12-أبريل-2018

خلال توقيع الاتفاقية

خلال الأسابيع الماضية احتضنت العاصمة الرواندية كيغالي قمة أفريقية استثنائية. بهذا الوصف أخذت أهميتها من التصديق على اتفاقية التجارة الحرة، لتبعث أحلام السوق المشتركة من جديد، وتمثل الإطار الواقعي للتحول الاقتصادي والاجتماعي المنتظر. لكنها وبالرغم من تلك الخطوات الجريئة، تظل محض أمنية دونها عوائق ومتاريس عالية، حيث تنمو مخاوف القادة الأفارقة على مخالب الوحش الرأسمالي.

حسب اتفاقية رواندا، ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ اتفاقية التجارة الحرة ﺧﻠﻖ ﺳﻮﻕ أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺗﻀﻢ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ 1.2 ﻣﻠﻴﺎﺭ ﺷﺨﺺ، ﺑﻨﺎﺗﺞ ﻣﺤﻠﻲ ﺇﺟﻤﺎﻟﻲ ﻳﺼﻞ إلى 2.5 ﺗﺮﻳﻠﻴﻮﻥ ﺩﻭﻻﺭ

كيغالي المدينة المنبعثة من رماد الإبادة الجماعية والتاريخ المروع للحرب الأهلية (التوتسي والهوتو) كانت حافلة بالقادة الأفارقة في آذار/مارس الماضي، لدرجة المضي قدمًا نحو المستقبل، ورصف طريق ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﺤﺮﺓ ﺍلأﻓﺮﻳﻘﻴﺔ، ووضع اللبنة الأولى لأحد ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻤشروعات حيوية وإثارة للجدل في القارة السمراء، بل إنه بمثابة بازار تذوب أمامه الحدود الجغرافية، وسوف يمثل حسب مضمون الاتفاقية أكبر منطقة تجارة حرة وتجمع اقتصادي في العالم، كما أنه يضمن حرية التنقل للأفراد والبضائع. ﻭﺣﺴﺐ البروتوكول، ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺧﻠﻖ ﺳﻮﻕ أﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺗﻀﻢ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ 1.2 ﻣﻠﻴﺎﺭ ﺷﺨﺺ، ﺑﻨﺎﺗﺞ ﻣﺤﻠﻲ ﺇﺟﻤﺎﻟﻲ ﻳﺼﻞ إلى 2.5 ﺗﺮﻳﻠﻴﻮﻥ ﺩﻭﻻﺭ، ﻭﺳﺘﻠﻐﻰ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍلأﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺍﻟﺤﺮﺓ ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﻔﺔ ﺍﻟﺠﻤﺮﻛﻴﺔ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴًﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ ﺑﺎﻻﺗﺤﺎﺩ، فخلال القمة الأفريقية التي عقدت في كانون الثاني/يناير 2018، أعلن الاتحاد الأفريقي عن إنشاء سوق موحدة للنقل الجوي تشمل 23 بلدًا.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة الوقود في السودان.. إنكار رسمي وطوابير ماراثونية وسخرية مؤلمة

لكنه ومع ذلك، لم يقتنع بها كل القادة الافارقة، حيث قاطع بعضهم القمة بتحفظات مُعلنة، حيث وقعت على الاتفاقية نحو 50 ﺩﻭﻟﺔ ﺇﻓﺮﻳﻘﻴﺔ وقاطعتها 5 دول، فما هو سبب المقاطعة؟ وهل تخشى الدول المقاطعة من أن تستحيل أسواقها إلى مكب للبضائع الرديئة؟ وما مدى فائدة السودان ومصر والدول العربية على نحو خاص؟

