12-فبراير-2024
مظاهرات داعمة للفلسطينيين في ميشيغان (AFP)

مظاهرة داعمة للفلسطينيين في ميشيغان (AFP)

الحرب على غزة ستكون نقطة فاصلة في تحديد مستقبل الكثير من السياسيين في الغرب. وسيكون التاريخ قاضيًا أكثر قسوة لأولئك القادة الذين برروا وتسامحوا مع التطهير العرقي الإسرائيلي في غزة.

من هنا ينطلق رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، الصحفي البريطاني دافيد هيرست، في مقال رأي حول موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن وزعيم "حزب العمال" البريطاني كير ستارمر، اللذان قال إنهما سيدفعان ثمنًا باهظًا لقاء تبريرهم للمجازر الحاصلة في قطاع غزة.

ويشير هيرست إلى أن الغرب، على مدى الأشهر الأربعة الماضية، وقف متفرجًا على غزة وهي تُدمَّر. فقد سُويت أحياء بأكملها مع الأرض، وتم قصف المستشفيات وتدمير الجامعات والمكتبات. أما العائلات، التي تشكل ركيزة المجتمع، فأبيد بعضها عن بكرة أبيهم داخل بيوتهم.

إن رفض كل من بايدن وستارمر الدعوة إلى وقف القتال في قطاع غزة سوف يكون بمثابة وصمة تلازم تاريخهما المهني

أما الطبقة الوسطى من أطباء وصحفيين وأكاديميين ورجال أعمال فقد أبيدت أيضًا. كما قصفت قوافل المساعدات. بينما كان مصير الجائعين الذين يقفون في طوابير طويلة ينتظرون الحصول على طعام، أو أولئك الذين اختاروا محاولة الهروب على الأقدام؛ الإعدام عن طريق نيران القناصة.

يقول الصحفي البريطاني إنّ: "مشاهد الدمار في غزة تُذكّر بأقبح الجرائم التي ارتكبت أثناء الحرب العالمية الثانية". ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد مزق نتنياهو العرض الذي تقدمت به "حماس"، ويقضي بوقف القتال واستعادة من بقي من رهائنه على قيد الحياة. وتعهد، هذا الأسبوع، بمواصلة الحرب حتى النهاية إلى أنّ "يحقق النصر".

يلفت هيرست إلى أنّ رفح، التي أصبحت الملاذ الأحير للفلسطينيين، ستكون الهدف القادم. ومع ذلك، وبعد مرور أربعة أشهر، لا يصعب أن تجد هذه العملية المهولة مساندين لها بين أولئك الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم ليبراليون.

ينتقل الصحفي البريطاني للحديث عن المعايير المزدوجة، فيتطرق إلى تصريح الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند خلال مشاركته في يوم إشادة وطني "للضحايا" الفرنسيين في هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث قال ردًّا على سؤاله عما إذا كان ضحايا "إسرائيل" الفرنسيون في غزة لا يستحقون نفس الإشادة: "لا يمكن أن تكون نفس الإشادة. الحياة هي الحياة، وحياة إنسان واحد تكافئ حياة إنسان آخر، ولكن هناك ضحايا للإرهاب وهناك ضحايا للحرب".

وأضاف أنّ: "يكون المرء ضحية للإرهاب يعني التعرض لاعتداء كمواطن فرنسي أو كمدافع عن نمط حياة. أما كضحية غير مقصودة، فأنت في الحرب. وهما ليسا شيئًا واحدًا".

وإذا كان هولاند يقترب من نهاية حياته السياسية، فهذا ليس حال الرئيس الأمريكي جو بايدن وزعيم "حزب العمال" البريطاني كير ستارمر، فكلاهما سيخوض معركة انتخابية هذا العام.

