07-فبراير-2018

في السنوات الأخيرة تعرضت الحركة الطلابية بمصر لقمع غير مسبوق أنهكها بشكل كامل (أسوشيتد برس)

تعيش المنطقة العربية أوضاعًا مأساوية، ربما لم تشهد لها مثيلًا من قبل، أو على الأقل أن تأتي مجتمعة هكذا، فمن مجاعة وحرب في اليمن تقودها السعودية، إلى اقتتال لا تعرف له نهاية في سوريا، ونكبة جديدة تخص القضية الفلسطينية بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، وانقسام خليجي/عربي بأزمة حصار فرضته السعودية والإمارات والبحرين على جارتهم قطر.

في خضم الأتون المشتعل في المنطقة العربية، يبدو الحراك الطلابي في مصر، الذي لطالما تميّز بحماسته؛ ساكنًا خافت الصوت

وفي خضم هذا الأتون المشتعل من الأحداث، يبدو الحراك الطلابي في مصر، والذي لطالما تميز بحماسته وإن في مساحات ضيقة، ساكنًا خافت الصوت في ظل حالة من الانغلاق المُحكم للمجال العام عمومًا. الحركة الطلابية التي مثلت على مدار عقود ضغطًا لا يُستهان به على الأنظمة المتعاقبة، أفل وهجها الآن في ظل حكم نظام ما بعد الثالث من تموز/يوليو 2013.

اقرأ/ي أيضًا: الحراك الطلابي في مصر.. هل انتهى؟

ليلة سقوط بغداد

كان لسقوط بغداد في أوائل نيسان/أبريل 2003، وقع شديد الوطأة على الشارع العربي، الذي انتفض في كل مكان وقتها تقريبًا، تعبيرًا عن غضبه من غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة، بتآمر عربي كُشف لاحقًا، وتحت مزاعم لا أصل لها، تلك الخاصة بأسلحة الدمار الشامل.

كان حدثًا جللًا، لم يمر وقتها مرور الكرام على الشارع العربي، فنقلت التغطيات الإعلامية وقتها احتجاجات واسعة عربيًا، ومصريًا تحديدًا، كان قلبها النابض الجامعات المصرية التي انتفض طلابها، ففي جامعة الأزهر، تظاهر ما يربو عن عشرة آلاف طالب، وفي جامعات القاهرة وحلوان وعين شمس والإسكندرية. 

وقبيل الغزو الأمريكي للعراق، وثقت تقارير صحفية تظاهرات في جامعة القاهرة، تحديدًا في شباط/فبراير 2003، اعتراضًا استباقيًا على أي عمل عسكري محتمل ضد العراق، وقد كانت اللهجة الأمريكية وصلت لذروتها ضد بغداد.

وكشفت العديد من التقارير تورط نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، في غزو العراق، وإن بإعطاء ضوء أخضر بموافقة القاهرة على شن هجوم عسكري ضد نظام صدام حسين. لكن لم تكن إلا قاهرة القصر الحاكم فقط هي الموافقة، إذ اشتعلت الحركة الطلابية ضد غزو العراق وقوبلت بهجمة شرسة من قوات الأمن المصرية، التي اعتقلت في 21 آذار/مارس 2003 حوالي 800 من الطلبة المحتجين، استمر حبس 61 منهم، ووجهت لهم التهم التقليدية من التحريض وتدمير الممتلكات العامة وعدم الامتثال لأوامر السلطات، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

هناك دائمًا القضية الفلسطينية

في القلب دائمًا من الحركة الطلابية المصرية، كانت هناك القضية الفلسطينية، بمختلف محطاتها، بل إن القضية الفلسطينية كانت بالأحرى محركًا أساسيًا للحراك الطلابي في مصر، وإن تفاوت ذلك ما بين صعود وهبوط، وفقًا لظروف المشهد السياسي في البلاد.

وفي كتابها "الحركة الطلابية في مصر كما تعكسها الصحافة المصرية خلال عقد التسعينات"، تفصل نفيسة الدسوقي أبرز محطات تفاعل الحركة الطلابية المصرية مع القضية الفلسطينية خلال فترة التسعينات، فتأتي على ذكر التظاهرات التي اجتاحت الجامعات المصرية بعد مذبحة الأقصى الأولى في تشرين الأول/أكتوبر 1990، مرورًا بمسيرات جامعة القاهرة، إحياءً لذكرى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في كانون الأول/ديسمبر 1990. 

وأشارت نفيسة الدسوقي أيضًا إلى واحدة من أكبر التظاهرات التي عرفتها الجامعات المصرية، تحديدًا جامعة القاهرة، التي اندلعت احتجاجًا وتنديدًا بمذبحة الحرم الإبراهيمي في شباط/فبراير 1994.

ومع دخول الألفية الثالثة، لم يخفت تفاعل الحركة الطلابية المصرية مع القضية الفلسطينية، وإن كانت هناك محطات بعينها فارقة، منها على سبيل المثال، المظاهرات الطلابية الحاشدة في مصر عام 2008/2009 إبان العدوان على غزة، والتي خرج فيها الآلاف في مختلف الجامعات المصرية منددين بالجرائم الإسرائيلية والصمت العربي على العدوان. 

وفي العام 2010، خرج آلاف الطلاب في مختلف الجامعات المصرية، تنديدًا بالاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، وضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح إلى "التراث اليهودي" المزعوم، وتنديدًا كذلك بالحفريات تحت المسجد الأقصى.