إجمالًا، فإن أغلب الدول الأفريقية صادقت على الاتفاقية، بينما ﺍﻣﺘﻨﻌﺖ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻧﻴﺠﻴﺮﻳﺎ، ﻭأﺭﻳﺘﺮﻳﺎ، وﻏﻴﻨﻴﺎ ﺑﻴﺴﺎﻭ، ﻭﺑﻮﺭﻧﺪﻱ، ﻭﺳﻴﺮﺍﻟﻴﻮﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻮﻗﻴﻊ. وإن كانت هذه الدول صغيرة وذات اقتصاد ضعيف، فإن نيجيريا تعتبر أكبر سوق أفريقي، ومن الدول النفطية الثرية، إلا أن بعض الأطراف الداخلية المعنية في نيجيريا لم تتم مشاورتها، ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﺈن ﻟﺪﻳﻬﻢ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺨﺎﻭﻑ ﺑﺸﺄﻥ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻻﺗﻔﺎقية. 

 الدكتور صلاح حماد خبير الشؤون السياسية بالاتحاد الافريقي كشف لـ"ألترا صوت" عن ثلاث اتفاقيات طال انتظارها لأهميتها الكبرى للقارة الأفريقية، وقال إن الاتفاقية الأولى هي إنشاء منطقة تجارة حرة تشمل جميع دول القارة. أما الاتفاقية الثانية هي حرية الحركة لأبناء وبنات القارة، والاتفاقية الثالثة هي الموفقة على إصدار جواز سفر أفريقي، وأوضح أن نيجيريا احتجت بأنها "تحتاج إلى مناقشة هذا الأمر محليًا، وأيضًا جمهورية جنوب أفريقيا وثلاث دول أخرى من الجنوب الأفريقي التي أرجأت التوقيع بحجة أنها تحتاج إلى مزيد من الوقت لتهيئة المناخ الداخلي لتقبل هذه الاتفاقيات".

يرى صلاح حماد أن الاندماج الاقتصادي الأفريقي يستجيب ليس لتطلعات الانتماء الأفريقي فحسب، وإنما أيضًا لضرورة ميدانية مرتبطة بالاستمرارية الاقتصادية للقارة، وذلك من خلال إنشاء منطقة تجارة حرة تربط جميع أنحاء القارة. أما لماذا تأخرت الفكرة؟ فيقول صلاح حماد إن الفكرة ظهرت بعد تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية في 1963، وأضاف أنها حوربت من قبل قوي خارجية لم يسمها، "كانت وما زالت ترى في أفريقيا مصدرًا للمواد الخام وأيضًا سوقًا لمنتجاتها". وأشار صلاح حماد إلى أن الرئيس البوركيني توماس سانكارا كان ينادي بفتح الأسواق للمنتجات الأفريقية دعمًا للمزارع والمصانع والمقاول الأفريقي، لكن للأسف الشديد دفع سانكارا حياته ثمنًا لأفكاره الأفريقية القوية".

بعد أكثر من خمسين عامًا على إطلاق الفكرة، اجتمع القادة الأفارقة في كيغالي لتحقيق الفكرة التي نادي بها كوامي نكروما، وبعده توماس سانكارا، ثم بول كاغامي.

ويرى بعض المراقبين أن هذه الاتفاقيات الثلاث هي طوق النجاة لإغاثة اقتصاديات الدول الأفريقية المتردية. فمن خلالها يمكن للدول الأعضاء أن تبيع ما لديها من فائض إنتاجها الزراعي والصناعي للدول المجاورة، أيضًا يمكنها استيراد ما يلزمها بسهولة ويسر. ومع ذلك فإن القارة السمراء تعتبر الآن مكبًا لمنتجات "نفايات" دول كبرى مثل الصين والهند وغيرهما. ما يعني أن هذه الاتفاقيات ستعزز اقتصاديات الدول الأفريقية وتنعشها. أما السودان فهو بخلاف حماسه لاتفاقية التجارة الحرة ينشط بصورة كبيرة أيضًا في قمة دول السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا "الكوميسا"، التي ستعقد في العاصمة البورندية بوجمبورا خلال الفترة حزيران/يونيو المقبل، وسوف ينافس السودان على فرصة انتخاب امين عام جديد لـ"الكوميسا".

