25-مايو-2018

يخشى النظام السوري من تحرك يشبه ثورة يناير (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

حملات اعتقالات متتابعة، ومحاكمات عسكرية، وتقارير دولية تصف وضع حرية التعبير في مصر بالمرعب إجمالًا. يفيق الناس يوميًا على اعتقالات تمت بليل لنشطاء وصحفيين وحتى رجال دولة، فالعنوان الوحيد الذي يصلح للمرحلة هو تصفية الحسابات، من كل التيارات وكل من كان له صوت مغاير يومًا ما. يشبه الأمر نزعة للانتقام من كل شخصية أحرجت النظام يومًا، حتى وإن تابت عن العمل العام، واختارت الصمت.

تجسد خوف النظام المصري من ثورة  25 يناير باعتقال معظم نشطائها أو التسبب في خروجهم من البلاد

من المهادنة إلى التهديد والوعيد  

ظهرت صورة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التقطت في عام 2013، وضمت مجموعة من المساهمين الأساسيين في ثورة يناير، منهم أسماء محفوظ ووائل غنيم وأحمد ماهر. بعد خمس سنوات، انتهى رموز يناير من الساحة السياسية تمامًا اليوم فأصبحوا مفعولًا به، حيث مُنعت أسماء من السفر ولا زال أحمد ماهر بين المستهدفين من النظام بعد خروجه من الحبس، أما وائل غنيم فقد غاب تمامًا عن المشهد السياسي بعد تركه للبلاد.

وفي ذكرى الثورة عام 2014، ظهر السيسي في مقطع مصور بعد أن تحول من رئيس للمخابرات الحربية إلى رئيس الجمهورية، يقول "إن ثورة يناير وثورة 30 يونيو ثورة عظيمة وأنتم أيها المصريون حين ترغبون في تغيير شيء فإنكم تغيرونه". 

تغيرت اللهجة  قليلًا لتضع ما حدث في من انقلاب عسكري 30 حزيران/يونيو جنبًا إلى جنب مع ثورة 25 يناير، بل لتتحول أحداث يناير إلى ثورة انحرفت عن أهدافها وكانت 30 حزيران/يونيو تصحيحًا لها. كانت تلك فحوى إجابته حين سألته لميس الحديدي عن السبب وراء تهميش ثورة يناير ورموزها في إحدى المقابلات.

واجه الأمن المصري بكل قسوة كل من رفع صوته في أحداث محطات المترو

في الأيام التالية، ظهر السيسي أكثر قوة وثقة من ذي قبل، حتى أن لهجته التي تحدث فيها عن الثورة كانت لهجة عدائية ربطت في أكثر من مناسبة الثورة بالضياع وهدم البلاد. وفي مؤتمر الشباب بالإسماعيلية العام الماضي، اعتبر السيسي أن ثورة يناير قامت بسبب تزييف الوعي، وأن أي تحرك شعبي سيعني "ضياع البلاد وضياع مستقبلك"، ثم أضاف: "لو اتحركتوا ضدي هتهدموا البلد، الخلل في كل المؤسسات في البلاد، وبقولوكو كده عشان تصبروا و تستحملوا"، وهو نفس الخطاب الذي وصف فيه مصر بأنها بلد فقيرة وشحيحة الموارد.

اقرأ/ي أيضًا: السلطة المصرية تطارد "أشباح يناير" في المقاهي

في كانون الثاني/يناير من هذا العام، وتحديدًا خلال حفل افتتاح حقل "ظهر" للغاز الطبيعي ببورسعيد، كان تهديد السيسي واضحًا للجميع أو لكل من يسميهم "قوى الشر"، فيما بدا أنه تمهيد لإجراءات اقتصادية قاسية يعرف أنها ستثير الشارع ضده، حيث قال إن "الكلام اللى كان اتعمل من 7 أو 8 سنين، مش هيتكرر تانى فى مصر، اللى منجحش ساعتها هتننجحوه دلوقتي؟ انتم باين عليكم متعرفونيش، أنا مش راجل سياسي.. والله أمنك واستقرارك يا مصر ثمنه أنا وحياة الجيش".