يستغرب الصحفي البريطاني من لا مبالاة بايدن وستارمر إزاء المخاطر التي يمكن أن يجلبها لهما دعمهما للعدوان الإسرائيلي على غزة.  وذلك أن كلا الرجلين يضع السلطة فوق المبدأ. إنهما يخلفان الوعود وينكثان العهود دونما خجل أو استحياء.

يقول هيرست: "لربما توقع المرء منهما أن يكونا أكثر الناس حذرًا قبل أن يمضيا خلف إسرائيل في طريق الخزي التاريخي، لأن كل يوم تستمر فيه هذه الحرب، يبدو نتنياهو أقل وأقل، وبهذا يشبه الرجل الذي تضع أموالك للرهان عليه". فقد غدت حرب "إسرائيل" على غزة مخاطرة انتخابية، ولأنها بالضبط الآن في شهرها الخامس، ولا يوجد ما يدل على أنها في طريقها للتوقف.

ويستدل رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" بالمقاومة العراقية، فمنذ اللحظة التي انطلقت فيها، لم تعد الإطاحة بصدام حسين استعراضًا سهلًا للقوة للجيش الأمريكي.

ومع ذلك، وبعد مرور عقدين من الزمن على ارتكاب كل من جورج بوش وتوني بلير خطيئة غزو العراق، التي تلطخ بها تاريخهما المهني، وهو الغزو الذي لم يتمكن أي من الرجلين منذ ذلك الحين من الإفلات منه، ها هما بايدن وستارمر يكرران نفس الخطيئة.

فقدان الشعبية في أوساط مسلمي بريطانيا

وإذا كانت اللحظة التي ضحى فيها بلير بثقة الشعب به هي "الملف المراوغ" حول أسلحة الدمار الشامل التي لم يملكها صدام يومًا، فإن دمار سمعة ستارمر لدى مسلمي بريطانيا كانت بسبب مقابلة روتينية أجرتها معه إذاعة "إل بي سي" البريطانية، حين سأله الصحفي نيك فيراري عما إذا كان لإسرائيل الحق في قطع الكهرباء والماء عن غزة، فأجاب قائلًا: "أعتقد أن إسرائيل لها ذلك الحق. فهو وضع مستمر. من الواضح أنه ينبغي فعل كل شيء ضمن القانون الدولي، ولكني لا أريد أن أبتعد عن المبادئ الجوهرية التي تقرر بأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، وحماس هي التي تتحمل المسؤولية".

ورغم أن ستارمر تراجع عن هذا التصريح، ولكن كانت تلك لحظة فاصلة.

أما اللحظة الفاصلة في حالة بايدن، فجاءت حين شكك في أرقام الضحايا التي تعلنها وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، حيث قال في تصريح يناقض بشكل مباشر تقييم الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية تلك الأرقام على أنها محل ثقة: "ليس لدي انطباع بأن الفلسطينيين صادقون فيما يقولونه حول عدد الناس الذين قتلوا". علمًا أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة قد صرح لوكالة "رويترز" للأنباء، بأنه: "يستمر في ضم البيانات الصادرة عنهم إلى تقاريرنا، فمن الواضح أنها دقيقة"، في إشارة إلى بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.

وقد قلب هذان التصريحان الموازين لدى الرأي العام، وكانت لهما: "آثار مدمرة على موقف الناخبين المسلمين في كلتا ضفتي المحيط الأطلسي".

وفي السياق، كشف استطلاع للرأي صدر يوم الإثنين انخفاضًا كبيرًا في دعم "حزب العمال" من قبل المسلمين البريطانيين.

وأظهرت البيانات التي تم جمعها من قبل "Survation"، بتكليف من شبكة العمال المسلمين (LMN)، أن 60% من المسلمين البريطانيين الذين أعربوا عن تفضيلهم لحزب قالوا إنهم سيصوتون لـ"حزب العمال". ويمثل ذلك انخفاضًا بنسبة 26% من المسلمين الذين شملهم الاستطلاع سابقًا في عام 2019. وقال 43% فقط إنهم سيصوتون بالتأكيد لحزب العمال مرة أخرى، مع عدم اتخاذ 23% لقرار بهذا الشأن.

