06-أبريل-2021

مخاوف غربية من إرسال روسيا تعزيزات عسكرية إلى الحدود الأوكرانية (Getty)

تجددت مخاوف الدول الغربية الأعضاء  في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد المقاطع المصوّرة التي وردت الأسبوع الماضي، وظهر فيها إرسال روسيا تعزيزات عسكرية إلى الحدود الأوكرانية، وتصاعدت تلك المخاوف على خلفية التقارير التي تحدثت عن استهداف المقاتلين الانفصاليين الأوكرانيين في منطقتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا مواقع عسكرية للجيش الأوكراني، في خطوةً تصعيدية تعتبر الأولى من نوعها منذ تولي إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن زمام السلطة في البيت الأبيض.

تجددت مخاوف الدول الغربية الأعضاء  في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد المقاطع المصوّرة التي وردت الأسبوع الماضي، وظهر فيها إرسال روسيا تعزيزات عسكرية إلى الحدود الأوكرانية

أوكرانيا ترد على موسكو بمناورات مشتركة مع الناتو

في سياق التطورات الميدانية الأخيرة التي شهدتها أوكرانيا، أوردت وزارة الدفاع الأوكرانية، أمس السبت، أن المقاتلين الانفصاليين المدعومين من روسيا أقدموا على قصف 20 موقعًا دفاعيًا للجيش الأوكراني، وأضافت وزارة الدفاع أن جندييّن اثنين بالإضافة إلى مدني واحد أصيبوا بجروح نتيجة تبادل لإطلاق النار بين الانفصاليين من طرف، والجيش الأوكراني من طرف آخر، مشيرةً إلى أن الانفصاليين في شرق أوكرانيا خرقوا اتفاق وقف إطلاق النار 21 مرة يوم الجمعة.

اقرأ/ي أيضًا: مؤتمر ثلاثي بين روسيا وألمانيا وفرنسا.. تقارب في وجهات النظر؟

وجاءت التطورات الأخيرة في أعقاب إعلان وزارة الدفاع الأوكرانية مقتل أربعة جنود أوكرانيين خلال الاشتباكات التي وقعت مع الانفصاليين في شرق البلاد الأسبوع الماضي، ووصفت الدفاع الأوكرانية اشتباكات الأسبوع الماضي بأنها "الأعنف" منذ بداية العام الجاري، بينما قررت القيادة الأوروبية للقوات الأمريكية رفع درجة المراقبة في المنطقة إلى أعلى مستوى لها، وذلك بعدما تحدثت تقارير غربية عن إرسال موسكو تعزيزات عسكرية تقدر بأربعة آلاف جندي إلى الحدود الروسية المتاخمة لأوكرانيا.

وفي تطور سريع على موجة التصعيد العسكري التي تشهدها الحدود الأوكرانية – الروسية، قال بيان صادر عن الجيش الأوكراني إن الأخير سيجري مناورات عسكرية مشتركة مع قوات حلف الناتو خلال الأشهر القادمة، مشيرًا إلى أن المناورات العسكرية ستكون بمشاركة أكثر من ألف عسكري من خمس دول أعضاء على الأقل في الناتو، وهي خطوة رد عليها الكرملين محذرًا من أن أي انتشار لقوات حلف الناتو في أوكرانيا سيؤدي إلى مزيد من التوتر، وسيجبر موسكو على اتخاذ تدابير إضافية لضمان أمنها القومي.

الرئيس الأمريكي يحدد موقفه من الأزمة الأوكرانية – الروسية

فعليًا، كان الأسبوع الماضي مسرحًا لتبادل التصريحات والاتهامات بين الجانب الأوكراني مدعومًا بحلفائه الغربيين من طرف، وروسيا من طرف آخر، فقد وصف مسؤول في حلف الناتو التعزيزات الروسية على الحدود الأوكرانية بأنها تساهم في " تقويض الجهود الرامية إلى التخفيف من حدة التوترات في شرق أوكرانيا"، مضيفًا بأن "الحلفاء قلقون حيال الأنشطة العسكرية ذات النطاق الواسع لروسيا داخل وحول أوكرانيا".

