10-يناير-2020

من المفترض أن يبدأ تداول عملة الإيكو رسميًا خلال الشهر الجاري (تعبيرية/ رويترز)

لطالما داعب حلم الوحدة الأفريقية أبناء القارة السمراء. وهو حلم يبدو أنه قد بات وشيكًا بعد تعميق شبكة العلاقات الثقافية والاقتصادية، ومحاولات إنهاء سطوة الفرنك الأفريقي بكل رمزيته الاستعمارية، إلى جانب عمل دول غرب أفريقيا على طرح عملة موحدة باسم "الإيكو"، من المفترض أن يبدأ التداول بها رسميًا خلال الشهر الجاري.

تعمل دول غرب أفريقيا على الوحدة الاقتصادية بطرح عملة جديدة باسم "الإيكو" من المفترض بدء التداول بها قريبًا بشكل رسمي

وصادقت الإيكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وتضم 15 دولة) على العملة الجديدة، باعتماد سعر صرفٍ مرن. كما ستعمل مع مؤسسة غرب أفريقيا والبنوك المركزية للإسراع في تنفيذ خارطة طريق العملة الموحدة.

اقرأ/ي أيضًا: السوق الأفريقية.. مخاوف القادة من مخالب الوحش الرأسمالي

الإيكو ضد الهيمنة الفرنسية

تعتبر الخطوة التي تم التوافق عليها خلال أعمال القمة الـ55 لرؤساء دول وحكومات الإيكواس، بالعاصمة النيجيرية أبوجا، تتويجًا لجهود سابقة لتعزيز الاندماج المالي، والتخلص من الهيمنة الفرنسية المتمثلة في الفرنك الأفريقي، بإنهاء بقاء 50٪ من احتياطيات العملات الأجنبية لتك الدول في الخزانة الفرنسية.

دول غرب أفريقيا
تعد اتفاقية الإيكو تتويجًا لجهود سابقة لتعزيز الاندماج المالي بين دول غرب أفريقيا

ومطلع الأسبوع الماضي أعلنت حكومة غانا انضمامها للدول الموحدة تحت مظلة عملة الإيكو المشتركة. وقالت الحكومة الغانية في بيان صحفي، إن القرار "يعتمد على إيمان غانا بأن الانضمام لهذه العملة سيساعد على إزالة الحواجز التجارية والنقدية، وخفض تكاليف المعاملات، وتعزيز النشاط الاقتصادي، ورفع مستويات معيشة الغانيين".

وداعًا للفرنك

بات الجدل مستعرًا حول أهمية تعميم خطوة توحيد الإيكو لتشمل كافة القارة الأفريقية، خاصة بعد التوحد خلف شعارات سياسية واقتصادية، والتخلص شيئًا فشيئًا من تركة الاستعمار الأوروبي. 

كما أن المصادقة على عملة غرب أفريقيا الموحدة، تعد ثمرة نضال طويل وتعبئة من جانب كتاب ومثقفين أفارقة، كانوا قد سارعوا إلى إعلان طرد شبح الماضي، بالقول "وداعًا لفرنك CFA"، على حد تعبير صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.

تفكيك الكتل النقدية الاستعمارية

صدرت العملة السائدة في دول غرب أفريقيا، عام 1945. وربطت ابتداءً بالفرنك الفرنسي، لكنها انتقلت إلى اليورو منذ عقدين تقريبًا، بالتوازي مع تفكيك الكتل النقدية الاستعمارية في كافة أنحاء القارة السمراء: منطقة الجنيه الإسترليني ومنطقة بيزيتا الإسبانية، ومنطقة العملة البلجيكية، ومنطقة إسكودو البرتغالية. 

كما اختارت الدول المستقلة حديثًا إصدار عملاتها الوطنية الخاصة، كرمز لصعودها إلى رتبة دول ذات سيادة معترف بها دوليًا.

حفاوة مضللة؟

وفي حين وصفت اتفاقية الإيكو، من قبل باحثين اقتصاديين، بأنه "خطوة إلى الأمام في طريق استقلال غرب أفريقيا عن الهيمنة الفرنسية"، يرى آخرون أن هذه الحفاوة بالعملة الجديدة كانت متسرعة أو بالأحرى "مضللة".