وبالعودة إلى القمة الأفريقية، لربما استفادت رواندا التي فتحت حدودها لحركة الأفريقيين منذ ثلاثة أعوام دون أن تخسر شيئًا. من ضمن هذه الفوائد بالطبع دخلت إلى رواندا، الدولة الأفريقية الصغيرة مساحة وسكانًا، رؤوس أموال أفريقية كبيرة أدت إلي انخفاض نسبة البطالة من 32% إلى أقل من 19%، وأيضًا إلى ارتفاع معدل نمو الاقتصادي إلى أكثر من 9% وهي من أكبر النسب العالمية. أيضًا أدى هذا الانفتاح إلى انتعاش الحركة التجارية مع الدول المجاورة، فأصبحت كيغالي العاصمة المالية لإقليم شرق أفريقيا، وجزءًا من إقليم وسط أفريقيا. هذا كله ورواندا دولة ليس لها أي منفذ بحري علي الاطلاق!

وبينما يعتقد السفير صلاح حماد أن هذه الاتفاقيات، بما فيها "الكوميسا"، ستكون باب خير وبركة للاقتصاد السوداني في ظل وجود قوانين محلية قوية تحمي المواطن السوداني، كما هو الحال في رواندا ودول إفريقية أخرى".

"السودان بفائضه الصناعي يمكنه غزو الأسواق الأفريقية بسهولة لجودة المنتج ورخص الأسعار مقارنة بدول أخرى". أيضًا يمكن السودان من استجلاب عمالة أفريقية ماهرة للعمل في مجال الزراعة، ليكون السودان بذلك سلة غذاء أفريقيا، والعالم بأسره، وفقًا لحماد.

صلاح حماد: يمكن للسودان بفائضه الصناعي غزو الأسواق الأفريقية بسهولة لجودة المنتج ورخص الأسعار مقارنة بدول أخرى

إلا أن الرؤية تختلف تمامًا لدى الناشط السياسي والمدون هادي بورتسودان، فهو يعتقد بأن السودان وقع على الاتفاقية دون دراسة، بينما ناقش بقية قادة الدول في منتديات جانبية الآثار والتحديات لدرجة أن أي دولة شعرت بأنها سوف تطحن اقتصاديًا تخلفت عن التوقيع، واستند هادي إلى حديث الرئيس النيجيري بقوله: "لن نوافق على أي شيء من شأنه أن يقوض المصنعين المحليين وأصحاب الأفكار والمشاريع، أو قد يؤدي إلى أن تصبح نيجيريا مكبًّا للبضائع الجاهزة".

اقرأ/ي أيضًا: الاستعمار الإنجليزي للهند.. 173 عامًا من استنزاف البلاد وجرف الموارد!

كتب هادي بورتسودان تدوينة على صفحته في فيسبوك: "نظريًا الموضوع ما كله سيئ لكن سيئ في الوقت الراهن لحال السودان، ما حنستفيد وممكن نتضرر". وحاول هادي المقارنة بين الأوضاع في السودان وبقية الدول من حيث تكاليف الإنتاج العالية في السودان، وخلص إلى أنه حتى الاتحاد الأوروبي يرفض انضمام تركيا لمنطقته، حماية للمنتجين والمزارعين من الميزة التنافسية للمنتجات التركية، وأضاف ساخرًا: "هنا بعد كده يجيك زيتون تونسي وعنب مغربي و طماطم زاتو ممكن تجيك مصرية.. حتى باقي الزراعة الفي الناس حا تهجرها وتجي تقعد في الخرطوم".

 

اقرأ/ي أيضًا:

من يقوض قطاع السياحة في السودان؟

خيبة أمل وميكرفون صريع.. لماذا فشلت مفاوضات سد النهضة الأخيرة بالخرطوم؟