14-نوفمبر-2018

جدارية للأسد الأب

في محاولة فهم طبيعة النظام السياسي الذي تبناه الأسد الأب، عقب استئثاره بالسلطة في سوريا عام 1970، قام عالم الاجتماع الفرنسي ميشيل سورا، صاحب كتاب "سوريا.. الدولة المتوحشة"، باستعارة أحد الأدوات المعرفية العائدة لجيل دولوز "الجذمور ـ الشجرة"، ليبين لنا افتقار نظام حكم الأسد إلى هوية واضحة تسمح بإدراجه في سياق الأنظمة السياسية المعاصرة، فوفق صيغة النظام ـ الشجرة يلعب الجذر دور المركز في تحديد الصلاحيات والمهام التي تتمع بها العناصر الأخرى في الشجرة كالساق والأغصان والأوراق، بهدف الحفاظ على كيانها واستمراها، تقابله في الفاعلية داخل الجسد الاجتماعي السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الشعب، المصدر الرئيس التي تنبثق عنه بقية السلطات وعلاقة السلطات ببعضها البعض، بقصد حماية المجتمع من الفساد والتلاشي.

في استشرافنا لطبيعة نظام الأسد نعثر عليه متدثرًا بالاشتراكية، من حيث قدرته على توزيع الفقر والعنف على المجتمع بالتساوي

في استشرافنا لطبيعة نظام الأسد نعثر عليه متدثرًا بالاشتراكية، من حيث قدرته على توزيع الفقر والعنف على المجتمع بالتساوي، مع حرص محسوب بدقة على تعالي زعيمه وأنصاره عن ذلك الرجس الذي يتسبب به، كما نعثر عليه قوميًا عروبيًا ملتحفًا بشعار "الواحد في خدمة الكل والكل من أجل الواحد"، مع عجزه الفاضح عن تحقيق اندماج أفراد مجتعه السوري الذي يدعي حكمه لهم في هوية جديدة اسمها المواطنة، حيث كل فرد إزاء الآخر، أي أنه مساوٍ له بالحقوق والقيمة بغض النظرعن عقيدته الدينية التي جاء منها.

اقرأ/ي أيضًا: دولة الأسد المتوحشة في مرآة دستورها

حين يعجز الباحث الحصيف عن عثور نظام الأسد في صيغة النظام ـ الشجرة، لا يبقى أمامه سوى البحث عنه في صيغة النظام ـ الجذمور، والجذمور لمن لا يعرفه هو كل نبات عشبي ذي نمو أفقي كالنجيل مثلًا، من خصائصه الرئيسة الافتقاد إلى نقطة بداية محددة، يمكن لها أن تلعب دور المركز المنظم لعمل بقية الأجزاء التابعة له، كون جميع التفرعات والاستطالات التي ينشئها ذات طبيعة متماثلة، لا تحفل كثيرًا بتناقضات الاتجاه أو التوجه، إذ أن جل همها موجه لبناء الجسد ككل وحمايته من الزوال. في مقاربتنا لنظام الأسد كجذمور نجده يجتهد في بناء تحالفات متناقضة، فتارة يقدم أوراق اعتماده لدى الجانب الأمريكي، كمتعهد مضمون لمعالجة حالة الدولة اللبنانية الذاهبة باتجاه التفكك لعدة دويلات طائفية، وتارة أخرى نراه يسارع إلى عقد اتفاقية صداقة مع الاتحاد السوفييتي 1980، ليواجه خطر فكرة تخلي الأمريكان عنه في حال خسارته للمواجهة التي يخضوها ضد الاحتجاجات الشعبية لنظام حكمه، وإصرارهم على تركه يواجه المصير الذي آل اليه شاه إيران، ثم نراه يسارع في نفس العام إلى عقد تحالف إستراتيجي مع إيران دولة الملالي مخالفًا بذلك الإجماع العربي العالم تجاهها، الذي لم يرَ فيها سوى تهديد وجودي لدول الخليج العربي، محذرًا بذلك السعودية من خطورة التمادي في دعمها للحراك الشعبي الذي كان يتهدد حكمه، مذكرًا إياها بضرورة الاستمرار بدفع مبلغ الخوّة البالغ اثنين مليار دولار، وإلا تعرضت مصالحها في لبنان كحامية للسنة للخطر، كما تعرّض التحالف معها للتفكك نهائيًا، وانتقاله لصالح عدوها اللدود إيران.

