10-مايو-2024
تاريخ الحضارة الصينية وأهم الإنجازات

(freepik) قامت حضارة الصين منذ 5 آلاف عام

كانوا قديمًا يقولون (اطلبوا العلم ولو في الصين) وكانت هذه العبارة دلالة على ضرورة السعي والاجتهاد في ملاحقة المعرفة حتى لو كانت في أقصى بقاع الأرض، ولكنها كذلك تدل على أن الصين بأبهتها وتاريخها العريق وحضارتها الغنية تستحق أن تُعد كعبة يحجّ الناس إليها طلبًا لكل منفعة، فما هي أبرز سمات الحضارة الصينية؟ وما أهم إنجازاتها؟ 

في عام 1949، وبعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني على الكومينتانغ، أُعلنت جمهورية الصين الشعبية، برئاسة ماو تسي تونغ.

تاريخ الحضارة الصينية

غالبًا ما يرتبط قيام أي حضارة في العالم القديم بوجود الماء، كما هو الحال مع قيام الحضارة الصينية التي قامت في حوضي نهري هوانغ هو ويانغتسي، حدث هذا قبل ما يقارب من الـ 5000 عام مما يشير إلى أن هذه الحضارة واحدة من أقدم وأعرق الحضارات حول العالم.

وقد تداولت على حكم الصين العديد من الأسر الحاكمة، وبناء عليه قسم المؤرخون التاريخ الصيني إلى 3 أقسام هي:

  1. الصين ما قبل الإمبراطورية (أسرة شيا وشانغ وتشو حتى عام 221 قبل الميلاد).
  2.  الصين الإمبراطورية (أسرة تشين 221 قبل الميلاد - أسرة تشينغ 1911).
  3. الصين الجديدة (1911 – العصر الحديث).

وقد اتسم التاريخ السياسي الصيني بالاضطراب الشديد إذ مرت عليها كما ذكرنا العديد من السلالات الحاكمة مما يعني كثرة التناحر على تولي العرش والملك والحكم. إلا أنها تطورت بشكل ملحوظ في ظل 8 سلالات هي:

  1. تشين 
  2. هان
  3. سوي
  4. تان
  5. سونغ
  6. يوان
  7. مينغ
  8. تشينغ

وقد استمر حكم السلالات الإمبراطورية للصين القديمة منذ العام 221 قبل الميلاد وحتى العام 1911م، وينطوي على هذه السنوات الطويلة العديد من الحروب والغارات، التي كان أبرزها وأكثرها مأساوية الهجوم المغولي بقيادة جنكيزخان في القرن 13؛ الذي أسفر عن سقوط الإمبراطورية الصينية في أيدي المغول وإقامة سلالة يوان هناك.

وفي عام 1911، شهدت الصين ثورة شينهاي، التي تسببت في سقوط الإمبراطورية وتشكيل الجمهورية الشعبية. ولاحقًا في عام 1949، وبعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني على الكومينتانغ، أُعلنت جمهورية الصين الشعبية، برئاسة ماو تسي تونغ.

يعود للصينين فضل اكتشاف الشاي وزراعته منذ 5000 عام وحتى الآن، إذ يعتبر الشاي في الصين من أكثر الزراعات المشهورة فيها

مميزات الحضارة الصينية وإنجازاتها

حضارة عملاقة امتدت كل هذه الأعوام، في حكم عدة سلالات وفي رقاع من الأرض واسعة الانتشار، لا بد أنها تميزت بالكثير من الأمور، وفيما يأتي نتناول بعضها:

  1. الأعراق المتعددة

مما يعني ثقافات مختلفة وعادات وتقاليد متنوعة مما أثرى الحضارة الصينية وأغناها وأرسى جذورها في تاريخ الحضارات الأصيلة في كل العالم وعلى مر السنوات الطويلة.

  1. الطبيعة الخلابة

وهي واحدة من أهم الخصائص التي تميزت بها الحضارة الصينية، حيث ارتبط المواطن الصيني بالطبيعة ارتباطًا وثيقًا فقد كانت الأرض بالنسبة إلى الصيني القديم فسحة للروح وانطلاقة للتأمل. ولعل هذه الأسباب كانت ركنًا أساسيًا لاشتهار الصينيين بالحكمة المستقاة من روح المكان التي تضفي الصفاء على النفس وتجلو جوهرها.

  1. التطور الطبي

اشتهرت الحضارة الصينية بنبوغ أهلها في طب الأعشاب خاصة، وهناك العديد من الوصفات التي ما تزال تستخدم حتى يومنا الحاضر على نطاق واسع من العالم، كما يعد العلاج بالإبر الصينية من الطرق القديمة في المعالجة، وقد اكتشفها الصينيون منذ آلاف السنين، وبعد الأبحاث الحديثة تبين أن استخدامها يعد وسيلة فعالة لعلاج الكثير من الأمراض وتخفيف الألم.

  1. الزراعة

نظرًا لقيام الحضارة الصينية في حوضي نهري هوانغ هو ويانغتسي فقد كانت الزراعة واحدة من أهم الأعمال إن لم تكن الأهم على الإطلاق لدى الصينيين،ورغم أنهم لم يهتموا بالزراعة كمصدر للرزق وحسب، بل مارسوها بكل ما فيهم من محبة للأرض والزرع، يقودنا هذا إلى أن التطور الطبي الذي قام على الأعشاب لديهم ينبع بالدرجة الأولى من اهتمامهم بمحاصيلهم الزراعية، بل وباهتمامهم بكل ما تنتج هذه الأرض من أعشاب يمكن استخدامها في العلاج، ويعكس كذلك اهتمامهم في تحليل هذه الأعشاب لمعرفة نافعها من ضارها.

