06-أغسطس-2019

أسماء الأسد خلال اللقاء (فيسبوك)

أطلت أسماء الأسد بكامل أناقتها ونضارتها المعهودتين عبر شاشة التلفزيون الرسمي، لتزف لمحبيها وأنصارها بشرى انتصارها على مرض سرطان الثدي، الذي سبق لها أن شاركتهم فجيعة أصابتها به قبل ما يقارب العام من الآن، لا لتضع بين أيديهم أسرار مشاركتها الحميمة لهم لهذا الشأن الشخصي وحسب، بل لتضع بين أيدهم المثال والقدوة الحسنة التي صارتها بفعل جرأتها بالمبادرة للكشف المبكر عن السرطان، كما الإعلان عن إصابتها به وعرض رحلة الألم التي مرت بها أثناء مواجهتها له والانتصار عليه.

هل سلة تسوّق أسماء الأسد المغرمة بالناس مماثلة لسلة تسوق عائلة أي جريح أو شهيد سقط في معركة الدفاع عن سلطتها وسلطة زوجها؟

في البحث عن الدافع الشخصي الذي قد يدفع بسيدة القصر الرئاسي أسماء الأسد للتماهي مع مشاعر الناس، لا نعثر عليه في التواضع الجم الذي يبديه صاحب السلطة اتجاه مرؤوسيه بقصد محو الشعورالدوني الذي يخترق وجدانهم كلما وجدوا أنهم يستحقون مرتبة اجتماعية واعترافًا بوجودهم أكثر من ذلك، ذلك أن أصحاب السلطة المطلقة لا يقيمون اعتبارًا لقيم التواضع والمداهنة مع الناس الذين يقعون تحت حكمهم، كي لا يتسرب إليهم إحساس خاطئ بالندية والمساواة، فالأصل في كل سلطة مطلقة هو هوسها المرضي في تأكيد تمايزها عن محكوميها عبر حرصها على انسيابية العلاقة الهرمية التي تربطها معهم، وفق الصيغة السلطوية: رئيس ـ مرؤوس، مصدر للأوامر ـ مطيع لها دون تذمر أو تبرم.

اقرأ/ي أيضًا: أسماء الأسد مصابة بسرطان الثدي.. وتشكيك في مصداقية "سيدة الجحيم الأولى"

يندرج ادعاء أسماء الأسد بتقديم راحة الناس ومصالحهم على راحتها ومصالحها، على الرغم من الألم الذي يتسبب به لها مرض السرطان وضرورة تفرغها للراحة التامة، في إطار التمويه المحض لإخفاء حالة التمايز الحقيقية  التي تعيشها مثل زوجها وحاشيته عن محكوميهم التي تتفضل عليهم السيدة ببعض الفتات. فهل سلة تسوّق السيدة أسماء المغرمة بالناس ومصالحهم مماثلة لسلة تسوق عائلة أي جريح أو شهيد سقط في معركة الدفاع عن سلطتها وسلطة زوجها؟ وهل هي حقًّا متساوية معهم في مستوى الشعور بمرارة الفقد، التي ذاقته العائلات السورية التي قدمت فلذات أكبادها لينعم بشار الأسد بالسؤدد والمجد؟

في محاولة لمقاربة أو فهم كنه الرسالة المبثوثة في ثنايا اللقاء المتلفز، يجد المرء نفسه أمام تسويق متعمد للأدوار المجتمعية التي تنهض بها السيدة وما تزال بها، فهي ليست مسؤولة عن نادي المتفوقين السوريين وحسب، بل تصر ليشمل نشاطها التطوعي العناية بالمصابين بمرضى السرطان والمحتاجين لزراعة الأذن، ناهيك عن كونها مشرفة على مشروع إنتاج وتركيب الاطراف الصناعية لجرحى الحرب، دون أن تقول لنا ما الدافع لقيامها بتحمل تلك المسؤوليات مجتمعة، هل هو نقص في الكفاءات الإدارية في سوريا؟ أم هي خطة محكمة لربط الخير والرحمة بزوجة الرئيس وعائلته وحدهما؟

تأتي الأدوار المجتعمية التي تقوم بها أسماء الأسد ضمن خطة محكمة لربط الخير والرحمة بزوجة الرئيس وعائلته وحدهما

المتابع للقاء أسماء الأسد "رحلة من العمر" يصاب بالخيبة لناحية اعتقاده بالتعرف على رحلة الألم، التي خاضتها زوجة أصيبت بمرض السرطان وقهرته، إذ سرعان ما سيكتشف حضور الحديث عن الألم في اللقاء، وغياب المشاعر والأزمات التي رافقت رحلة الألم ذاتها بكل ما فيها من مأساوية وتفجع. فبدلًا من أن يجد المرء نفسه أمام جميع الهواجس التي رافقت أناسًا على أعتاب الموت أو التبدد، يجد نفسه أمام امرأة ممتلئة بالثقة والأنفة التي تؤهلها للعب دور المعلم والقائد، الذي يطالبنا أن نتخذ منه قدوة حسنة في التصدي الأزمات الوجودية التي قد تحيق بحياتنا يومًا.

