28-يوليو-2018

ساهم تحالف السعودية والإمارات مع إسرائيل في الانقلاب على مرسي (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

تتالى الأدلة التي تكشف تورط دول عربية معروفة بدعم الثورات المضادة، مثل السعودية والإمارات، في الانقلاب الذي قام به الجيش المصري، في 3 تموز/يوليو من سنة 2013، على أول رئيس مصري منتخب، وآل إلى الإطاحة بمنجزات ثورة يناير، وإعادة سيطرة المؤسسة العسكرية على البلاد.

ضغط حكام السعودية والإمارات، الذين يخشون من الانتخابات، من أجل إقناع واشنطن بأن مرسي والإخوان المسلمين يشكلون تهديدًا للمصالح الأمريكية

وقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير أعده مدير مكتبها السابق في القاهرة، ديفيد كيركباتريك، عن تواطؤ إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، مع هذه الدول العربية من أجل دعم الانقلاب. حيث يوضح التقرير أن سياسة دونالد ترامب بخصوص قمع "التطرف" بالقوة، وهواجسه من الإسلام السياسي كانت قد تبلورت بالفعل في عهد سلفه أوباما، وهو ما جعل المسؤولين الأمريكيين ميالين نحو إنهاء حكم الإخوان المسلمين بالقوة.

ورغم أن الرئيس الأمريكي السابق، كان أقرب إلى الإقرار بنتيجة الانتخابات الديمقراطية وبقاء محمد مرسي، مثله مثل مستشاريه المقربين، إلى أن معظم المسؤولين الحكوميين كانوا مع دعم الإطاحة بالرئيس المنتخب بالقوة، وهو ما أبدى معه أوباما استسلامًا، في اجتماع في البيت الأبيض في اليوم التالي للانقلاب. وبقيامه بذلك، فقد اتخذ خطوة أولى نحو السياسات التي ستصبح، حسب ما يوضح كيركاباتريك، المبادئ الأساسية لإدارة ترامب.

إن ما حدث من خلال تعيينات دونالد ترامب المثيرة للجدل، أن هذا التيار الذي كان على عداء شديد للإسلاميين، ومستعد لدعم التخلص منهم حتى ولو بطرق غير ديمقراطية، ليست جديدة ولا غريبة على سياسات واشنطن، صار أكثر حضورًا، بل أصبح هو التيار السائد داخل الإدارة الأمريكية، مع مناصب بارزة، وهو ما حدث بالفعل مع وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومايكل فلين، الذي كان مستشار الأمن القومي الأول في مجموعة ترامب.

اقرأ/ي أيضًا: النفاق الأمريكي في الشرق الأوسط.. من انقلاب السيسي إلى احتجاجات إيران

لقد تولى الرئيس مرسي منصبه في 30 حزيران/ يونيو 2012. وقد استهلك الكثير من طاقته في مواجهة مؤسسة الدولة الراسخة، المبنية خلال عقود من الاستبداد، والتي كانت ترفض وجوده. مع ذلك، فلم يكن الرئيس المنتخب، على قدر كافٍ من الكفاءة، وقد ارتكب خلال محاولته مواجهة السلطة القديمة، أخطاء عدة، أثارت سخطًا شعبيًا ضده.

الإمارات والسعودية في قلب الثورة المضادة برعاية أمريكية

ويبين تقرير مدير مكتب نيويورك تايمز السابق في القاهرة، أن السعودية والإمارات، اللتين يخشى حكامهما من الانتخابات حسب وصف كيركباتريك، ضغطوا بقوة من أجل إقناع واشنطن بأن مرسي والإخوان المسلمين يشكلون تهديدًا للمصالح الأمريكية. وقد توصل مسؤولون أمريكيون في وقت لاحق إلى أن الإمارات قدمت، بالإضافة إلى الدعاية العامة، تمويلًأ سريًا للاحتجاجات ضد مرسي.

تقدم الولايات المتحدة 1.3 مليار دولار سنويًا كمساعدات عسكرية لمصر، وهو ثاني أكبر تمويل تحظى به دولة بعد إسرائيل، وبعد الثورة المصرية في عام 2011، تفاخر البنتاغون بأن مساعدته قد ساهمت في إقناع الجنرالات المصريين بقبول الانتقال إلى الديمقراطية. لكن بحلول ربيع عام 2013، يبين كيركباتريك، "كانت المحادثات بين الضباط العسكريين المصريين ونظرائهم الأمريكيين عبارة عن جلسات نميمة متبادلة بشأن مرسي، كما أخبرني العديد من الأمريكيين المتورطين فيما بعد".

 اعتبرت المؤسسة الأمريكية أن ما حدث في 3 تموز/يوليو في مصر كان استجابة للمطالب الشعبية، من دون الحديث عن كونه انقلابًا

وفي إشارته إلى زعماء التيار المعادي للإسلاميين بطرق غير ديمقراطية داخل المؤسسة الأمريكية، يوضح التقرير أن ماتيس، الذي أصبح وزيرًا للدفاع في إدارة ترامب، وقد كان جنرالًا في المارينز، اعتبر أن جماعة الإخوان المسلمين مجرد ظل لتنظيم القاعدة، على الرغم من أن الإخوان المسلمين أعلنوا منذ عقود أنهم يعارضون العنف ويفضلون الانتخابات. ورغم أن تنظيم القاعدة نفسه يعادي تنظيم الإخوان المسلمين، ويتهمه بالتبعية للغرب. مع ذلك، فإن الجنرال ماتيس يصرّ أنهم "كلهم يسبحون في البحر نفسه". ويعتبر أن مرسي يتحمل مسؤولية خسارته للسلطة، بسبب إدارته الاستبدادية.

