18-يناير-2021

مشهد من أحد أسواق طهران (Getty)

تتزايد الضغوط الأمريكية على النظام الإيراني بشكل تراكمي، فها هي العقوبات تستفحل في وجه طهران مرة أخرى ويتم فرضها على مؤسستين إيرانيتين، أدرجتا على القائمة السوداء للإدارة الأمريكية، تعملان في مجال الشحن والأسلحة، إضافة إلى شخصيات إيرانية ولبنانية نافذة في النظام وفاعلة لأجل مصالحه. وترى واشنطن  أن هذه الطريقة المثلى من أجل الضغط على النظام الإيراني.

تشهد الأسواق الإيرانية ارتفاعًا حادًا في أسعار الشقق السكنية والسلع الأساسية مثل الورق والحبر والبلاستيك واللحوم  و المشتقات الغذائية بفعل العقوبات الأمريكية على النظام

وبحسب تصريح لوزير الخارجية الأمريكي في إدراة ترامب مايك بومبيو، تم نشره على الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2020،  يؤكد بومبيو آثار العقوبات على الاقتصاد الإيراني بقوله "يواجه الاقتصاد الإيراني اليوم انهيارًا في سعر العملة الوطنية وتزايدًا في الدين العام وتضخمًا اقتصاديًا مرتفعًا"، ويضيف  أن إيران "كانت  تصدر حوالي 2.5 مليون برميل نفط يوميًا. وهي تكافح الآن لتصدير ربع هذه الكمية". وأشار بومبيو في تصريحه وقتها إلى أنه منذ آيار/مايو 2018 تم منع النظام الإيراني من الوصول المباشر إلى أكثر من 70 مليار دولار من عائدات النفط، وانخفضت قيمة الريال الإيراني إلى خمس القيمة مقابل الدولار الأمريكي منذ بداية العقوبات. في حين تقلص الناتج المحلي الإجمالي الإيراني بنحو 6%  لمدة ثلاث سنوات متتالية. فكيف يعيش ملايين الإيرانيين في ظل هذه العقوبات؟

اقرأ/ي أيضًا: مواجهة كورونا في واجهة خطة جو بايدن الرئاسية لتحفيز الاقتصاد الأمريكي

طيلة خمس سنوات لم تكن العقوبات تستهدف فقط رؤوس النظام الإيراني، وإنما كانت تجر في طريقها الويلات على الشعب الإيراني وتؤثر على قطاعات حيوية مختلفة وعلى الطبقات الاجتماعية كافة في إيران. إذ زادت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر، وتراجعت القدرة الشرائية للإيرانيين وارتفعت أسعار المحروقات. ليتخلل كل ذلك احتجاجات متتابعة تمت مواجهتها بالعنف من قبل الشرطة. هذا إلى جانب دخول حصار جديد ترافق مع الحصار الأمريكي، أي حصار كوفيد-19 الذي جعل الحياة أسوأ في ظل شح الموارد الأساسية وتخفيض النفقات الحكومية. فإيران اعتبرت على مدار أشهر الدولة الثالثة عالميًا المتضررة من كوفيد-19 بمعدل وفيات 3.5%، بحسب تقرير نشرته مؤسسة IRIS الفرنسية للعلاقات الدولية والاستراتيجية، وتستمر إيران في تسجيل معدلات وفيات مرتفعة، بحدود 4.3 % مؤخرًا. 

يمكن ملاحظة ما يعانيه الشعب الإيراني من خلال متابعة ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي، بعيدًا عن الإعلام الحكومي الإيراني، فمثلًا عبر وسم #SanctionsStory  في تويتر شارك الإيرانيون قصصًا مروعة للحياة في ظل العقوبات. وتتناول غالبية القصص المنشورة على تويتر وغيره من المنصات الصعوبات في الحصول على الأدوية الحيوية بسبب عدم توفرها وارتفاع الأسعار، في مقابل انخفاض المداخيل وارتفاع نسبة البطالة بشكل متصاعد في إيران. حيث تشير بعض التقديرات الاقتصادية إلى أن إيران ربما تفقد ما لا يقل عن مليون وظيفة أخرى قبل تجاوزها أزمة فيروس كورونا. في الوقت الذي بلغ العجز في ميزانيتها العامة لعام 2020 ما يقارب 10 مليار دولار أمريكي.