التطورات الأخيرة شهدت ذروتها مع إجراء روسيا تدريبات عسكرية في شبه جزيرة القرم في البحر الأسود في وقت سابق من الشهر الماضي، وهو ما دفع بالأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتينبيرغ للرد على هذه التدريبات معتبرًا أن موسكو تعمل على "زعزعة استقرار الوضع في البلدان المجاورة، بما في ذلك أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا"، مضيفًا بأن موسكو تواصل "بناء قدرتها العسكرية من بحر البلطيق إلى البحر الأسود في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من البحر الأبيض المتوسط ​​إلى القطب الشمالي".

وعلى ضوء تصريحات الناتو برفقة التقارير التي توقّعت إرساله تعزيزات عسكرية لتقديم الدعم لأوكرانيا، حذر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف من أن بلاده سوف تتخذ "إجراءات إضافية"، في حال أقدم الناتو على مثل تلك الخطوة، ولاحقًا اتهم بيسكوف الجانب الأوكراني بممارسة "استفزازات" في منطقتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا المعترف بهما رسميًا كإقليمي حكم ذاتي من قبل روسيا فقط.

ووفقًا لقائد الجيش الأوكراني رسلان خومتشاك فإن روسيا قامت خلال الفترة الماضية بنشر 28 كتيبة تكتيكية بالقرب من الحدود الشرقية لأوكرانيا فضلًا عن شبه جزيرة القرم، وبحسب ما أشار الجنرال الأوكراني فإن المجموعات القتالية التي نشرت يتراوح تعدادها ما بين 20 إلى 25 ألف مقاتل، مضيفًا بأنه يوجد قرابة ثلاثة آلاف ضابط وخبير عسكري روسي يعملون مع الانفصاليين في شرق أوكرانيا، لكن بيسكوف اعتبر أن التعزيزات العسكرية الأخيرة تأتي في إطار تحريك موسكو لقواتها داخل أراضي الاتحاد الروسي.

وفي خطوة تدل على محاولة واشنطن استعادة نفوذها على الساحة العالمية، أجرى الرئيس الأمريكي بايدن أول مكالمة هاتفية مع نظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وبحسب بيان صادر عن المكتب البيضاوي فقد أكد بايدن في مكالمته على أن بلاده  "لن تتراجع عن دعمها لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها في مواجهة العدوان الروسي المستمر في دونباس والقرم"، في الوقت الذي وصف زيلينسيكي "التدريبات العسكرية والاستفزازات المحتملة على طول الحدود" بأنها  مجرد "ألعاب روسية تقليدية".

الآن، لماذا اختارت روسيا التصعيد في شرق أوكرانيا؟

تشير شبكة CNN الأمريكية إلى أن التقارير التي تحدثت عن تواجد قرابة أربعة آلاف جندي روسي مدججين بالسلاح في شبه جزيرة القرم أثارت المزيد من القلق لدى المسؤولين في وزراة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وتضيف الشبكة الأمريكية بأنه يسود حالة من الاعتقاد لدى مسؤولي البنتاغون الذين عملوا على تقييم التدريبات الروسية الأخيرة بأنها كانت جزءًا من مناورة عسكرية روسية، موضحًا أن تقييم البنتاغون استند إلى المكالمات الهاتفية مع نظرائهم الأوكرانيين الذين وصفوا النشاط العسكري الروسي بأنه "تدريب".

لكن نائب وزير الدفاع الأمريكي السابق لشؤون أوروبا وحلف الناتو جيم تاونسند رأى في حديثه لمجلة فورين بوليسي الأمريكية أن موسكو تقوم بمتابعة موقف الحلف من التدريبات، مشيرًا إلى أن موسكو تحاول "رؤية رد الفعل من جانبنا، ماذا سيفعل الناتو؟ وماذا سيفعل الأوكرانيون؟ وهل الإدارة الأمريكية الجديدة متقلبة المزاج، أم أنها ستتحرك بإصرار؟".

