04-مايو-2024
جانب من الاعتصام في حرم جامعة كولومبيا (Reuters)

جانب من الاعتصام في حرم جامعة كولومبيا (Reuters)

كشفت مظاهرات واعتصامات طلبة الجامعات الأميركية الداعمة للقضية الفلسطينية والتي تطالب بوقف استثمارات الجامعات في إسرائيل ووقف العدوان على غزة، مرةً أخرى عن المعايير المزدوجة في السماح بحرية التعبير، وإطلاق الأحكام الجاهزة وتشويه و"شيطنة" الطلبة وحراكهم، وصولًا إلى قمعهم واعتقالهم.

وعلى نسق المكارثية الأميركية، تم استدعاء مصطلحات من زمن الحرب الباردة، من أجل وسم الطلبة، إذ ظهرت أوصاف "العمالة للخارج" و"إرهاب في الجامعات"، وأصبحت مفردات مستخدمة من قبل المستوى السياسي والإعلامي في الولايات المتحدة الأميركية.

حملة ممنهجة من المستويات السياسية والإعلامية من أجل تشويه انتفاضة الطلبة في الجامعات الأميركية

والمعروف أن وسائل الإعلام اليمينية القريبة من الحزب الجمهوري، تدير العداء ضد الاعتصامات، وظهر التحريض الكبير عليها من قبل الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، الذي أشاد باقتحام جامعة كولومبيا، فيما تحاول وسائل الإعلام اليمينية والسائدة التركيز على انتقاد إدارة الجامعات، نتيجة ما وصفته بـ"المواقف المترددة"، في إنهاء الاعتصامات.

وركز الإعلام بصورة كبيرة، على مزاعم "معاداة السامية"، رغم مشاركة طلبة يهود في الاحتجاج وعدة أساتذة يهود من أبرزهم نورمان فينكلشتاين، الذي ينحدر من عائلة ناجية من المحرقة النازية، بالإضافة إلى دفاع الأستاذة المنحدرة من عائلة يهودية جوديث بتلر عن حراك الطلبة، ومع ذلك تخلط وسائل الإعلام والتصريحات السياسية بين "معاداة السامية" ومعاداة إسرائيل، بشكلٍ متعمد.

واحدة من مظاهر هذا التحريض، جاءت عبر نشر صحيفة "نيويورك بوست" مقالًا يطلق اتهامات في حق حراك الطلبة، وجاء تحت عنوان: "أحد أساتذة جامعة نيويورك: طلاب الجامعات لا يمارسون ما يكفي من الجنس، لذا يتوجهون إلى الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل".

من جهته، أطلق عمدة نيويورك إريك أدامز، اتهامات بحق المعتصمين في جامعة كولومبيا، قائلًا: إن "الاعتصام بضم مخربين، وأشخاص من خارج الجامعة"، كما اتهم الاعتصام والطلبة بإطلاق هتافات "معادية للسامية". 

إضافة لذلك، اتهم أدامز الطلبة برفع علم دولة أخرى ويقصد العلم الفلسطيني، قائلًا: "من المؤسف أن تسمح الكليات برفع علم دولة أخرى ليرفرف في بلادنا. لذا يمكن أن تلوموني لأنني فخور بكوني أميركيًا، وأشكر السيد دورتي على رفع هذا العلم مرة أخرى. نحن لا نسلم أسلوب حياتنا لأي شخص".

وفي أعقاب هذه التصريحات، نشر نشطاء صورة سابقة لعدة مدينة نيويورك، وهو يرفع علم إسرائيل، في رد على انتقاده رفع علم فلسطين.

أما مسؤول الشرطة في نيويورك، فخرج في مقابلة مصورة متهمًا اعتصام جامعة كولومبيا باستخدام وسائل عنيفة، عارضًا سلاسل حديدية سميكة. لكن مراسلة صحفية أخبرت المسؤول أن ما عرضه هو من نوعية نفس السلاسل التي تستخدمها جامعة كولومبيا لتأمين دراجات الطلبة من أجل حمايتها من السرقة، وعلاوة على ذلك هي تباع داخل الجامعة، وقدمت له إثباتًا على ذلك، فما كان من مسؤول شرطة نيويورك سوى تحريك رأسه بالنفي والانسحاب.

من جانبها، كتبت مراسلة قناة "سي بي أس نيوز" الأميركية ألي بومان، على حسابها في منصة "إكس": "نقلًا عن مصادر، فإن هناك أدلة على وجود زوجة إرهابي معروف بين المتظاهرين في اعتصام جامعة كولومبيا"، لتقوم بعد ذلك بحذف المنشور الذي أثار موجة من السخرية والنقد لعدم  مصداقية ومهنية المراسلة.

وكانت بومان، تشير إلى وجود نهلة العريان، زوجة الناشط السياسي سامي العريان، الذي اعتقلته السلطات الأميركية لعدة أعوام، قبل القيام بإبعاده من الولايات المتحدة الأميركية.

والاتهام لنهلة العريان، بدأ من عمدة نيويورك أيضًا، الذي زعم أن مداهمة الشرطة لجامعة كولومبيا، جاء نتيجة وجود العريان في الحرم الجامعي. وبحسب تقرير لموقع "ذا إنترسبت"، فإن نهلة العريان التي فقدت 200 شهيد من عائلتها في قطاع غزة، وصلت إلى حرم جامعة كولومبيا لمدة ساعة، برفقة ابنتها الصحفية.

وبعد أيام من الزيارة ومغادرة مدينة نيويورك، تحدث عمدة نيويورك عن أن وجود العريان في الجامعة هو سبب اقتحامها والدوافع وراء تحرك الشرطة داخل حرمها. 