كما يعود للصينين فضل اكتشاف الشاي وزراعته منذ 5000 عام وحتى الآن، إذ يعتبر الشاي في الصين من أكثر الزراعات المشهورة فيها، ومزارعه تشكل للناظر لها حيزًا جماليًا لا يضاهيه وصف.

  1. العلوم الإنسانية 

تعتبر الحضارة الصينية أصلًا من الأصول الفلسفية الأكثر تأثيرًا في العالم، وهي كانت المذاهب الفكرية الرئيسية الأربعة هي الكونفوشيوسية وموه والطاوية والقانونية، وجميعها تتفق في السعي إلى إقامة مجتمع منتظم وسعيد خاصة في ظل الظروف السياسية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، هذا بالإضافة إلى العديد من العلوم المتنوعة في مجالات مختلفة وأبرزها الحروف والرموز الصينية القديمة التي استخدمت للكتابة.

  1. الفن المعماري

 يظهر أثر الفكر الكونفوشيوسي بشكل جلي في فن العمارة الصيني، فهو في مجمله يتمحور حول العلاقات الاجتماعية وتنظيمها بين الناس فقد تم إنشاء بيوت العامة التي تسمى سي خه يوان أي (الدار المربعة) بشكل يلتزم  بالمبادئ والقواعد الكونفوشيوسية في التعامل والعلاقات من خلال وضع فروق صارمة بين الداخل والخارج، وكذلك الأماكن المنفصلة للذكور عن الإناث، وهذه القواعد هي منظومة مقننة من القواعد سيطرت على العلاقات البينية في المجتمع الصيني الإقطاعي وكان هدفها الأساسي هو الحفاظ على النظام الاجتماعي الهرمي في الصين الإقطاعية وصيانته، وكانت تلك البيوت تجسيدًا للفكر الكونفوشيوسي.

عدا عن ذلك فإن الفن المعماري في الصين يتجلى في "سور الصين العظيم" الذي شيد ليكون وسيلة دفاعية عنها بما فيه من حوائط دفاعية وأبراج للمراقبة وممرات استراتيجية وثكنات للجنود وأبراج للإنذار وغيرها من المنشآت الدفاعية، وقد سيطر على هذا المشروع الدفاعي نظام قيادي عسكري متكامل يتكون من مستويات مختلفة.

ويمتد سور الصين العظيم من نهر يالوه شرقًا وينتهي عند ممر جيا يو قوان غربًا، كما ينقسم إلى 9 مناطق إدارية عسكرية، حيث لكل منطقة رئيس تنفيذي لإدارتها بصورة مستقلة وهو المسؤول عن إصلاح السور داخل منطقته وترميمه، وهو مسؤول أيضًا عن الشؤون الدفاعية في المنطقة أو مساعدة المناطق العسكرية المجاورة على شؤونها الدفاعية وفقًا لأمر وزارة الدفاع الوطنية، وقد بلغ عدد الجنود المرابطين على خط السور في عهد أسرة مينغ الملكية حوالي مليون جندي. بالإضافة إلى أن سور الصين العظيم يعد الآن واحدًا من عجائب الدنيا السبع الجديدة حسب التصويت العالمي الأخير.

ومن أبرز ما خلفته هذه الحضارة من آثار يعد جيش التيراكوتا، أو جيش الطين معلما بارزًا على تطور تقنيات التصنيع الصينية القديمة، إذ بنيت مقبرة الإمبراطور تشين، ووضع فيها ما يقرب 8 آلاف جندي بالحجم الطبيعي مصنوعين من الطين، بزيهم العسكري وعدتهم وعتادهم، مع 600 خيل بالحجم الطبيعي أيضًا، هذا الجيش المكتشف بفضل عمليات التنقيب لم يستطع علماء الآثار النبش خلفه أكثر بسبب الزئبق الموجود في المقبرة لحفظ التماثيل وحراسة المقبرة من الدخلاء، بالإضافة إلى أن المنقبين يشيرون إلى كون هذه التمائيل صنعت بحيث تكون متطابقة باستخدام قوالب مكررة في عملية أقرب ما تكون إلى خط الإنتاج المتعارف عليه اليوم، وأن الأوجه كذلك صممت بأنماط وقوالب موحدة، ولكن بعد ذلك جرت إضافة التفاصيل الفردية التي تبرز كل جندي كأنه متفرد عن الجندي المجاور له.

كانت هذه نبذة مختصرة للغاية عن حضارة امتد إرثها مئات السنوات، تتميز الحضارة الصينية بالإنجازات العظيمة على الصعيد الإنساني والعلمي، ولكنها كغيرها من الحضارات قديمًا وحديثًا لا يخلو تاريخها من الدموية والطغيان، ولا الظلم والنظام الاجتماعي غير العادل. ولكن ما يبقى لنا هو النظر إلى تاريخ الشعوب كلها بعين المتفحص المحايد الذي لا ينكر الفضل لصاحبه، ولا يعميه الإعجاب عن رؤية المثالب.