19-أكتوبر-2015

تمت مواجهة الاحتجاجات الطلابية في مصر بالعنف الشديد من قبل قوات الأمن(محمود خالد/أ.ف.ب)

عُرفت الحركات الطلابية المصرية منذ زمن بعيد بمدى تأثيرها على الواقع السياسي في البلد. لا يهدف الحراك الطلابي إلى إحداث التغيير داخل أسوار الجامعة فحسب وإنما طالما ارتبط بواقع الحياة السياسية والاجتماعية في مصر. إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير، لعب الحراك الطلابي دورًا جوهريًا في الحياة السياسية المصرية، ومرت الحركات الطلابية بتجارب عدة خلال الأعوام الدراسية التي أعقبت الثورة وتفاوتت في قوتها وتأثيرها حسب الواقع السياسي ومن تولى سدة الحكم في مصر.

في العام الدراسي 2011/2012 أو "عام الثورة"، قوِي الحراك داخل الجامعات نظرًا لازدهار الحياة السياسية، في محاولة لبناء مجتمع يبدأ من شباب الجامعات ومن خلال رفع الوعي بأهم القضايا الطلابية التي غفل عنها خلال السنوات الماضية. وفي العام 2012/2013 واصلت الحركات الطلابية مسيرتها وكان للأحداث السياسية الجارية صداها داخل الجامعات. أجريت خلال هذا العام انتخابات الاتحادات الطلابية وهي آخر انتخابات طلابية إلى حد الآن.

عُرفت الحركات الطلابية المصرية منذ زمن بعيد بمدى تأثيرها على الواقع السياسي في البلد

أما عام 2013/2014 فقد شهد تغييرًا في طريقة التعامل الأمني مع الحراك الطلابي. مثلت الجامعات حينها مصدر قلق بالنسبة للسلطة تزامنًا مع التحركات السياسية الأخرى عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، فاقتحم الأمن الجامعات واشتبك مع الطلبة مما أوقع خسائر تمثلت في سقوط بعض الطلبة بين قتيل وجريح إضافة إلى اعتقال عدد كبير منهم وتوجيه تهم جنائية لهم تصل عقوبتها إلى حد الإعدام في القانون المصري.

واصلت الحركات الطلابية تظاهراتها فيما بعد والتي ارتكزت على المطالب السياسية بشكل أساسي وأهملت مشاكل الطلبة المباشرة. وقد تمت مواجهة هذه الاحتجاجات بالعنف الشديد. يذكر أن المجلس الأعلى للجامعات قد اتفق مع شركة الأمن الخاصة "فالكون" على حراسة الجامعات من الداخل وأعقب ذلك الاتفاق على توفير مدرعات الأمن المركزي أمام بوابات الجامعات.

وعلى هذا المنوال كان العام الدراسي 2014/2015 مشابهًا لسابقه ولكن بشكل أكثر دموية، وهو ما ساهم في تراجع الحراك والاحتجاجات خاصة بعد أحداث اقتحام كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية في الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2014، والتي قُتل فيها الطالب عمر الشريف واعتقل العشرات من وسط الحرم الجامعي ولا يزالون رهن الاعتقال حتى الآن بتهمة قتل زميلهم الذي لقى مصرعه إبان الاقتحام. كما شهد هذا العام الدراسي أحداث خطيرة أخرى منها واقعة قتل الطالب محمد رضا داخل حرم جامعة القاهرة.

وفي إحصائية صادرة عن مرصد طلاب الحرية، فإن عدد الطلاب الذين لقوا حتفهم في اشتباكات الأمن والطلبة حتى يوم 26 سبتمبر/ أيلول 2014 بلغ مائتان وثمانية شهيد، بالإضافة إلى ألف وثمانمائة وخمسة عشر طالب معتقل.

ورغم العنف الأمني فإن ذلك العام الدراسي شهد بدوره مظاهرات مهمة، كالمظاهرة التي خرجت في اليوم التالي لحصول الرئيس المخلوع مبارك على الحكم بالبراءة، يومها التحم الطلاب في حراك مشترك بين جميع التيارات السياسية إلا أن ذلك الحراك لم يكتب له النجاح بنهاية اليوم عندما رفع طلاب الإخوان لافتات للمعزول محمد مرسي وهو مطلب تختلف حوله الكيانات الطلابية.

تمت مواجهة الاحتجاجات الطلابية في مصر بالعنف الشديد من قبل قوات الأمن

كانت التحركات خلال السنوات الماضية عشوائية ومرتبطة بالحالة السياسية غير الواضحة فأغفلت التنظيمات الطلابية عنصر التنظيم ووضع الاستراتيجيات العملية لإدارة المرحلة والرجوع إلى القواعد لكسب أكبر قدر ممكن من طلاب الجامعة. في هذا الإطار، يقول محمود شلبي، أمين عام "حركة طلاب مصر القوية" المحسوبة على حزب "مصر القوية"، لـ"ألترا صوت": "غيّرنا خطابنا واستراتيجياتنا داخل الجامعات خلال العام الدراسي الجديد ليتحول من الاهتمام بالجانب السياسي بشكل رئيسي إلى التركيز على المطالب الطلابية ومكافحة الفساد الجامعي وإعادة تكوين شبكات اجتماعية بين القواعد الطلابية".

لم يعرف العام الدراسي الحالي في بدايته المظاهرات المعهودة، بل انطفأت شمعة الحراك الطلابي بشكل ملحوظ نظرًا لتغيير الحركات السياسية لاستراتيجياتها من جانب، والإحباط الذي ضرب البعض من الحركات وتراجع اهتمام الطلبة بقضاياهم. غيّرت حركة الاشتراكيين الثوريين آليتها وارتأت الانطلاق من القضايا الإقليمية كالقضية الفلسطينية أملًا في أن يعود للحراك الطلابي في الجامعات المصرية رونقه. أما "طلاب ضد الانقلاب"، طلاب الإخوان المسلمين، فارتأت بدورها أن تغير استراتيجيتها المعتمدة على المظاهرات اليومية في السابق والاكتفاء بالتظاهر كل فترة حتى لا تخسر الحركة القاعدة الطلابية.

هكذا، تعرض الحراك الطلابي خلال السنوات الأخيرة في مصر لضربات قوية وتحديدًا خلال العامين الماضيين، مما جعل كل الحركات الطلابية تختار إعادة التفكير في أي خطوة يتم اتخاذها حتى لا يتم التضحية بأي طالب حرصًا على حقه في الحياة أولاً، و مستقبله العلمي ثانيًا، وربما يكون هذا العام الدراسي بمثابة استراحة محارب للحركات الطلابية للتفكير فيما هو قادم والتعاطي مع الوضع والخروج بحلول وأفكار لاستعادة روح النضال الطلابي مرة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: 

تلاميذ وطلبة مصر..أي عودة؟

القوى الطلابية المصرية في مواجهة الانتهاكات