات ضمن التيار السائد في فرنسا إلى حرف الانتقادات عن عناصر الشرطة.