22-يناير-2020

خرج لبنانيون للاحتجاج مباشرة بعد إعلان تشكيل الحكومة (Getty)

أصدر رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون مساء الثلاثاء، مرسوم تشكيل حكومة جديدة برئاسة حسان دياب، بعد حوالي شهر على تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، إثر  تقديم سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة السابقة على خلفية الانتفاضة الشعبية المندلعة منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر الفائت.

فيما كان دياب يؤكد أن حكومته ستستمع لمطالب الانتفاضة، كان وزير الداخلية الجديد محمد فهمي يعلن في أول مقابلة له تأييده الكبير وإعجابه بعمل قائد الأمن الداخلي عماد عثمان

وبالرغم من أن حسان دياب قد التزم بثلاثة من الوعود التي قدمها حول التشكيلة الحكومية، حيث لم يتم توزير أي من وزراء الحكومة السابقة، وتم احترام مبدأ فصل الوزارة عن النيابة، ولم يتم توزير حزبيين، ظاهريًا على الأقل، فإن الطريقة التي تشكلت بها الحكومة، والاتهامات والتصريحات النارية بين أطراف فريق 8 آذار الذي استأثر بالتشكيل بعد انسحاب قوى الرابع عشر من آذار، وطريقة المحاصصة ومبادلة الوزارات وتكريس الطائفية، هي عوامل أشعرت اللبنانيين بانعدام الثقة بالتشكيلة الجديدة قبيل نيلها الثقة وانطلاقة عملها.

اقرأ/ي أيضًا: أربعة اتجاهات في الانتفاضة اللبنانية

 كذلك رأى الناشطون أن الأحزاب المؤلفة للحكومة التفّت على مطالب الانتفاضة، حيث إنها وإن لم تسمِ حزبيين بالمعنى التقليدي، فإن عددًا كبيرًا من الوزراء المطروحين يعملون كمستشارين للقادة السياسيين، أو مقربين منهم، وقد أطلق الناشطون على الحكومة تسمية "حكومة المستشارين".

وقد سبقت تشكيل الحكومة تصريحات نارية واتهامات متبادلة بين قوى 8 آذار فيما بينهم بالتعطيل وعرقلة تشكيل الحكومة الجديدة. رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، حمّل في مؤتمر صحفي ظهر الإثنين، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مسؤولية تأخير التشكيل بسبب جشعه وطمعه، فيما هددت أحزاب كالحزب القومي والحزب الديموقراطي بالانسحاب في حال لم تحصل على الحصة التي طالبت بها.

وفيما كانت أجواء إعلاميي وناشطي "محور الممانعة" على وسائل التواصل الاجتماعي توحي بصعوبة تشكيل الحكومة في ظل المشاكل الداخلية، كان إعلان حزب الله، صاحب الكلمة العليا في هذا الفريق، تجميد جهوده في التوسط بين الحلفاء، ككلمة السر التي فتحت كل الأبواب، وفرض على جميع الأفرقاء القبول بما هو مطروح فأبصرت الحكومة النور.

حسان دياب: سنستمع لصوت الشعب

بعيد لقائه مع رئيس الجمهورية، عقد حسان دياب ليل الثلاثاء مؤتمرًا صحفيًا أعلن خلاله أسماء التشكيلة الجديدة، والتي ضمت 19 وزيرًا إضافة إليه، من بينها ست نساء. ووصف دياب الحكومة خلال المؤتمر بأنها حكومة تكنوقراط من ذوي الكفاءات، وبأنها ستعمل على إعداد قانون جيد للانتخابات. ورأى دياب أن الحكومة تعبر عن تطلعات اللبنانيين المعتصمين على مساحة الوطن، وأنها ستعمل على تحقيق مطالبهم فيما يخص استقلالية القضاء واستعادة الأموال المنهوبة.

