09-فبراير-2024
بلينكن في لقاء سابق مع نتنياهو (AFP)

(AFP) بلينكن في لقاء سابق مع نتنياهو

نشرت صحيفة "بوليتيكو" مقالًا تناول شخصية وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، جاء فيه أن الحرب على غزة هي التحدي الأكثر صعوبة حتى الآن بالنسبة لكبار الدبلوماسيين الأمريكيين.

ولفتت كبيرة مراسلي الشؤون الخارجية في "بوليتيكو"، نحال توسي، في المقال، إلى أن بلينكن لم يظهر غضبه من قبل. وعندما يحدث ذلك، لا يرفع صوته أو يصرخ، ولكنه يصبح حادًا وصريحًا جدًا بشأن ما يريده. وإذا كانت هناك طاولة أمامه، فسينقر عليها للتأكيد، وهو ما كشف عنه المقربون منه.

وأظهر بلينكن هذا الغضب الهادئ على انفراد خلال الأشهر القليلة الماضية أثناء تعامله مع الحرب في غزة. لكن بحسب توسي حان، الوقت للتعبير عن بعض هذا الغضب علنًا، لأنه في هذه اللحظة يبدو ضعيفًا.

يواجه بلينكن تحديًا صعبًا بشكل استثنائي في عمله، ضمن الحدود التي حددها له الرئيس جو بايدن، على ملف الحرب الإسرائيلية على غزة

وأوضحت الصحفية الأمريكية أن "القادة الإسرائيليين" استجابوا لطلبات بلينكن بتقديم تنازلات بسيطة، هذا إن لم يكن بتحدٍ صريح، فقد منحه الرئيس جو بايدن نفوذًا شبه صفري لاستخدامه معهم، فالمحادثات المتعلقة بالحرب يقودها آخرون في إدارة بايدن.

ضعف في الأداء

ويشير المقال إلى أن العديد من موظفي وزارة الخارجية يشعرون بالغضب من تعامل بلينكن مع الأزمة، فهو يشتهر بالأدب حتى في الأماكن غير الرسمية، وهي سمعة كان يتمتع بها حتى عندما كان طفلًا. ويحرص أيضًا على الالتزام بنقاط الحديث الخاصة به، لذلك لن تكون متأكدًا أبدًا بما يؤمن به حقًا.

تقول توسي: "عندما شاهدته يتعامل مع هذه الأزمة، بدأت أتساءل عما إذا كان لطيفًا جدًا ليكون وزيرًا للخارجية"، وتساءلت: "إذا أبدى بلينكن غضبه علنًا، فربما لن يعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسهولة دعوته لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية".

وأضافت: "ربما يكون غضب بلينكن بشكل أكثر وضوحًا بشأن الصراع يعني أن الناشطين المؤيدين للفلسطينيين، مثل أولئك الذين يحتجون خارج منزله، يمكن أن يجدوا المزيد من التعاطف مع الموقف الأمريكي الذي يرون أنه مؤيد لإسرائيل بلا تردد".

وطرحت الصحفية الأمريكية هذه الأسئلة على ما يقرب من اثني عشر شخصًا، بعضهم يعملون في الإدارة بشكل مباشر مع بلينكن، وآخرين من موظفي وزارة الخارجية ومسؤولين أمريكيين سابقين ومحللين وغيرهم، قبل الزيارة الخامسة للوزير الأمريكي إلى الشرق الأوسط منذ شن "إسرائيل" عدوانها على غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وبحسب توسي، رفضت وزارة الخارجية إتاحة بلينكن للتعليق على الموضوع. لكن المتحدث باسم الوزارة ماثيو ميلر، قال في بيان: "إن الزعماء الإقليميين يقولون لبلينكن باستمرار إن القيادة الأمريكية لا غنى عنها في معالجة هذه الأزمة".

وتابع: "في بعض الأحيان تأتي النتائج بسرعة، وفي أحيان أخرى يستغرق الأمر المزيد من الوقت، لكنه سيواصل معالجة هذه المشاكل الصعبة لأن العمل الذي يقوم به مهم للولايات المتحدة ومهم للعالم".

وقد تراوحت ردود معظم الأشخاص الذين تحدثوا مع الصحفية، واشترطوا عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الموضوع؛ بين ازدراء الأسئلة وازدراء أداء بلينكن. الشيء الوحيد المتفق عليه هو أن بلينكن يواجه تحديًا صعبًا بشكل استثنائي أثناء عمله ضمن الحدود التي حددها بايدن، بما في ذلك رفض فرض شروط على المساعدات العسكرية لإسرائيل. وقد كشفت توسي أن الأمور قد تبدو مختلفة قريبًا كما قيل لها.

تداخل الملفات

وتعمل إدارة بايدن على خطط تربط بين رغبة الفلسطينيين في إقامة دولتهم ورغبة "إسرائيل" في إقامة علاقات رسمية مع دول عربية مثل السعودية. وهي تحاول تجميع اقتراح، خارطة طريق أو إطار عمل أو أي شيء آخر، يتضمن حوافز لجميع الأطراف لوقف الحرب والنظر إلى ما بعدها. وسوف تشمل إعادة إعمار قطاع غزة وإصلاح السلطة الفلسطينية. ويعترف مسؤول كبير في وزارة الخارجية بأن: "هناك العديد من القطع المتشابكة، والأمر معقد".

واستنادًا إلى الإشارات العامة حول هذه الاستراتيجية والهمسات التي تسمعها توسي في جميع أنحاء العاصمة الأمريكية، فإن هذا النهج قد ينطوي على: "تكثيف الضغوط على إيران، الدولة الداعمة لحماس، والتي يلقي العديد من القادة العرب والإسرائيليين عليها المسؤولية عن الفوضى الحالية". ويمكن أن يكون عقد مؤتمر سلام كبير أحد تلك الخطوات.

