27-يوليو-2022
أغلفة كتب نجيب محفوظ بين ديوان والشروق

أغلفة كتب نجيب محفوظ بين ديوان والشروق

لا يمكن للمهتمين بعوالم الكتب والقراءة أن يُنكروا موقع الغلاف كعامل جذب أو نفور للقارئ. وفي حالة الرواية والقصة خصوصًا هناك إجماع بأنّ الغلاف جزء لا يتجزأ من بنية العمل الأدبي، لأنّ الشكل الخارجي يجب أن يأتي ليُعبّر عن مضمون العمل وروحه، وعن التعبيرات الشخصية والانفعالية للشخصيات. كما يُدركون أنه حتى الألوان التي تحملها الأغلفة يكون لها تأثيرات نفسية انفعالية على القارئ، فإما تشده إلى فكرة الاقتناء أو تجبره على العدول عنها.

قدّم القرّاء اعتراضاتهم على الأغلفة الجديدة لنجيب محفوظ، نظرًا لارتباطهم النفسي بصيرورة هذه الأغلفة عبر الزمن والمراحل

 

وانطلاقًا من هذا يُمكن فهم وجاهة الجدل الأخير الذي أثاره القرّاء حول أغلفة الطبعات الجديدة للأعمال الروائية والقصصية للأديب نجيب محفوظ، والتي بدأ في الكشف عنها الجهة الناشرة الجديدة "ديوان للنشر" منذ بداية شهر تموز/يوليو من هذا العام، وذلك بعد أن حازت الدار على حقوق النشر الورقي والصوتي لأعمال محفوظ لمدة خمسة عشر عامًا في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي بعد انتهاء عقد دار الشروق.

قدّم القرّاء اعتراضاتهم على أغلفة الروايات والقصص التي نشرتها "ديوان للنشر"، نظرًا لارتباطهم النفسي بصيرورة هذه الأغلفة عبر الزمن والمراحل، وحين راحوا يدعون الدار إلى إعادة النظر في أغلفتها، فلأنها لا تُعبّر عن جوهر وروح روايات وقصص صاحب "الحرافيش"، كما يؤمنون.

مصممو أغلفة نجيب محفوظ

عند النظر إلى تاريخ أغلفة أعمال نجيب محفوظ، سنجد فنانَين اقترنا بهذه التصاميم عبر سنوات عديدة، وبسبب عملهما ارتبط القراء بطبيعة وشكل الأغلفة التي عايشوها لهما طوال هذه العقود؛ أولهما الفنان جمال قطب، الذي بدأت تجربته في تصميم أغلفة الأعمال الروائية والقصصية لنجيب محفوظ بعد انضمامه إلى "دار مصر للطباعة والنشر- مكتبة مصر"، وبرز اسمه في تصميم أغلفة أعمال صاحب "أولاد حارتنا" في مرحلة لاحقة، وذلك عند امتلاك الدار لحقوق نشر أعمال محفوظ، في الفترة التي استمرت منذ منتصف الستينيات وحتى بداية الألفية الثالثة، وكان فيها قطب يقوم بتصميم أغلفة أعماله الروائية والقصصية مستخدمًا أسلوب الواقعية التعبيرية الذي عرف به، فيعمل على تجسيد أحداث من الرواية أو القصة عبر إضفاء لمسة شعبية، تُعطي للأغلفة جاذبية خاصة مليئة بتدفقات الحركة والألوان.

أما الفنان الآخر فهو حلمي التوني، الذي استلم هذه المهمة بعد انتقال حقوق نشر أعمال محفوظ إلى "دار الشروق" عام 2005، تلك التي انتهت بشكل رسمي وقانوني في نيسان/أبريل من العام الماضي. اقترح التوني رؤية بصرية جديدة لأدب محفوظ، ورسم أغلفة جميع أعماله وعددها اثنين وخمسين عملًا، باستثناء رواية "أولاد حارتنا".

عمد التوني إلى رسم لوحة تتناسب مع جوهر العمل، وبذلك كانت أغلفة التوني مليئة بالرسومات والألوان والأيقونات النسائية. وباستخدامه الرمز والإشارة، وابتعاده عن الأسلوب الوصفي المباشر، تميزت تصميماته بأنها كانت على تماس مباشر مع العوالم الشعبية في أعمال محفوظ، وأضافت أبعادًا جديدة إليها.