كانت القضية الفلسطينية في القلب دائمًا من الحركة الطلابية المصرية، بل كانت بالأحرى محركًا أساسيًا لتظاهراتها واحتجاجاتها

وعلى مدار الأعوام التي تلت الثورة المصرية في 2011، خفت قليلًا تفاعل الحركة الطلابية مع القضايا العربية، ربما للانشغال بالشأن الداخلي والتغيرات التي كانت حادثة في مصر، ومع ذلك كانت هناك محطات بارزة أيضًا لتفاعل الحركة الطلابية مع القضايا العربية، وتحديدًا القضية الفلسطينية، كالتظاهرات التي خرجت تزامنًا مع ما عرف بـ"الانتفاضة الفلسطينية الثالثة".

اقرأ/ي أيضًا: يوم الطالب العالمي.. ذكرى للنضال 

وما بعد الثالث من تموز/يوليو 2013، اشتعل الحراك الطلابي في مصر، وتصدرته جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عمومًا، إذ كان موجهًا ضد عزل محمد مرسي، وما استتبعه ذلك من قمع غير مسبوق في عنفه. ومع الضربات المتلاحقة لهذا الحراك، بدأ في الخفوت بداية من 2015، حتى انتهى بشكل شبه كامل.

مع ذلك، وعلى إثر اعتراف ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، خرجت تظاهرات من جامعة الأزهر تنديدًا بالقرار، كما خرج طلاب الجامعة الأمريكية متظاهرين ضد قرار ترامب. وخرجت بعض المسيرات الاحتجاجية في جامعات أخرى، لكنها كانت ضعيفة، وقد سيطر عليها المشهد الرسمي، بظهور رؤساء الجامعات وعمداء الكليات فيها، ما يجعلها بعيدة عن كونها حراكًا طلابيًا.

كيف خفتت شعلة الحركة الطلابية في مصر؟

بعد الثورة المصرية في 2011، توجهت أغلب الجهود الحركية للانشغال بالشأن الداخلي، على ضوء المتغيرات المتسارعة التي عرفها الشارع المصري.

والتحمت الحركة الطلابية بالمشهد السياسي العام، فكانت تظاهرات الطلبة في الشوارع والميادين، وخلال فترة الاستقرار النسبي وبدء الحملات الانتخابية لرئاسة مصر في 2012، بدأ العمل الطلابي السياسي في أخذ زخم نسبي، عبر اتحادات طلابية منتمية للأحزاب السياسية المتنافسة.

لكن ذلك لم يلبث أن انتهى، مع بيان الجيش في الثالث من تموز/يوليو 2013، وما أعقبه من غلق مُحكم للمجال العام، وكافة المساحات التي كانت متاحة للحركة السياسية.

شهدت الجامعات المصرية عنفًا غير مسبوق من قبل قوات الأمن ضد الطلبة، بعد 3 تموز/يوليو 2013 (أ.ف.ب)
شهدت الجامعات المصرية عنفًا غير مسبوق من قبل قوات الأمن ضد الطلبة، بعد 3 تموز/يوليو 2013 (أ.ف.ب)

في المقابل ظهر حراك طلابي مناوئ للحكم العسكري، تصاعد زخمه بقوة بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. وشهدت الجامعات المصرية اعتداءات عنيفة على الطلاب المتظاهرين من قبل قوات الأمن المصرية، ومجموعات من البلطجية. فقُتل العشرات واعتقل المئات من الطلبة خلال تلك الموجة الاحتجاجية التي اجتاحت الجامعات المصرية. ورصدت المنظمات الحقوقية انتهاكات بالجملة، وصلت لدرجة المنع من دخول الجامعات والمدن الجامعية، بناء على الموقف السياسي.

وفي لمحة عن القمع والعنف الذي واجهته الحركة الطلابية آنذاك، أصدر "مرصد طلاب الحرية" إحصائية لبعض انتهاكات قوات الأمن بحق طلاب الجامعات المصرية عام 2015، فوثقت 25 حالة قتل، و400 حالة اختفاء قسري، وأكثر من ألف حالة اعتقال تعسفي، و140 معتقلًا حُوّلوا للمحاكمات العسكرية، و286 حالة فصل تعسفي من الجامعات.

وتعطي هذه الإحصائية وغيرها من الإحصائيات والتقارير التي وثقت جانبًا مما تعرض له الحراك الطلابي في تلك الفترة، نظرةً على تكلفته الباهظة، وكيف واجهته القوات الأمنية بقمع ربما لا يكون مسبوقًا من قبل في الجامعات المصرية. وقد ساهم ذلك بطبيعة الحال في خفوت صوت الحركة الطلابية في مصر.

بعد 3 تموز/يوليو 2013 واجهت الحركة الطلابية بمصر قمعًا غير مسبوق لحقه إعادة تشكيل للاتحادات الطلابية بما يتواءم تمامًا مع السلطة

وبعد القمع المفرط، بدأ النظام المصري في إعادة تشكيل الاتحادات الطلابية في مصر، لتكون أكثر تواؤمًا معه، فصعد بوجوه طلابية متماهية تمامًا مع السلطة، لتتزعم الاتحادات، بعضها تبناه النظام أو رجاله الموالون، ليدخلوا عالم السياسة من أبوابه الأوسع، كجزء لا يتجزأ من مشهدية النظام المصري الحالي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاتحادات الطلابية في مصر.. مسار متأزم وحلول مستحيلة

القوى الطلابية المصرية في مواجهة الانتهاكات