اقرأ/ي أيضًا: سيدة الياسمين أم سيدة الجحيم؟

من حق زوجة الرئيس أن تفرح بشفائها من السرطان، ومن حقها أن توزع فرحها على كل مشارق الأرض ومغربها، إلا أن ما هو معيب في حقها هو ارتكابها لفعل الكذب الموصوف بخصوص الاستهداف الممنهج للمشافي الحكومية والخاصة في دولة زوجها من قبل جهات أجنية لم تسمها، فهل قالت لنا السيدة أسماء من هي الجهات أو الدول التي منعت عن قطاعها الصحي حق الحصول على الجرعات الخاصة بمرضى السرطان؟ أو الآلات الخاصة بغسيل الكلى أو الأدوية واللقاحات الأخرى المنقذة للحياة؟ أم أن الأمر لا يعدو عن كونه دعاية صفراء من زوجة مهمومة بحمل مظلومية للناس ليس لديهم مظلومية حقة في هذا المجال، متجاهلة تمامًا مظلومية الناس الآخرين، الذين وصفتهم باللاأخلاقيين والسوقة والفجّار، لا لشيء سوى لأنهم أعلنوا فك عرى الأخوة التي كانت تجعل منهم عبيدًا في خدمة سلطة آل زوجها، التي لم تدخر جهدًا لنهب حياتهم و مستقبل أبنائهم كما شقاء عمرهم، ليتمتع به أناس على شاكلتها، امرأة مهووسة بالتسوق من أرقى بيوتات الموضة العالمية.

تبدو أسماء الأسد في لقائها المتلفز مسكونة بالحرب، لا بحربها على سرطان الثدي الذي قهرته بفعل عزيمتها وتضامن السوريين الأخيار معها كما تدعي، بل بالحرب التي يخوضها زوجها على بعض السوريين المتمردين على سلطته. فبدلًا من أن تنبري للرد على السؤال المعد في غرفة إعلام القصر الجمهوري، والمتعلق بالدور الذي لعبه أبناء سيادتها في الوقوف إلى جانبها في محنتها ودورهم في مواساتها، تجيب السيدة على كل هذا باقتضاب، لتتفرغ للحديث عن الحوارات التي كانت تجريها مع أبنائها عن الحرب التي كانت تدور على بعد كيلومترات من القصر الجمهوري الذي كانت تسكنه، لتوحي لنا بدور المرشد النفسي الذي يسكنها، ذلك المرشد الذي يصر على أن يقدم نفسه لنا كقدوة حسنة في كل سلوك يتوجب علينا القيام به.

أما حين عرجت المذيعة المخطوفة اللون لتستفسر منها عن السبب، الذي جعلها تختار العلاج في مشفى عسكري بدلًا من مستشفى مدني، لم تبد المذيعة المدربة عشرات المرات على طرح الأسئلة أي ردة فعل على الضحكة المكتومة التي باغتتها بها السيدة "معقول بعد ثمان سنوات حرب؟"، كما لو كان لسان حالها يقول لولا العسكر وأحذيتهم لصرنا ملحًا وبقايا أسماء من عائلة مالكة.

جاءت السيدة إلى اللقاء وفي جعبتها مهمة رسولية تتمثل في إقناع مواليها من السوريين بوحدة المصير الذي جمعهم خلال سنوات الحرب الثمانية، والذي سيجمعهم مستقبلًا بالتأكيد، إلا أن صوت ووضعية جسد الإعلامية التي اختيرت لإجراء هذا اللقاء ظلت تفضح طبيعة الأخوة المنجزة التي يمكن تحقيقها بين السيدة أسماء وإخوتها من الناس. فهل يعقل أن تتصرف الأخت القادمة من صفوف الناس بكل هذا الحذر والريبة والتصنع في بيت أختها الرئيسة، التي قد تودي بها زلة غير محسوبة النتائج إلى الإطاحة بها وبمركزها الوظيفي الذي تعاتش منه؟

في جعبة أسماء الأسد مهمة رسولية تتمثل في إقناع مواليها من السوريين بوحدة المصير الذي جمعهم خلال سنوات الحرب الثمانية

إذا كان حال المذيعة يفضح كذب ادعاء أسماء الأسد عن حقيقة علاقة الأخوة التي تربط عائلة الأسد مع الناس الذين يحكموهم، فإن لغة الخطاب الموارب، الذي ظلت أسماء الأسد تصر على استخدامه طيلة فترة الحكي، لهو شاهد آخر على استحالة تحول ممثلي السلطة المطلقة بالتماهي مع الشعب وحسه الإنساني. اقرأ/ي أيضًا:

اقرأ/ي أيضًا: أسماء الأسد.. "سيدة الجحيم الأولى" التي خدعت العالم الغربي

فإذا كانت أسماء الاسد كما تفضل أن تقدم نفسها كعضو في أخوية الشعب، وإذا كانت لا تحوز على أي صفة رسمية في دولة الأسد الجمهورية، فما الذي يدفعها لتستخدم اللغة المواربة مع الناس التي تصر على أنها منهم؟ فهل يستحق سؤال المذيعة لها عن الطريقة التي تقبلت فيه خبر إصابتها بالسرطان كل تلك الإجابة المرواغة، التي ترفض أن تقول الأشياء على بساطتها على شاكلة كنت أتوقع كل شيء في الدنيا سوى السرطان؟ فما الدافع الذي جعلها تصر على إتباع المناورة البلاغية التالية "في علاقتي مع الصحة" على نحو مغاير للحس الشعبي والعفوي التي تدعي الانتماء إليه؟ وهل يستحق الحديث عن الشهداء والجرحى كل هذه الحذلقة اللغوية عن تبيان الفروق بينهما، لتبرير زيارتها الدعائية لجرحى الناس البسطاء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل سلطتها؟ أم أن البون واسع بين أن تدعي السيدة أسماء تماهيها مع مشاعر الناس ومصائرهم، وبين أن تكون مأخوذة بمشاعرها وهمومها السلطوية الخاصة؟

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

مافيوية نظام الأسد.. شظايا المجتمع ضد نفسها

دولة الأسد المتوحشة في مرآة دستورها