وتراجعت نسبة من يعتبرون أنفسهم عماليين من 72% في عام 2021 إلى 49% في عام 2024. كما صرح 38% من المسلمين البريطانيين بأن رأيهم في "حزب العمال" غدا أكثر سلبية خلال الأشهر الماضية، ولم يحظ ستارمر بأكثر من تأييد 11 % منهم.

ومنذ انتخابات 2019، يشهد دعم المسلمين لـ"حزب العمال" تراجعًا تدريجيًا ومستمرًا، إلا أن نقطة التحول جاءت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، بعد شهر من اندلاع الحرب على غزة، وخلال الشهور الأربعة الماضية، انخفض الدعم الذي يحظى به الحزب من 70 إلى 40%.

ومع ذلك، استمر ستارمر على موقفه، بل إنه حذر بعد وقت قصير من مقابلته مع إذاعة "إل بي سي" جميع المسؤولين المنتخبين الممثلين للحزب من المشاركة في الاحتجاجات المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة. وعندما عُرض موقف ستارمر لوقف إطلاق النار للتصويت، استقال عدد من أعضاء حكومة الظل التي يرأسها.

يشير هيرست إلى أن الجميع يدرك بأن الصوت المسلم قد لا يفضي إلى قطع الطريق على وصول زعيم "حزب العمال" إلى السلطة، ولكنه قد يحرمه فوزًا ساحقُا كالذي جاء بتوني بلير إلى السلطة، مما يعني أن حكومته سوف تكون حكومة أقلية.

التخلي عن بايدن

أما بايدن، فيواجه خطرًا حقيقيًا في ولاية ميشيغان. وعندما تصاعد الغضب في أوساط السكان العرب والمسلمين، كان رد فريق حملته الانتخابية مشابهًا جدًا لموقف ستارمر: "إسقاط العرب تمامًا من حساباته، والبحث عن سبيل آخر لتحقيق الفوز".

ولفتت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، إلى أن تأييد بايدن لإسرائيل أضر أيما ضرر بحملته الانتخابية في أوساط الأمريكيين العرب في ميشيغان، مما دفع بفريق حملته للبحث عن سبل بديلة لتحقيق النصر في تلك الولاية، بحسب ما كشف عنه مستشاران يعملان مع الحملة طلبا عدم الإفصاح عن هويتهما.

وتحظى ديربورن بأكبر كثافة سكانية من العرب الأمريكيين، ولقد تحولت إلى مركز لحملة وطنية ضد إعادة انتخاب بايدن. وبادر نشطاء من ميشيغان ومينيسوتا وأريزونا وويسكونسن وفلوريدا وجورجيا ونيفادا وبنسلفينيا إلى تنظيم حملة أطلقوا عليها اسم "تخلوا عن بايدن". وللإشارة، فإن ست من هذه المدن يتوقع أن يكون فيها التنافس على أشده.

ولا يتوقع المسلمون في الولايات المتحدة أن يعاملوا بشكل أفضل من عدم الاحترام الذي يحصلون عليه من بايدن، ولكن فيما لو أعيد انتخاب بايدن، فإن التصويت في تشرين الثاني/نوفمبر القادم هو فرصتهم الوحيدة لإعادة تشكيل السياسة الأمريكية.

يختم رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي"، بالقول إنّ: "رفض كل من بايدن وستارمر الدعوة إلى وقف القتال، ورفضهما مساندة الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية، الذي أمر إسرائيل باتخاذ خطوات من أجل الانصياع إلى معاهدة الإبادة الجماعية، سوف يكون بمثابة وصمة تلازم تاريخهما المهني".

لا يرى أي من الرجلين الخطر المحدق بهما بسبب غزة. وكذلك كان حال كل من بوش وبلير عندما قاما بغزو العراق.