اللبنانيون يردون

وفور إعلان تشكيل الحكومة، نزل عدد كبير من المحتجين إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لها، وتم قطع طرقات أساسية في بيروت والبقاع والشمال والجبل، فيما أطلق الناشطون حملات على وسائل التواصل تدعو لعدم السماح بتمرير الحكومة في المجلس النيابي، وتوجه مئات المحتجين إلى وسط العاصمة، واصطدموا مع رجال الأمن عند مدخل المجلس النيابي، واقد استخدمت القوى الأمنية العنف لتفريقهم. فيما يبدو التحدي الأكبر الذي يضعه المنتفضون نصب أعينهم اليوم، هو محاصرة المجلس ومنع النواب الوصول إليه لإعطاء الحكومة الجديدة الثقة.

كما تجمع العشرات من مؤيدي تيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري أمام منزل حسان دياب في بيروت مطلقين الهتافات المناهضة له والرافضة لتمرير الحكومة في المجلس النيابي، معتبرين أن كرسي الرئاسة الثالثة سُرق من التيار الذي يمثل الأغلبية السنية لصالح حزب الله وحلفائه.

وفي وسط بيروت، تجمع مئات المحتجين أمام مجلس النواب مقابل ساحة رياض الصلح، بينما كان الرؤساء الثلاثة يضعون اللمسات الأخيرة قبيل إعلان الحكومة، ورددوا الشعارات الرافضة لتمرير حكومة وصفوها بأنها وديعة سورية.

ازدادت أعداد المتظاهرين مع تقدم ساعات الليل، وحاولوا اقتحام السلك الشائك الذي وضعته القوى الأمنية لتحول بينهم وبين مدخل المجلس النيابي. وبعد فشلها في إبعاد المنتفضين، لجأت القوى الأمنية كعادتها في الأيام الأخيرة لمنطق القمع والعنف، فألقت عشرات القنابل المسيلة للدموع باتجاه المتظاهرين الغاضبين، ما سبّب حالات اختناق لدى عدد كبير منهم، بدون أن يمنعهم هذا من الاستمرار في محاولاتهم حتى ساعة متأخرة من الليل.

سياسيًا، تفاوتت ردود الفعل المحلية حول التشكيلة الحكومية الجديدة التي أعلنها حسان دياب، بين مؤيد ومتحمس لها، وخاصة في صفوف إعلام فريق 8 آذار، وبين متحفظ ومتخوف، وبين من طالب بمنحها فرصة قبل الحكم عليها كما فعل الحزب الاشتراكي. فيما التزمت باقي اأحزاب 14 آذار الصمت، مع توجهها لتشكيل جبهة معارضة من جديد تقف في وجه الحكومة التي يرون أنها حكومة حزب الله.

وفي ظل صمت عربي شبه تام حول الحكومة المشكلة، أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من تولي حزب الله مناصب وزارية، فيما كان موقف الدول الأوروبية أكثر لينًا، فرحبت فرنسا بإنهاء حالة الفراغ، ودعت إلى البدء بإصلاحات من شأنها وقف التدهور الاقتصادي. مع الإشارة إلى أن عددًا من الدول كان قد اجتمع في باريس الشهر الماضي، واشترطوا يومها تشكيل حكومة جديدة، ووضع رزمة إصلاحات عاجلة، لتقديم مساعدات مادية وعينية للبنان.

وفيما يخص الأسماء المطروحة، سخر الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي من دمج وزارتي الثقافة والزراعة، كذلك تداولوا صورة للوزير الجديد عباس مرتضى في احتفال حزبي لحركة أمل، فيما يصر دياب أنه شكّل حكومة مستقلين بعيدة عن السياسة.

رأى الناشطون أن الأحزاب المؤلفة للحكومة التفّت على مطالب الانتفاضة، حيث إنها وإن لم تسمِ حزبيين بالمعنى التقليدي، فإن عددًا كبيرًا من الوزراء المطروحين يعملون كمستشارين للقادة السياسيين

وفيما كان دياب يؤكد أن حكومته ستستمع لمطالب الانتفاضة، كان وزير الداخلية الجديد محمد فهمي يعلن في أول مقابلة له تأييده الكبير وإعجابه بعمل قائد الأمن الداخلي عماد عثمان، وهو الرجل الذي يحمله المنتفضون مسؤولية القمع الوحشي الذي تعرضوا له في الأيام الأخيرة.