وفي ليلة اقتحام كولومبيا، بدأت الشرطة ومسؤولون آخرون في المدينة يسربون للصحافيين أن زوجة أحد "الإرهابيين المدانين" كانت في الحرم الجامعي.

وخلال بث على شبكة CNN في وقت متأخر من تلك الليلة، عرضت الشبكة تغريدة سامي العريان مع صورة نهلة زوجته من داخل جامعة كولومبيا، وقالت لورا كوتس: "علمنا الليلة أن زوجة الإرهابي المتهم كانت في الحرم الجامعي"، مضيفة أن "مصدرًا أبلغ شبكة CNN بشأن تغريدة العريان".

ويوضح موقع "ذا إنترسبت": "كانت نهلة نائمة في فيرجينيا عندما تم اقتحام كولومبيا ولم تكن تعلم أنها أصبحت شخصية في قسم شرطة نيويورك والروايات الإعلامية. في منتصف الليل، قامت بمراجعة مجموعة واتساب الخاصة بعائلتها حيث نشرت ابنتها التغريدة المحذوفة منذ ذلك الحين من مراسلة شبكة سي بي إس ومقطعًا من مقطع سي إن إن يظهر صورتها".

وفي سلسلة من المقابلات، ذكر عمدة نيويورك آدامز، مرارًا وتكرارًا وجود نهلة العريان في كولومبيا وقال إن ذلك كان جزءًا حاسمًا من قراره بالسماح بشن غارة على الطراز العسكري على المبنى. وكدليل على وجود "محرضين خارجيين" يديرون الاحتجاجات، واستشهد آدم بالعريان كمثال محدد لإثبات قضيته.

وقال آدامز في برنامج "Morning Joe" على قناة "MSNBC": "تم القبض على زوجة أحد الأفراد الذي أدين بتهمة الإرهاب على المستوى الفيدرالي. كنت أعلم أنه من المستحيل أن أسمح باستغلال هؤلاء الأطفال بالطريقة التي يتم استغلالهم بها".

وردد آدامز لهجة وفحوى تصريحاته في برنامج "CBS Mornings"، ولكن في برنامج "Morning Edition" الذي تبثه محطة "NPR"، ذهب آدامز إلى أبعد من ذلك، قائلاً إن وجود نهلة في كولومبيا كان الدافع وراء اقتحام جامعة كولومبيا.

وقال: "ما كان حقًا نقطة تحول بالنسبة لي هو عندما علمت أن زوجة أحد المحرضين الخارجيين قد تم اعتقاله بتهمة الإرهاب الفيدرالي موجودة في كولومبيا. كنت أعلم أنني لا أستطيع الجلوس والقول إنني سأسمح لهذا الأمر بمواصلة التصعيد. ولهذا السبب اتخذت هذا القرار".

وقالت ليلى العريان، ابنة نهلة: "إن تعليقات عمدة المدينة التحريضية بشأن الزيارة القصيرة التي قامت بها والدتي إلى كولومبيا تُستخدم لتبرير مداهمة الشرطة العنيفة والقمعية لاحتجاج الطلاب. ومن المخزي بنفس القدر أن بعض الصحفيين يرددون ببساطة هذه الادعاءات المثيرة التي تهدف إلى تشويه سمعة الطلاب الذين يحتجون على القتل والتشويه اليومي الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة".

وفي مؤتمر صحفي عُقد في الأول من أيار/مايو، اعترفت شرطة نيويورك بأن نهلة العريان لم تكن في الحرم الجامعي أثناء المداهمات، لكنها استمرت في استخدام زيارتها في الأسبوع السابق كمبرر لاعتداء الشرطة على الاحتجاجات. وقالت ريبيكا وينر، نائبة مفوض شرطة نيويورك للاستخبارات ومكافحة الإرهاب: "في الأسبوع الماضي، كانت هناك زوجة شخص أدين بتقديم الدعم المادي للإرهاب في الحرم الجامعي. ليس لدينا أي دليل على ارتكاب أي مخالفات جنائية من جانبها، ولكن هذا ليس الشخص الذي أريده بالضرورة أن يؤثر على طفلتي إذا كنت والدًا لشخص ما في كولومبيا"، وفق قولها.

انتشرت حملة التشهير ضد نهلة على نطاق واسع عبر الإنترنت، لا سيما في وسائل الإعلام اليمينية ووسائل التواصل الاجتماعي. ونشرت الممثلة الإسرائيلية نوعا تشبي، مقطع فيديو يظهر صورة زيارة نهلة إلى كولومبيا، وقالت كذبًا إنها "أُدينت بصلات بتمويل الإرهاب"، في حين أنه لم تتم إدانة نهلة أو اتهامها بأي جريمة على الإطلاق.

ونشرت صحيفة "نيويورك بوست" مقالًا بعنوان: "زوجة الإرهابي المدان سامي العريان كانت تتسكع في معسكر كولومبيا قبل الاقتحام". يشار إلى أن قضية اعتقال العريان، وصفت على نطاق واسع بأنها قضية سياسية، ولم تتم إدانته بعدة تهم، إلّا أنّه توصل إلى صفقة إقرار بالذنب تكون نتيجتها خروجه من الاعتقال، دون أن تكون من بين التهم تمويل أو تقديم الدعم لعمليات عسكرية.

وفي إسرائيل، حرض رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، على الحراك السلمي في الجامعات الأميركية، ووصف الطلبة بـ"الغوغاء"، وعقد مقارنته المتكررة مع ألمانيا النازية، قائلًا: "غوغاء يعادون السامية، سيطروا على الجامعات الرائدة في أميركا".