06-يوليو-2018

لا يوجد خيارات كثيرة أمام ترامب في لقائه مع بوتين (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

منذ أن بدأت الثورة السورية، قبل سبع سنوات من الآن، أبدت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، قلة اهتمام فاضحة، وبدا أنها أرادت عبر مجموعة من المواقف المتناقضة، التعامل مع الملف السوري من زوايا ضيقة، منها التقليل من خطر التمدد الإيراني في المنطقة، وعدم ترك المجال مفتوحًا بالمطلق أمام القوات الروسية. ولم يكن الحديث عن الضحايا المدنيين بالتأكيد واردًا، إلا في الحالات التي كانت تسبق الدعاية الإعلامية لضربة عسكرية خاطفة وغير مؤثرة ضد النظام.

لم تتعامل إدارة أوباما كما يرى مراقبون، حتى بمنطق الندية الكاملة مع روسيا بشأن الملف السوري، وبقيت تناور في مساحات محدودة

لم تتعامل إدارة أوباما كما يرى مراقبون، حتى بمنطق الندية الكاملة مع روسيا بشأن الملف السوري، وبقيت تناور في مساحات محدودة وبعيدة عن سيطرة النظام وروسيا، سواء من خلال التحالف الدولي ضد داعش، الذي أقام عملياته في الشمال السوري، أو من خلال دعم المجموعات الكردية. وفي نفس الوقت، فقد أبدت موسكو ومعها النظام السوري، تسامحًا كبيرًا مع التدخل الأمريكي، ولم يكتف النظام بالصمت حيال الوجود الأمريكي في الشمال، ولكنه اعتبر أن هذه العمليات ضرورية، وطالب بأن يتم التنسيق معه لإجرائها، وهو ما أكده وزير خارجيته، وليد المعلم، في غير مرة منذ بدء التدخل الأمريكي. 

كانت سوريا، منذ 2014 على الأقل، مقسمة بشكل ضمني، إذ لم تتدخل الولايات المتحدة في مناطق نفوذ روسيا والنظام، أو أي محور من محاور الصراع مع المعارضة، وفي المقابل فإن روسيا والنظام بقيا لفترة طويلة بعيدين عن الصراع مع داعش، الذي احتكرته الإدارة الأمريكية وحلفاؤها على الأرض. مع ذلك، كان هناك نقطة خلاف واحدة، تخل بهذا الاتفاق الذي بدا مريحًا للطرفين، وهي إيران.

اقرأ/ي أيضًا: ضربة حفظ ماء وجه ترامب وماي.. لماذا تسكت موسكو على قصف مواقع الأسد؟

تعرضت إدارة أوباما إلى ضغوط كبيرة من إسرائيل ولوبياتها في واشنطن، بسبب تسامحها مع الوجود الإيراني في سوريا، وقد كان هذا جزءًا من حملة انتقادات واسعة، تعرض لها أوباما أصلًا بسبب قيامه بالتوقيع على الاتفاق النووي.

ولم يكن موقف إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب في نهاية 2016، الصارم تجاه إيران، ذا تأثير كبير على التقسيمات الضمنية للملف السوري. فرغم دعاية ترامب العدائية من اللحظة الأولى لإيران وللاتفاق النووي، فإن المعادلة العسكرية على الأرض لم تتغير تقريبًا، وباستثناء بعض الضربات المسرحية المحدودة ضد النظام، فإن شيئًا لم يختلف، وبقي التدخل الأمريكي في البلاد مقتصرًا على مناطق الصراع مع داعش، ولم يكن هناك أي تدخل واضح بشأن الصراع بين المعارضة من جهة، والنظام وروسيا وإيران من جهة أخرى.

وعلى الرغم من كل البروباغاندا التي ساقها النظام السوري في فترة من الفترات، فقد تجنبت الإدارات الأمريكية أن تأخذ موقفًا حاسمًا من مناطق الصراع الأهم في سوريا بين النظام والمعارضة، ويلاحظ المتابع للشأن السوري أن طبيعة الدعم الأمريكي للميليشيات الكردية في السنوات الأخيرة، اختلف اختلافًا حاسمًا عن دعم المعارضة الضئيل والمشروط، والذي لم يهدف إلى إحداث أي فرق على الأرض، وقد سيطرت الميليشيات الكردية بسبب ذلك على مناطق شاسعة من البلاد.

وبشهادة الدبلوماسي الأمريكي السابق، دينيس روس، الذي شغل مناصب في إدارات رؤساء عديدين منهم أوباما وجورج بوش، فإن سياسات أوباما وترامب بشأن الملف السوري متطابقة وغير جدية.

واعتبر روس، في مقالة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" يوم أمس الخميس، بعنوان "لقد أعطينا سوريا بالفعل لبوتين، فماذا بقي لترامب أن يقول؟"، أنه لم يبق هناك حديث كثير ليقال في القمة الروسية الأمريكية المزمع إجراؤها في الـ16 من تموز/ يوليو الجاري.