كل من من قطب والتوني أظهرا على مدى زمن طويل جسامة المهمة الملقاة على عاتقهما، فرغم انتمائهما إلى مدرستين شديدتي الاختلاف في الفنّ التشكيلي (الواقعية التعبيرية في حالة قطب، والرمزية في حالة التوني) إلا أن تصميمهما لأغلفة أعمال محفوظ قد انطلقت من مبدأ واحد، وهو المعرفة العميقة بالعوامل السردية والمضامين الجوهرية لنصوص لمحفوظ، وتقديم أغلفة تتواءم مع روح تلك النصوص، وتأتي متوافقة مع متطلبات الزمن الذي عاش فيه كلّ منهما.

جاء حصول "ديوان للنشر" على حقوق نشر ملكية أعمال محفوظ مترافقًا مع حصولها هي ومؤسسة هنداوي على حقوق النشر الإلكتروني لأعمال محفوظ، وقد بدأت هنداوي في نشرها لأعمال محفوظ مع بداية أيار/مايو من هذا العام، واعتمدت أغلفة خالية من أي رسومات سوى من صورة وجهه يليها اسمه وعنوان الكتاب.

 نجيب محفوظ
 نجيب محفوظ في تصميم لديوان للنشر

القارئ يدافع عن غلافه

الاعتراضات التي قدمها المهتمون والمتابعون حول شكل وطبيعة هذه الأغلفة، كانت في غالبيتها اعتراضات رؤوا فيها بأنّ الأغلفة الجديدة لا تُعبّر عن روح نصوص محفوظ، كما رؤوا بأنّ المصممين في ديوان لم يتكلفوا عناء قراءة متون أعمال محفوظ، حيثُ كانت النتيجة أغلفة تحمل أشكال فيها رسومات مرفقة بطريقة الجرافيك تُذكر بأغلفة أعمال توصف بالـ"كيتش"، وأغلفة ذات مضمون سطحي ومباشر له علاقة بالعنوان الرئيسي بعيدًا عن مضمون الرواية أو القصة وعوالمها المكانية والزمانية، وارتباطاتها بالحكاية الشعبية المصرية.

التجديد في الأغلفة لا يعني بأي حال من الأحوال إهمال روح النصّ والتعامل معه كبناء لامرئي غير موجود، ولا يعني كذلك إهمال أذواق وتفضيلات المتلقين

المتابع لردود أفعال المسؤولين في "ديوان للنشر" على موجة الانتقادات والاعتراضات التي أثيرت بحقّ الأغلفة، يُلاحظ أنّها في مجملها ردود تركز على حقّ الدار في الابتكار والتجديد الثقافي، بما يتلاءم ويتناسب مع روح العصر وعوالم ما بعد الحداثة.

تتناسى "ديوان للنشر" في ضوء دفاعها عن أغلفتها الجديدة، تحت دعاوى أولوية التجديد الثقافي، بأنّ هذا التجديد في الأغلفة لا يعني بأي حال من الأحوال إهمال روح النصّ والتعامل معه كبناء لامرئي غير موجود، ولا يعني كذلك إهمال أذواق وتفضيلات المتلقين المهتمين بعوالم الكتب والقراءة والتعامل معهم كفاعلين لامرئيين وغير موجودين؛ فإصرار الدار في أغلفتها الجديدة لأعمال محفوظ على إهمال جوهر النصّ، وإهمال أذواق المتلقين والمتفاعلين مع هذا النصّ، يُساهم في تكريس الفجوة بين ظاهر النصّ الأدبي وباطنه أو بين عنوانه ومضامينه، كما يُساهم في تنفير المتلقين من العمل الأدبي عندما تقع أعينهم على غلافه الخارجي ويُبصرونه بعيدًا عن نطاق تفضيلاتهم؛ فإصرار الدار على آرائها بخصوص الأغلفة، تحت دعاوي مقتضيات التجديد الثقافي يأتي وكأنّه يُقام على أنقاض روح الثقافة والمهتمين بها.