وأضاف المسؤول الأمريكي السابق موضحًا أن "كل ما يقوم به الروس يستهدف تقييم ما ستكون عليه الإدارة الجديدة في واشنطن"، ويعزز الجنرال الأمريكي السابق توقعاته بالإشارة إلى أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يتمتع بالوضوح عندما يقوم بإجراء كبير، فلماذا يسمح لنا رؤية ذلك الآن؟".

وتتفق توقعات أحد المسؤولين البارزين في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب مع تصريحات تاونسند للمجلة الأمريكية، فقد قال المسؤول السابق: "ربما تكون هذه مناورة بالقوات كي يختبروا رد الفعل"، وتابع مضيفًا بأنه "ربما يكون أمرًا عسكريًا، أو أنه تحرك عادي على الحدود، ولكن يتعين على الإدارة الأمريكية الحالية توضيح السياسة التي ستسير عليها، لأن المزيد من التوغلات الروسية أمر غير مقبول".

وفي تعليقه على الخطوات التي من الممكن أن يتخذها الرئيس الروسي فيما يخص شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا، أشار الباحث في فريق الصراع الاستخباراتي الذي يرصد التحركات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا كيريل مخائيلوف إلى أنه "عندما نفكر فيما يفعله الرئيس الروسي بوتين، فإننا نحاول التفكير بأن ما سيقوم به سيكون منطقيًا"، غير أنه من الممكن وفقًا لمخائيلوف أن يكون للرئيس الروسي "رؤية مختلفة تمامًا للعالم، وذلك في ضوء المعلومات الموجهة التي يحصل عليها".

بينما ذهب عدد من المسؤولين الأمريكيين السابقين إلى فرضية محاولة بوتين من وراء التصعيد العسكري الأخير مع أوكرانيا ممارسة المزيد من الضغوط على ألمانيا عبر عدة جبهات، بما في ذلك مشروع أنبوب الغاز الطبيعي السيل الشمالي-2 (نورد ستريم- 2) الذي سيمد دول التكتل الأوروبي بالغاز الطبيعي الروسي عبر خط أنابيب يمر من أوكرانيا تحت البحر، وكذلك محاولة الضغط على مجموعة الاتصال الثلاثية المعنية بأوكرانيا، والمكلفة بمفاوضات وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا.

ويمكننا في هذا الخصوص إضافة العقوبات الأمريكية – الأوروبية المشتركة التي فرضت الشهر الماضي على مجموعة من الأفراد والكيانات الروسية، الذين يُفترض أنه كان لهم دور في محاولة تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني، فضلًا عن دورهم في تحويل عقوبة السجن مع وقف التنفيذ إلى عقوبة فعلية عليه أن يقضي بموجبها ما يزيد عن عامين ونصف العام في أحد السجون الروسية، والتي رد عليها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالقول إن العلاقات بين روسيا والغرب وصلت إلى أدنى مستوياتها، وما نجم عنها من طرد ثلاثة دبلوماسيين غربيين من موسكو.

 كان الأسبوع الماضي مسرحًا لتبادل التصريحات والاتهامات بين الجانب الأوكراني مدعومًا بحلفائه الغربيين من طرف، وروسيا من طرف آخر

فقد أشارت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في تقرير لها إلى أن التوترات المتصاعدة التي شهدتها الحدود الروسية – الأوكرانية مؤخرًا، تأتي في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس الروسي أكبر موجة انتقادات شعبية ردًا على اعتقال نافالني، وأضافت الصحيفة نقلًا عن مسؤول أمريكي كبير أن التطورات الأخيرة تذكر بالفترة التي "سبقت التدخل الروسي في (شرق) أوكرانيا" في عام 2014، موضحًا أنه عندما قرر بوتين التدخل في شرق أوكرانيا كان يواجه موجة من الانتقادات الشعبية بسبب السياسات الداخلية، وهو الأمر الذي يشبه حال الانتقادات الشعبية اليوم التي تتهم الكرملين بالفساد، والاستجابة البطيئة لمكافحة فيروس كورونا الجديد.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الاتحاد الأوروبي يبحث فرض عقوبات على المسؤولين عن عرقلة تشكيل الحكومة في لبنان