وتجدر الإشارة إلى تغريدة نشرها صيدلي إيراني قال فيها أن العقوبات أدت إلى نقص في المواد الطبية وعدم توفر الآسرة للمصابين بفيروس كورونا ونقص حاد في الأدوية كالأنسولين، إضافة إلى لائحة طويلة من الأدوية. ويترافق ذلك مع خوف شركات الأدوية العالمية من التعامل مع طهران تجنبًا للوقوع  ضمن لائحة العقوبات الأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا: الشركات الأمريكية العملاقة تضاعف أرباحها في زمن كورونا دون أن تنصف عمالها

وفي مجال أخر يتعلق بالتحويلات المالية من خارج إيران إلى داخلها فقد جعلت العقوبات الأمريكية الأمر أكثر صعوبة ومنعت تحويلات المغتربين إلى ذويهم في الداخل الإيراني. بينما حرم البعض من السفر إلى بلدان غربية لزيارة عائلاتهم، كما جاء في تقرير نشرته وكالة الأناضول التركية حول حياة الإيرانيين في ظل العقوبات. ويتحدث تقرير الأناضول عن ارتفاع أسعار الأجهزة الإلكترونية والبضائع المستوردة والسيارات مما أثر على حياة المواطنين بشكل ملحوظ. كذلك الحال مع ارتفاع أسعار الشقق السكنية وسلع أساسية مثل الورق والحبر والبلاستيك واللحوم وغيرها من المشتقات الغذائية المستوردة وفق  تقرير متلفز نشرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC.

بينما تنقسم  الآراء عبر منصة تويتر بين من اعتبر أن النظام الإيراني هو الفاسد والمتسبب في ارتفاع نسبة الوفيات جراء كوفيد-19 وشح الأدوية والمعدات الطبية، وبين من اعتبر أن رواية القصص الحياتية بدون الإحالة إلى دور العقوبات في خنق الشعب الإيراني تعتبر ناقصة ومضللة. وقد غرد أحدهم بالقول أن العقوبات الأمريكية لا تميز بين النظام والشعب، وبأنها "عقوبات جماعية" لا تأخذ بعين الاعتبار أنها تستهدف المدنيين وهذا ما يخالف الأعراف الدولية. فيما غرد السيناتور الديمقراطي الأمريكي كريس مورفي بأن "الأبرياء يموتون نتيجة العقوبات على إيران".

كانت الحكومة الإيرانية قد صرحت، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن "العقوبات الأمريكية تودي بحياة الإيرانيين وطالبت بأن ترفع العقوبات تبعًا لأسباب إنسانية في ظل مواجهة العالم لفيروس كورونا". وقال وزير خارجية طهران محمد جواد ظريف أن "العقوبات غير عادلة" ووصفها بالإرهاب الاقتصادي والإرهاب الطبي. غير أن الإدارة الأمريكية ترفض هذه الحجج وتعتبر ما يحصل هو بسبب النظام الإيراني. كل ذلك ينذر بأزمة إنسانية وصحية حادة ستعصف بالشعب الإيراني كما يصف تقرير هيومن رايتس ووتش بهذا الخصوص، بينما يسود الترقب مما ستحمله حقبة جو بايدن للعلاقة مع إيران ومسألة العقوبات عليها، الأمر الذي يتصل بشكل مباشر بحياة الملايين فيها وليس بمصالح النظام السياسي فقط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القطن الصيني محظور في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب العمالة القسرية

هل الاقتصاد الألماني في خطر بعد انكماشه 5%؟