يرجع سبب ذلك إلى التحديات الاقتصادية التي ستعقب إعلان الخطوة رسميًا، ومنها أن عددًا من الدول لا تستوفي المعايير والشروط المطلوبة للانضمام إلى مستخدمي الإيكو، مثل اعتماد سياسة نقدية قادرة على السيطرة على التضخم وعجز الميزانية، وهو ما جعل رئيس ساحل العاج، الحسن أوتارا، الذي انتقلت إليه قيادة الإيكوس، إلى القول بأن العملة ستبقى مرتبطة باليورو لضمان استقرارها.

وأثناء استقباله للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أوضح أوتارا أن ثماني دول في غرب أفريقيا قد قررت مع فرنسا "إجراء إصلاح واسع للفرنك الأفريقي" الذي سيصبح اسمه الإيكو.

وأضاف أوتارا قائلًا: "قررنا إصلاحًا للفرنك الفرنسي يتمثل في ثلاثة تغييرات كبرى: تغيير الاسم، والكف عن إيداع 50% من الاحتياطي النقدي لدى الخزانة الفرنسية، وانسحاب فرنسا من الهيئات الحاكمة الممثلة فيها أفريقيًا"

ومن جهته وصف ماكرون التعديلات بأنها "إصلاح تاريخي مهم"، مضيفًا: "الإيكو سيولد في كانون الثاني/يناير 2020 وأنا أرحب بذلك"، مقرًا بأن الفرنك الفرنسي ينظر إليه على أنه من بقايا العلاقات الاستعمارية بين فرنسا وأفريقيا.

وحدة مستعمرات

يوحي انضمام غانا إلى اتفاقية الإيكو، بإزالة إشعار الفرانكفونية عن الكتلة الوحدة، باعتبار أن غانا كانت مستعمرة بريطانية، وهي أيضًا قوة اقتصادية لا يستهان بها.

لكن اشتراطات نيجيريا، أو مخاوفها من الحضور الفرنسي، يبدو أيضًا أمرًا لافتًا، خاصة وأن نيجيريا تمتلك احتياطيًا نقديًا هائلًا من النفط، بما يضمن لها الهيمنة داخل المجموعة المشكلة، على غرار الهيمنة الألمانية داخل الاتحاد الأوروبي.

كما أن استباق فرنسا للخطوةَ بإعلان أن الإيكو سيكون مرتبطًا باليورو، قد يعني أن ما حدث هو مجرد استبدال لاسم العملة من الفرنك إلى الإيكو. ويرى البعض في ذلك تمددًا للنفوذ الأوروبي/الفرنسي على مستعمرات دول أخرى سابقة، مثل نيجيريا وغانا.

رؤساء الدول الأعضاء بالإيكواس على هامش قمة أبوجا
رؤساء الدول الأعضاء بالإيكواس على هامش قمة أبوجا

فيما يبقى السؤال المطروح: هل ستمضي دول المغرب العربي للانضمام لهذه العملة الوحدة بعد محاولة انضمامها للرابطة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا؟

التحديات الكبرى

ينظر بعض الاقتصاديين الأفارقة إلى هذه الخطوة بمزيد من الآمال الممزوجة بالمخاوف، لا سيما وأنها من جانب، سوف تساعد على تمتين العلاقات التجارية، وخفض تكاليف المعاملات المالية، وتحقيق مستوى أفضل في المعيشة. 

ومن جانب آخر فإن ثمة شروط يصعب تجاهلها لتحقيق كامل لاتفاقية الإيكو، منها توحيد الإيرادات الضريبية، ومعدل تضخم واحد، ورسم سياسة نقدية واضحة.

يعتقد البعض أن ارتباط عملة الإيكو باليورو يعني أن اتفاقية العملة الموحدة لم تحقق سوى استبدال اسم العملة من الفرنك إلى الإيكو 

هذا بالإضافة إلى إجمالي احتياطيات خارجية توفر غطاء الاستيراد لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، وسعر صرف حقيقي مستقر، والقضاء نهائيًا، كما يأمل بعض الخبراء، على الآثار الضارة للفرنك الأفريقي، الذي تسبب خلال العقود السابقة في انخفاض القدرة التنافسية المحلية والتصديرية، وجعل اقتصاديات تلك الدول بلا فاعلية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أفريقيا مادة مناكفة فرنسية إيطالية

3 تجارب مزدهرة لدول إفريقية تُغير نظرتنا النمطية عن القارة السمراء