15-مايو-2017

ليون لوفينتراوت/ ألمانيا

فتح باب غرفته، أصدر الباب صريرًا لثوانٍ، رفع يده ودون أن ينظر علق مفاتيحه بمسمار معدني أعلى الباب، احتكت العلّاقة بالمسمار ثم تأرجح المفتاح في الهواء، كأنِّهُ مروحة في بداية إقلاعها، خطا في الغرفة، جلس على أريكته، فنفث الإسفنج كل الهواء الذي التقطه في ساعات غيابه عن الأريكة.

أخرج علبة الدخان وأشعل سيجارة، انتظر حتى انتهى صوت اشتعالها ثم أخذ سحبة طويلة، امتدت من رأس سيجارته إلى الفلتر، ثم اندفعت كريح عاتية من بين أسنانه، التفَّتْ حول لسانه قبل أن تسقطَ في جوفه ويغيب صوتها عن مسامعه.

شغل المسجل وبدأ اللحن بالانسياب على جسده كله، تعرى من ثيابه كي لا تغيب عنه أيَّة علامةٍ موسيقية، أطفأ سيجارته لأنها كانت تصدر ضجيج احتراق مزعج، أغمض عينيه وغاب في نوتة كلاسيكية.

كل هذا كان قبل أن تسقط بجانبه قذيفة تُذهِبُ بسمعه إلى الأبد..

حين خرج من المستشفى، كان كل شيء غريبًا عنه. فتح باب غرفته وانتظر دقيقة قبل أن يخطو داخل الغرفة، علّق مفاتيحه فسقطت، اضطر هذه المرة أن ينظر إلى الأعلى ليرى أين المسمار، خطا نحو أريكته لكنه سقط، وقف وحاول مرة أخرى دون جدوى، كان يتعثَّر بالصمت في كل مرة، ضرب الصمت برجله لكنهُ لم يصبه، اعتلى الطاولة وقذف بنفسه عليه فسقط في الفراغ ولم يرتطم بشيء، كان كل شيء غير موجود في أذنيه. 

غرق في فضاء أسود، يحاول الارتطام بكوكب، أو جدار، صرخ في كل الاتجاهات، أغلق فمه بيده وعض على أصابعه، فتح عينيه وهو يلهث كثور، رأى القذيفة ذاتها تطير في السماء، تذكر آخر الأصوات بدقة، زادت دقات قلبه، اتبع صوتها في الهواء.

رأى ظلها يقترب من رصيف بجانبه، قدّر على أيّ نقطة سوف تسقط القذيفة، وركض نحوها وتلقاها في ابتسامةِ صدره حتى غاب كل شيء عن ناظره، وبقي دويِّها في أذنيه إلى الأبد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مرحبًا أنا سيغيل

حكايا "الجرية": مدرسة أمّ جلال