21-يونيو-2020

كمال بُلاطة/ فلسطين

في كندا، بلد التعددية الأثنية والعرقية، افتتحت أقسام في الجامعات لتدريس الثقافة العربية الإسلامية والسريانية، خاصة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 والهجوم الإرهابي على برجي التجارة العالمي والبنتاغون في الولايات المتحدة الأمريكية. وتوسعت لتشمل العديد من الجامعات المرموقة مثل: جامعة تورنتو، جامعة يورك، وجامعة واترلو في مقاطعة أونتاريو كندا حيث تتوزع أعداد كبيرة المهاجرين المسلمين الشرقيين، سواء من إيران، افغانستان، باكستان، الهند، ودول المشرق والمغرب العربي. وهذه الأخيرة، تفاقمت أعداد اللاجئين منها إلى كندا في الحقبة الأخيرة بسبب اندلاع الحروب والثورات فيها. وآخر حملة للجوء المكثف كانت من سوريا في بدايات عام 2016 حيث وصل عدد اللاجئين الذين حصلوا على الإقامة في كندا الى ما يقارب 25 الف شخص. وكنتُ شخصيًا أعمل حينها كمترجمة عربية في مطار تورنتو الدولي لتسهيل التواصل مع الجانب الكندي، واستخلاص الاوراق المطلوبة للإقامة واللجوء.

لم تكن كندا بعيدة عن ساحة استقبال اللاجئين وبأعداد كبيرة في القرنين التاسع عشر والعشرين

وكما هو معلوم فالثقافة بما تتضمنه من لغات وآداب وعادات وديانات وطرائق تفكير وفلسفة وموسيقى هي المفتاح للتعرف على الآخر- المختلف دينًا وعرقًا ولونًا. وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة مع الآخر-على الصعيد العملي الشخصي والاجتماعي والدولي. ولعل هذه الحاجة أصبحت أشد إلحاحًا في العصر الراهن وفي المجتمعات الغربية والأوربية التي يدخلها عنوة أو طوعًا أعداد هائلة من اللاجئين والمهاجرين العرب والمسلمين والشرقيين وما إليه.

اقرأ/ي أيضًا: تحت الأرض في منحدر السيدة المتوحشة

لم تكن كندا بعيدة عن ساحة استقبال اللاجئين وبأعداد كبيرة في القرنين التاسع عشر والعشرين. لقد توافدت اعداد كبيرة من المهاجريين الإيرانيين للاقامة في كندا بعد وصول الحكومة الإسلامية إلى السلطة. ثم كانت هناك هجرات ولجوء العراقيين الى كندا هربًا من ظلم السلطات المتعاقبة على العراق، وصولًا إلى مرحلة سقوط نظام البعث، ومن بعدها الهجرة بسبب تفشي عصابات العنف والفرق المسلحة الإسلامية المتطرفة. كل هذا استدعى نوعًا من الديناميكية الثقافية والخدماتية المجتمعية التي تساعد على استقرار وتأهيل القادمين الجدد للانخراط في المجتمع الجديد، ولتمكينهم من التفاعل بشكل هارموني يحقق للمجتمع والفرد السلام والعيش بكرامة.

في تجربة البرفيسور عامر الأزرقي في جامعة واترلو الكندية

في لقاء مع الدكتور والكاتب المسرحي عامر الأزرقي في إطار اللقاءات الصحافية والثقافية التي أجريها مع وجوه من الجالية منذ سنوات في أونتاريو كندا، من خلال ركن ابداعي "قهوة مع الشاعرة" حيث أستضيف شخصيات مهتمة بالآداب والثقافة والعلوم الاجتماعية. في هذا الحديث تطرقنا إلى سيرة الكاتب ونصوصه المسرحية، إلى جوار سيرته في التعليم الجامعي ولماذا يدرسون الثقافة العربية في كندا.

من الجدير ذكره أن الدكتور الأزرقي كاتب مسرحي ومترجم وأستاذ مساعد في جامعة واترلو، قسم الدراسات العربية والإسلامية. له عدد من المسرحيات المكتوبة بالإنجليزية حصلت على جائزة تقديرية، واختيرت واحدة منها للتمثيل في مهرجان اليونكسو للمسرح لعام 2019 في نيوزيلاندا، وذلك في شهر أيلول/سبتمير. المسرحية بعنوان " الكوب" وسبق أن جرى تمثيلها هنا بنجاح في كندا حيث قام بالدور الفردي الممثل العراقي الكندي عادل عباس.

المسرحية تسلط الضوء على حياة فنان مهاجر عربي، يعيش مأساة الانسلاخ عن البيت الأول. بعد تعرضه للسجن والتعذيب في بلده الأول هاجر الى كندا باحثًا عن السلام والحياة الأفضل، فيقع ضحية العذاب النفسي والضياع والشتات الروحي بين الماضي والحاضر. فيصعب عليه الانخراط في ثقافة المجتمع الجديد ولغته وينسحب هذا حتى على حيثيات العلاقة الأسرية والعامة، بسبب الفجوة الثقافية واللغوية والشعور بالإحباط. كل ما حصل عليه هو "كوب" أعطي له تذكارًا حين حضر وتكلم في إحدى المنابر الثقافية الكندية. صار كوبًا للشراب حتى الانسلاخ عن الواقع.