تجنبت الإدارات الأمريكية أن تأخذ موقفًا حاسما من مناطق الصراع الأهم في سوريا بين النظام والمعارضة

وقال الدبلوماسي الأمريكي، إن نهج كلا الرئيسين، أي ترامب وأوباما اعتمد بشكل أساسي على عقد اتفاقات مع روسيا، مع المعرفة المسبقة أنها لن تفضي إلى شيء. وتابع: في تشرين ثاني/نوفمبر 2015، كان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وصلا إلى اتفاق حول مبادئ فينا. ودعوا إلى وقف الأعمال العدائية، ورفع الحصار عن جميع المدن، بالإضافة إلى توفير الغذاء والأدوية وغيرها من المواد الإنسانية دون معيقات، وصياغة دستور في ستة أشهر، والقيام بعملية انتقال سياسي في 18 شهرًا. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2015، تم تجسيد هذه المبادئ في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. لكن نظام بشار الأسد انتهك بشكل صارخ جميع هذه الشروط: لم يرفع أي حصار ولم يسمح بمرور الإغاثة الإنسانية دون عوائق".

ويضيف: "لم يفعل الروس أي شيء أيضًا. وعلى الرغم من أن الأسد والروس قاموا أخيرًا بتنفيذ وقف إطلاق النار بعد شهرين، إلا أنه دُمر بحلول نيسان/أبريل 2016 مع استمرار نظام الأسد في هجومه ضد الأهداف المدنية، مع التركيز بشكل خاص على المستشفيات. وكما هو الحال في استخدامه للأسلحة الكيميائية، أصاب الأسد المستشفيات لإظهار أنه لن يحترم أي حدود". 

لم يفعل جون كيري وهو على رأس دبلوماسية واشنطن سوى إدانة التصرفات الروسية، والتذكير بالاتفاق الذي تم توقيعه

وبخصوص الإدارة الأمريكية الجديدة، يتابع روس: "قام ترامب بمحاولاته الخاصة للوصول إلى مكان ما مع الروس. وأنهى هو وبوتين على هامش قمة مجموعة العشرين في ألمانيا في تموز/ يوليو 2017، اتفاقًا لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا. التقى ترامب مرة أخرى مع بوتين في تشرين الثاني/ نوفمبر في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في فيتنام، وأصدرا بيانًا مشتركًا آخر بشأن سوريا. وأكدوا على أهمية مناطق خفض التصعيد كخطوة مؤقتة للحد من العنف في سوريا، وفرض اتفاقيات وقف إطلاق النار، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بدون معيقات، وجعل الظروف متاحة من أجل الحل السياسي النهائي للصراع".

اقرأ/ي أيضًا: ضربة السيرك الثلاثي لمواقع الأسد.. عندما لا يريد العالم إسقاط الدكتاتور

لكنه يعود ويعقب: "كيف تصرف الروس بعد ذلك؟ لقد شنوا سوية مع نظام الأسد والإيرانيين، حملات عسكرية دمرت وانتهكت ثلاثة مناطق من مناطق خفض التصعيد الأربع".

دينيس روس: لم يكن لا أوباما ولا ترامب معنيان بفرض أي عواقب على روسيا. وأراد كلاهما الخروج من سوريا

وتعليقًا على الأحداث الحالية في منطقة خفض التصعيد الرابعة، في جنوب غرب البلاد، يعقب السياسي المعروف: "في الفترة الأخيرة، حول الأسد والروس تركيزهم باتجاه جنوب غرب سوريا، وقاموا بالقصف بلا رحمة. وفي 21 حزيران/ يونيو، أصدرت وزارة الخارجية (الأمريكية) بيانًا حادًا يحذر نظام الأسد والحكومة الروسية من تداعيات خطيرة لهذه الانتهاكات. كثف الروس قصفهم، مما أدى إلى تدفق للاجئين مع فرار أكثر من 270.000 شخص. هل واجهت موسكو أي تداعيات خطيرة؟ لا! تطلع ترامب فقط لعقد قمة مع بوتين.

ويختتم روس التساؤل، إنه "لم يكن لا أوباما ولا ترامب معنيين بفرض أي عواقب على روسيا. وأراد كلاهما الخروج من سوريا، وليس التورط فيها. وسمح كلاهما لبوتين بأن يصبح الحكم على الأحداث. إذًا ما الذي يجب أن يفعله ترامب عندما يجتمع هو وبوتين في هلسنكي في 16 تموز/يوليو الجاري؟".

هكذا، وبخروج مستويات دبلوماسية متمرسة ورفيعة في عواصم القرار الأطلسي عن صمتها، من عيار دينيس روس، يمسي من الجدل المفضوح إعادة التأكيد على عمق مأساة إدارة العالم ظهره وإعماء أعينه عما واجهته ثورة الشعب السوري من إجهاض وإرهاصات تالية لتوحش آلة القتل الأسدي. سواء جاءت إدارة الظهر من ناحية المنظمات الدولية والأجسام صاحبة الاختصاص، من وزن مجلس الأمن وتشكيلات الأمم المتحدة، أو من السياسات الأطلسية العبثية وغير الاستراتيجية تجاه الملف السوري، جنبًا إلى جنب مع الانتهاز الفادح من الرجعيات العربية، أبوظبي - الرياض وركبهما، القائمة وراء الثورات المضادة وإعادة إنتاج الاستبداد وصيانته على حساب الدم العربي المسفوك. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

استعراضات ترامب في سماء سوريا.. رسائل التنصل من الاشتباك!

الغارديان: التعويل على الغرب لوقف جرائم الأسد ضربٌ من العبث!