وينطبق الأمر على الجنرال مايكل فلين، الذي كان يزور مصر من أجل الحوار مع العسكريين المصريين بشأن مرسي، حسب ما يكتب كيركباتريك، "وقد أخبرني في عام 2016: أيًا يكن، الإخوان المسلمون أو القاعدة. كلاهما نفس الأيدولوجيا".

ولم يقتصر الأمر على العسكريين داخل حكومة أوباما، حيث كان جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك يحمل نفس الفكرة، وكان الرجل المقرب من الأنظمة الخليجية المعادية للإسلاميين، دائمًا ما يعبر عن عدم ثقته بالإخوان المسلمين. وعندما زار القاهرة في آذار/مارس 2013، انتابته كراهية فورية للرئيس المصري. وقد قال لكبير موظفيه عند خروجه من القصر الرئاسي، إن مرسي هو أكثر رجل مغفل قابله في حياته، مضيفًا إن "هذا لن ينفع.. هؤلاء الرجال مجانين".

اقرأ/ي أيضًا: السيسي يستكمل اغتيال 25 يناير.. كل ما تبقى تحت طائلة التنكيل

بينما بدا كيري مرتاحًا بشكل أكبر مع عبد الفتاح السيسي، الذي كان وزير الدفاع وقتها، وكان قد فهم من خلال المحاورات مع المسؤولين الأمريكيين، أن عصر مرسي قد انتهى، حسب ما يوضح مراسل الصحيفة الأمريكية. وقد أظهر السيسي استعداده للتدخل العسكري، وهو ما جعل وزير الخارجية في إدارة أوباما يشعر بارتياح كبير.

تحالف الرياض وأبوظبي مع إسرائيل

كانت الإشارات تتالى منذ شهر نيسان/أبريل، من خلال السفيرة الأمريكية في القاهرة، آن باترسون، أن الانقلاب صار واردًا في أي لحظة، وأنه سيكون دمويًا. وفي حين أرسل البيت الأبيض وزير الدفاع آنذاك، تشاك هاغل، لإيصال تهديدات للمؤسسة العسكرية المصرية من الإقدام على أي انقلاب، فقد نقل هاغل الرسالة بطريقة مختلفة كليًا، كما قال أحد المسؤولين الكبار في مجلس الأمن القومي، لديفيد كيركباتريك. وبدلًا من أن تكون الرسالة بأن "الديمقراطية مهمة"، أرادها هاغل أن تكون "نريد علاقات جيدة".

كانت الإشارات تتالى منذ شهر نيسان/أبريل، من خلال السفيرة الأمريكية في القاهرة أن الانقلاب صار واردًا في أي لحظة

وأضاف كاتب التقرير: "في مقابلة في أوائل عام 2016، أخبرني هاغل أنه كان محاصرًا بسبب الشكاوي الإسرائيلية والسعودية والإماراتية من مرسي. وقال هاغل إن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للبلاد، والقائد العسكري، كان قد وصف تنظيم الإخوان المسلمين بأنه العنصر الأخطر في الشرق الأوسط اليوم".

وبدورهم، فقد قال القادة الإسرائيليون، كما يوضح التقرير، إنهم يعتمدون على السيسي، وذلك لقلقهم من أن الإخوان المسلمين، ورغم تعهدات السيسي، سيهددون الحدود ويساعدون حماس. وقد أخبر السيسي هاغل بأن "هناك بعض القوى الشريرة جدًا والسيئة جدًا التي تتجهز. لا يمكنكم فهمها كما يمكننا هنا أن نفعل".

وبعد الانقلاب الذي حصل بالفعل، وإعادة سيطرة المؤسسة العسكرية على البلاد، يبدو أن الرئيس أوباما قد تجنب اتخاذ موقف، ما كان يشبه نوعًا من الخضوع لآراء المسؤولين الحكوميين في إدارته. فيما اعتبرت المؤسسة الأمريكية أن ما حدث كان استجابة للمطالب الشعبية، من دون الحديث عن كونه انقلابًا.

وقال قال كيري صراحة، إن الولايات المتحدة تحتاج إلى السعوديين والإماراتيين والإسرائيليين من أجل أولويات أخرى، وإنه لا يريد "الدخول في خصام مع بعضهم حول شيء واضح تاريخيًا، مثل الكيفية التي تسير بها الأمور في مصر".

وبعد أن ارتكب الجيش المصري مجازر بحق المعارضين للانقلاب، بلغت ذروتها في 14 آب/ أغسطس 2013، بعد إبادة حوالي ألف شخص، فيما اعتبرته منظمة هيومن رايتس ووتش أكبر مذبحة في يوم واحد في التاريخ الحديث. ورغم توسع عمليات القمع التي تديرها السلطات المصرية، لتضم الليبراليين واليساريين والحركات النسوية والمسيحيين، فإن السيسي بقي يتلقى إشادات واسعة. ولم يعد جيمس ماتيس الذي أصبح وزيرًا للدفاع، يتذمر من الحكم "الاستبدادي" في مصر. أما ترامب الذي انتصرت أفكاره داخل المؤسسة الأمريكية قبل أن يترشح للرئاسة أصلًا، فإنه يكرر إعجابه بالسيسي، باعتباره قائدا عربيًا "نموذجيًا"!

 

اقرأ/ي أيضًا:

اللارؤية..استراتيجية انقلاب السيسي

30 يونيو، خليقة أم صنيعة؟