19-يناير-2021

احتجاج للمزارعين في الهند يوم 8 كانون الثاني/يناير 2021 (Getty)

وصلت المحادثات بين الحكومة الهندية والمزارعين حول قوانين الزراعة الجديدة إلى طريق مسدود تخلله تدخل المحكمة العليا في البلاد، فيما تتواصل الاحتجاجات المناهضة للتشريعات والقوانين المتخذة من قبل الحكومة الهندية والتي تصر بدورها على أنها ستفيد المزارعين. الاحتجاجات الواسعة في مواجهة حكومة "عدم المساواة والنيوليبرالية" كما وصفها موقع Democracy Now استمرت لأسابيع ولا زالت مرشحة للاستمرار في ظل فشل جولات المفاوضات. وكانت هذه الاحتجاجات قد بدأت منذ آب/أغسطس 2020 في عدة أقاليم هندية واستمرت حتى مطلع هذا العام.

يتخوف المزارعون في الهند مما ستتيحه القوانين الجديدة للشركات الكبرى من تدخل في قطاع الزراعة وتأثيرات على اليد العاملة فيه

تعود البداية المبكرة للقصة إلى عام 2016، حين وعد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي وحزبه الحاكم بمضاعفة مداخيل المزارعين بحلول عام 2022. إلا أن ما حصل تباعًا عاكس الوعود الحكومية حيث تراجع نمو مداخيل المزارعين المياومين بين أعوام 2014-2019 بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC اعتمد أرقام البنك المركزي الهندي. توضح الأرقام أن أجر العمال الزراعيين انخفض في مقابل ارتفاع نسبة التضخم في البلاد مما زاد من التكاليف الزراعية وارتفاع معدلات الاستدانة، وسط تقلبات حادة في أسعار المنتوجات الزراعية. ومما أسهم في تعميق الأزمة كانت حالة الطقس في السنوات الأخيرة حيث اتسمت المواسم الزراعية بارتفاع نسبة الجفاف مما قلص من المحاصيل وبالتالي أثر على مداخيل المزارعين.

اقرأ/ي أيضًا: اللبنانيون يموتون بكورونا بسبب نقص التجهيزات والدولة تحتجز الهبات الطبية

ووفقًا للوعود الحكومية في الهند فإن مداخيل المزارعين يجب أن تنمو بنسبة 10% تقريبًا كل سنة من عام 2015 ولغاية عام 2020 من أجل تحقيق الهدف المنشود، كما سبق للحكومة الحديث عن ضرورة استثمار 86 مليار دولار في قطاع الزراعة. إلا ان ذلك لم يحدث، ولم يتجاوز حجم الاستثمارات من مجمل ميزانية الهند ما نسبته 9% سنويًا طيلة الأعوام العشرة السابقة.

 فيما تقول أرقام البنك الدولي، أن 40% من العمالة الهندية تعمل في المجال الزراعي، في الوقت الذي تمثل مداخيل أسر العاملين في الزراعة ثلث مداخيل أسر العاملين في قطاعات أخرى. وبالرغم من ضخامة أعداد العاملين في القطاع الزراعي إلا أنه لا يشكل سوى 16% من الناتج المحلي الإجمالي في الهند. وبحسب تقرير نشرته مجلة "فرونت لاين" الهندية بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 2021، فإن السلطات حاولت إفشال التحركات الاحتجاجية وسخرت إعلامها وشرطتها وعدة وسائل أخرى لمنع المتظاهرين من الوصول إلى العاصمة نيودلهي. إلا أن المزارعين المحتجين نجحوا في إيصال أصواتهم وخاصة مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي وجندوها في حملتهم الاحتجاجية عبر فيسبوك وتويتر.

 تمثل مداخيل أسر العاملين في الزراعة ثلث مداخيل أسر العاملين في قطاعات إنتاجية أخرى في الهند

يقول المزارع "رام سينغ" لمجلة فرونت لاين "عندما كنا نقاتل مع القوات الحكومية أشادوا بنا، أما اليوم يسموننا انفصاليين في وسائل الإعلام". وقد لمحت وسائل إعلام أخرى، بحسب مجلة فرونت لاين إلى أن المحتجين ليسوا من الفقراء بل من الأغنياء لأنهم كانوا يأكلون البيتزا ويحملون الهواتف النقالة. وقد رد أحد المتطوعين واسمه "رابير سينغ" وهو من البنجاب، بالقول "حتى لو كان ما نأكله هو البيتزا، فما العيب في ذلك؟ نحن مزارعون نعمل ونتعب لذلك نأكل"، وأكمل كلامه مشيرًا إلى أن "القمح في البيتزا ينتجه المزارعون، والهواتف النقالة نشتريها بأموالنا التي حصلنا عليها بالعمل المضني".

اقرأ/ي أيضًا: مخيمات النازحين في شمال سوريا.. "جحيم" يتكرر كل شتاء

ويشار إلى نسبة 40% من المزارعين في الهند يملكون مساحات زراعية لا تتجاوز 3 هكتارات، و30% منهم لا تتجاوز مساحة أراضيهم 5-6 هكتارات، وقلة قليلة منهم يمكن تصنيفهم على أنهم من كبار ملاك الأراضي. حيث أنه من أصل 13 ألف عالة في إقليم البنجاب، تمتلك أقل من عشر عائلات مساحة زراعية كبيرة.  

ويرى المزارعون أن السماح لدخول الشركات الكبرى في مجال الزراعة عبر التسهيلات الحكومية الممنوحة لها في قوانين الزراعة الجديدة، سوف يسحق المزارعين وخاصة العمال المياومين. إذ أن الشركات الكبرى ستستخدم تقنيات زراعية متطورة غير متاحة للمزارعين، مما يعني التخلي أو تقليص الحاجة إلى اليد العاملة، بحسب ما جاء في "فرونت لاين".

بحسب تقرير لـصحيفة الديبلومات حمل عنوان "العدو الخفي للمزارعين: رأسمالية الكوارث"، فالإصلاحات الحكومية في قطاع الزراعة ستهدد الأمن الغذائي والمائي وستعمق انعدام المساواة الاقتصادية في الهند. وهذه القوانين الجديدة أثارت الجدل حيث يقول المعارضون إنها ستهدد حياة ملايين المزارعين من أصحاب الملكيات الزراعية الصغيرة. وتنص القوانين الجديدة على تحرير سعر المنتوجات الزراعية ورفع الحد الأدنى للدعم ووضع سياسات جديدة للتخزين، ما يعني عمليًا السماح للشركات الخاصة باحتكار العرض والتحكم بالسوق.

يأتي العمل على تمرير هذه القوانين دون استشارة منظمة زراعية واحدة في البلاد أو الأخذ برأي المزارعين، حسب ما نقلته مجلة تايم. وحسب التايم فالشركات الكبيرة تريد دخول ميدان الزراعة في الهند منذ سنوات لكن القوانين حالت دون ذلك، ولم تمتلك أي حكومة الشجاعة لسن قوانين تسهل عمل هذه الشركات، فهناك خوف دائم من أن تشكل القوانين وسيلة لاحتكار السوق الزراعية من قبل هذه الشركات الضخمة والقطاع الخاص. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف يعيش الإيرانيون في ظل العقوبات الأمريكية؟

الشركات الأمريكية العملاقة تضاعف أرباحها في زمن كورونا دون أن تنصف عمالها