"كل من كسر كوباً في يناير هيتحاكم"

يتحول التهديد والوعيد إلى إستراتيجية عند النظام المصري، ومن لهجة حوار إلى طريقة لإدارة الأزمات. في الشهر الماضي، هناك من رفضوا شراء تذاكر المترو بعد أن تضاعفت أسعارها إلى 350%، وهناك من وقف وهتف، ورفع لافتات تندد بالرئاسة والنظام، وهي مشاهد لم تعد أعصاب السلطات المصرية تتحملها، ما يجعله يعيد بناء سرديته عن ثورة يناير، منقلبًا ضد أي نزعة للاحتجاج.

واجه الأمن بكل قسوة كل من رفع صوته في جميع محطات المترو، وأُطلق رجال الأمن الذين يرتدون الملابس المدنية بين الناس لرصد من علا صوته، فيما شهدت البلاد بعد ذلك اعتقالات عشوائية لمن رفضوا الدفع وحرضوا على التمرد.

اعتقد النظام أن هناك من يحرض ضده من رموز يناير الذين ما زالوا خارج الزنازين، أو ربما أراد إشاعة المزيد من أجواء الرعب، فنفذ مداهمات ليلية لهيثم محمدين، المحامي الحقوقي، واعتقل في وقت سابق عائلة مضر، الزوج والأخ والزوجة، ولم يستثن الإبنة ذات الأحد عشر شهرًا، عالية مضر، التي اختفت قسريًا لعدة أيام قبل الإعلان عن ظهورها مع والدتها. واعتبرت الطفلة عالية وقتها أصغر مختفية قسريًا في مصر.

يتحول التهديد والوعيد إلى استراتيجية عند النظام المصري، ومن لهجة حوار إلى طريقة لإدارة الأزمات

 كما اعتقلت شادي الغزالي حرب، وهو قيادي سابق بحزب الدستور، بتهمة نشر أخبار كاذبة. كما اعتقل شادي أبو زيد، وهو شاب يقوم بتصوير مقاطع كوميدية على اليوتيوب، بعد أن اعتزل العمل السياسي، لتظهر صورته بعد القبض عليه واتهامه بالتحريض على الدولة ونشر أخبار كاذبة. وفي تلك الأثناء أعلنت محكمة عسكرية الحكم على الصحفي إسماعيل الإسكندراني المختص بملف سيناء بعشر سنوات.

اقرأ/ي أيضًا: بعد ثورة يناير في مصر: إلى أين انصرف رموزها؟ (1)

في مقطع فيديو يعود للعام 2014، يظهر الصحفي أحمد موسى على الشاشة ليتوعد الجمهور بقوله: "كل من كسر كوباية في يناير هيتحاكم"، وهو رجل لا ينطق عن الهوى، ومن المعروف أنه مثل كثير من الصحفيين المصريين، يعبر عن توجهات النظام.

تنفذ السلطات في مصر بالفعل هذه الأجندة، لكن وتيرة العنف باتت متسارعة، وصار القمع بلا سقف. وتظهر الأخبار الأخيرة، اعتقال المدون وائل عباس، الصداع الذي طالما عانى منه نظام مبارك لعقد كامل، حيث كان يوثق وينشر وقائع انتهاكات الشرطة في الأقسام على مدونته.

الثقة والبطش اللذان يتحرك بهما النظام تجسدا بأوضح صورهما، بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في آذار/مارس الماضي، بعد أن اعتقد أنه نال شرعية ما من خلال ما استطاع أن يمارسه من عنف ممنهج، وبعد أن صار القمع هو الوسيلة الوحيدة الناجعة لمواجهة ردات الفعل الشعبية على الإجراءات الاقتصادية القاسية، والتي قد تتضمن المزيد من طرح شركات قطاع الأعمال للبيع، ورفع الدعم تمامًا عن الوقود والمحروقات، حتى عام 2022، بالإضافة إلى خفض رواتب العاملين بالقطاع العام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد ثورة يناير في مصر: إلى أين انصرف رموزها؟ (2)

المغتربون في ذكرى الثورة: الظلم في الوطن غُربة!