وهذا الاقتراح، الذي تأمل الإدارة الأمريكية في تقديمه إلى دول المنطقة، قد يمنح بلينكن أوراقًا أقوى في الأسابيع المقبلة بينما يتجادل مع نظرائه. لذا، فقد لا يكون الآن هو الوقت المناسب لإبداء بلينكن غضبه في الأماكن العامة، بحسب المقال.

إضافة إلى ذلك، تقول توسي، إن من تحدثت إليهم أخبروها بأنه "في لحظات الأزمات، لا يساعد الغضب في كثير من الأحيان، فالوجود الهادئ والثابت من المرجح أن ينجز المهمة".

يقول المسؤول الأمريكي السابق الذي أمضى عدة سنوات منخرطًا في جهود السلام في الشرق الأوسط، دينيس روس: "هناك أوقات وأماكن ينبغي فيها للوزير، سواء في السر أو في أوقات معينة في الأماكن العامة، أن يعبر عن مستوى من الغضب والإحباط، ولكن إذا أفرطت في استخدامه، فلن يكون أداة مفيدة للغاية، وستصبح قيمته منخفضة".
وذكرت الصحفية الأمريكية أنه: "جاءت أكبر مشاكل بلينكن في التعامل مع الإسرائيليين، على الرغم من أن القادة العرب ألقوا عليه في وقت مبكر محاضرات خيالية".

وتشير إلى أنه بعد أيام فقط من هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، زار بلينكن "إسرائيل"، وفي محادثات مع القادة الإسرائيليين، أصر على السماح بدخول بعض المساعدات لقطاع غزة، وقد كان الفلسطينيون يفرون من القصف الإسرائيلي، وأظهر شيئًا من غضبه وقتها.

يكشف أحد مستشاري بلينكن ما دار في اللقاء قائلًا: "كنا نتجادل بعد ذلك حول عدد مكون من رقم واحد من شاحنات المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة، وكانت هناك تعنت من الجانب الإسرائيلي بشأن ذلك. لقد أوضح توني وجهة نظره بشكل واضح، وبطريقة لا يمكن للشخص أن يخطئها".

وأضاف: "كجزء من هذا، أخبر بلينكن الإسرائيليين بأن رحلة بايدن إلى بلادهم كانت على المحك". وتابع: " في الواقع أخبر الوزير الإسرائيليين بأن الرئيس لن يصعد على طائرته حتى تعطوني التزامكم الآن بسماح بدخول المساعدات الإنسانية".

وزير بدون نفوذ

بالنسبة لآرون ديفيد ميلر، وهو مسؤول أمريكي سابق أمضى سنوات عديدة في التفاوض بشأن القضايا الإسرائيلية الفلسطينية، فإن أحد الجوانب السلبية لبلينكن هو أنه ربما يكون لديه النفوذ الأقل من بين جميع مساعدي بايدن الذين يعملون على حل "لغز الشرق الأوسط".

يتولى مدير وكالة المخابرات الاستخبارات المركزية، ويليام بيرنز، معالجة المحادثات الرامية إلى إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين. ويتولى المبعوث الأمريكي الخاص، عاموس هوشستاين، مهمة محاولة تهدئة التوترات بين "إسرائيل" ولبنان. ويتولى المبعوث الأمريكي الخاص، ديفيد ساترفيلد، من الناحية الفنية، مسؤولية تحسين الوضع الإنساني في غزة. بينما يواصل المسؤول الكبير في مجلس الأمن القومي، بريت ماكغورك، توجيه الجهود لإقامة علاقات دبلوماسية بين "إسرائيل" والسعودية.

إن أحد الجوانب السلبية لبلينكن هو أنه ربما يكون لديه النفوذ الأقل تحديدًا من بين جميع مساعدي بايدن الذين يعملون على حل "لغز الشرق الأوسط"

تقول توسي: إن "اختصاص بلينكن، بطريقة ما، هو كل ما سبق. لكن ميلر قال إنه حتى الآن يبدو أن بلينكن يفتقر إلى هدف ملموس خاص به".

ويلقي العديد من المراقبين اللوم على بايدن لعدم منح بلينكن مساحة كافية للضغط على "إسرائيل". وبحسبهم، لن يضع بايدن شروطًا على المساعدات العسكرية لإسرائيل، ويريد دعمها بقوة في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة.

ويتعجب مسؤولي المنظمات الإنسانية من الكيفية التي يتحدث بها المسؤولين الأمريكيين عن ضغوطاتهم على الإسرائيليين التي لا تأتي بتغييرات تذكر. وقال رئيس المنظمة الدولية للاجئين، جيريمي كونديك، خلال مؤتمر صحفي عُقد مؤخرًا: "هناك نوع غريب من العجز الذي تشعر به عندما تتحدث إلى أقوى حكومة في العالم".

تختم توسي مقالها بالقول: "يبدو بلينكن أكثر هزالًا وشاحبًا ومتعبًا من المعتاد هذه الأيام. إنه يعلم أن صورته تتعرض للانتقاد، ومن الواضح أنه مستاء من تلميحات بعض النقاد بأنه لا يهتم بحياة الفلسطينيين".

وداخل وزارة الخارجية، يشعر الكثيرون بعدم الرضا العميق عن تعامل بلينكن مع أزمة الشرق الأوسط. وقد قام بعض الموظفين بتوزيع مذكرات معارضة تطالب، من بين أمور أخرى، بأن تنتقد الولايات المتحدة "إسرائيل" علنًا.