هذه المسرحية كتبت ونشرت بالإنجليزية ومُثلت أيضًا على المسرح في كندا والعراق وأمريكا، وهناك مسرحيات أخرى نذكر منها: الأرملة، عودة جلجامش، العالق، والأخيرة تسلط الضوء بسخرية سوداء على حال العربي وهو عالق في المطارات.

أشار الدكتور عامر الازرقي بأن الحاجة الى تفهم الآخر (العربي - المسلم) دفعت الجانب الكندي إلى استحداث أقسام لتعليم الثقافة العربية والإسلامية. هذه الأقسام تُعنى بدراسة الموسيقى العربية، المسرح، الشعر، السينما، العادات والتقاليد، إضافة الى دراسات حول: أثر الاسلام في الثقافة العربية، الحضارة والعرب قبل الإسلام. ولعل هذا يسهم في النهاية في فهم طبيعة المهاجر الجديد المسلم أو العربي.

هذا ويسعى الدكتور الأزرقي، إلى إقامة مهرجان ثقافي عربي سنوي في نطاق جامعة "واترلو" ساعيًا الى تقديم عدد من الأصوات العربية المهجرية المنشغلة بالإبداع والثقافة إلى الحضور المتنوع بين مشرقي وغربي.

المهاجر في حياته اليوميه الفعالة الفاعلة قد يصير بمثابة كتاب حي، يعايشه الآخرون فيفهمون ثقافته وسلوكه من خلال التفاعل في الإطار الاجتماعي والجغرافي واللغوي

وعن بداياته في الكتابة المسرحية، قال الكاتب الأزرقي ان تعلقه بالكتابة المسرحية بدأ من خلال دراسته الجامعية في الادب الانكليزي والمسرح المعاصر حين تعرف على شكسبير والكلاسيكيات العالمية في المسرح والفن. فتولد لديه ذلك الشغف الذي حمله الى الكتابة المسرحية وتقديم عروض مسرحية في صيغ حداثية وخلاقة. لا شك ان مرحلة الشتات التي عاشها شخصيًا كفرد انتقل من بلده العراق إلى كندا أطلقت موهبته وشكلت رؤية خاصة إبداعيًا وإنسانيًا. ولا ينكر أنه تلقى التشجيع والتوجيه في البدايات من أستاذ كندي مختص بتدريس المسرح وكانت البداية مع "في انتظار جلجامش".

اقرأ/ي أيضًا: معلّمو غابرييل غارسيا ماركيز

الترجمات من العربية إلى الإنجليزية والتنقيح الابداعي

خلال سنوات إقامته في كندا، سعى الكاتب إلى ترجمة نصوص شعرية من العربية الى الإنجليزية ونشرها في مجلات كندية وتعاون في ذلك مع أساتذة وشعراء يجيدون الإنجليزية كلغة أم. الغاية من هذا تقديم عينات من الكتابة المعاصرة العربية والنسوية، وذلك كمحاولة لكسر صورة الاستشراق والاستشراق الجديد التي تركز على الصورة النمطية المتخيلة والمسبقة عن العرب والإرهاب والإسلام، وما يقع في تلك الخانة الشائكة.

تحدثنا أيضًا عن الترجمة ومصاعب انجاز نص جديد شعري مماثل للنص الأصلي. عن مراحل العمل في الترجمة، أكّد من خلال تجربته ان الترجمة يجب أن تخضع للتنقيح من قبل شخص يتكلم اللغة الأم المترجم اليها، خاصة النصوص الشعرية والتي يفضل أن يقوم بتنقيحها شخص مبدع يدرك متاهات النص الشعري ومداراته ويحافظ على شعريته في اللغة الجديدة.

ماذا يترتب على المهاجر العربي المسلم وغيره؟

برأيي، ومن خلال عملي في كندا حوالي ربع قرن، أعتقد أن الفرد المهاجر يتحمل جانبًا من مسؤولية هذه الصورة النمطية. هذه المهمة شائكة وحساسة إذا نظر المهاجر إلى الآخر وإلى نفسه كحجر في هذا البناء الاجتماعي، وكخيط في شبكة اجتماعية وسياسية تزداد تعقيدًا مع تصاعد العنف في الشرق وفي الغرب. اقرأ/ي أيضًا:

المناهج الجامعية خطوة جيدة، ولكنها لن تكون كافية لتقديم صورة وافية عن أي مجتمع. المهاجر في حياته اليوميه الفعالة الفاعلة قد يصير بمثابة كتاب حي، يعايشه الآخرون فيفهمون ثقافته وسلوكه من خلال التفاعل في الإطار الاجتماعي والجغرافي واللغوي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الرّجاء وضع قناع واق من الغازات قبل الدّخول إلى "بلاد الثلاثاء"

كيف تتقاطع رواية "المبعدون" لأوجنين سباهيتش مع حقبة الجائحة؟