في عمله كباحث علم اجتماع رصين، رفض ميشيل سورا الأخذ بالتصورالماركسي الشائع الذي يصرعلى مقاربة نظام الأسد كجزء من نموذج عام يدعى "التطور اللارأسمالي"، فعلى الرغم من تشابه سوريا مع الاتحاد السوفياتي لناحية ضعف التركم الرأسمالي، وكذلك التشابه من ناحية دور الحزب القائد في التحديث المجتمعي، إلا أنه ميّز بحذاقة بين العصبية التي دعمت ستالين ممثلة بالحزب الشوعي السوفياتي العابر للقوميات، وبين العصبية الطائفية المستندة إلى المذهب العلوي التي تدعم الأسد، والتي شكلت الإطار المرجعي للتوجهه الفكري وانعكاسها في ممارسته السياسية، الأمر الذي طرح عليه اختيار مقاربة جديدة لفهم طبيعة النظام السياسي القائم في دولة الأسد، التي تتعمد في مجملها على توظيف مفاهيم المنهج الخلدوني، خاصةً مفهومه المفتاحي "العصبية"، ودوره العملي في تشكيل الطائفة سياسيًا.

في مسعى من سلطات الانتداب الفرنسي في سوريا عام 1920، لإحكام سيطرتها على التنوع المذهبي والعرقي الذي يميز سوريا، رفعت حالة التنوع المذهبي والديني إلى مصاف الكيانات السياسية، ضاربة بعرض الحائط الرابطة القومية العربية التي تجمع بين أبناء الوطن السوري الواحد، فمُنِح أبناء مذهبي الدروز والعلوييين فرصة تشيكل كيانات سياسية مستقلة على قدم السماوة مع أبناء الطائفة السنية الأكبر، في حين تم إدماج أبناء الطوائف المسيحية كشركاء أصيلين في كل من دولتي دمشق وحلب. الدولة السورية المشكلة حديثًا 1936، من اندماج الكيانات الطائفية الأربع لم ترتقِ إلى مصاف الدولة الحديثة من حيث كونها دولة مواطنين لا دولة طوائف، حيث حلت الطوائف في مجلس النواب محل الأحزاب، التي عكست بدورها التوجه الطائفي. فالحزب الوطني في دمشق لم يكن إلا واجهة لكبار ملاكي الأراضي "الإقطاعيين" السنة المتحالفين مع كبار البرجوازيين الميسيحين، فيما مثل حزب الشعب نفس التحالف في كل من حلب وحمص وحماة، أما الحزب القومي الاجتماعي السوري فظلت عضويته مقتصرة على مسيحيي الأطراف واالعلويين، في حين لم ينج حزب البعث من نفس المصير الذي ظل ملجأ للدروز والعلويين، والقلة القليلة من المسيحيين والسنة، وقد سار على نفس منواله الحزب الشوعي السوري الذي كان حزبًا للأكراد وبعض المسيحيين.

في 1976 منح حافظ الأسد ضوءًا أخضر أمريكيًا، مشفوعًا بضوء آخر إسرائيلي، للقيام بدور مطفئ الحرائق الطائفية في لبنان

كان يمكن لهذا الخليط غير المتجانس لزعماء الطوائف أن يستمر إلى ما لا نهاية لولا الانقلاب العسكري الذي قام بتدبيره العقيد أديب الشيشكلي آواخر عام 1951، الذي نتج عنه إلغاء هذا النظام الطائفي بصيغته الحزبية السابقة واستبداله بنظام رئاسي واسع الصلاحيات، مع وجود حزب واحد عابر للطوائف لا دور فعليّ فيه لزعمائها، الأمر الذي أثار عليه غضب زعماء الطوائف كآل الأطرش في جبل الدروز، وآل كيخا والمقدسي في حلب، وصولًا إلى المواجهة العسكرية مع عصبية آل الأطرش ذات النزعة الاستقلالية، ومن ثم التحالف ضده من قبل جميع زعماء الطوائف عبرمؤسسة الجيش، وصولًا إلى لحظة الإطاحة به عام 1954.

اقرأ/ي أيضًا: هرطقة الأسد التشريعية.. المرسوم 16 مدخلًا

في 1976 منح حافظ الأسد ضوءًا أخضر أمريكيًا مشفوعًا بضوء آخر إسرائيلي للقيام بدور مطفئ الحرائق الطائفية في لبنان، ومحاصرة آثارها الضارة خوفًا من أن تصل نيرانها إلى المحيط أوروبيًا وإسرائليًا. رد الأسد على تهمة بعض المعارضين لتدخله من حيث كونه مقدمة لإقامة تحالف طائفي بين العلويين والموارنة للقضاء على الطائفة السنية في لبنان، بعد أن قضى على نفوذها السياسي في سوريا قائلًا: "نحن في هذا القطر لم نعتد الحديث بمثل هذه اللغة"، وقد كان يعني اللغة الطائفية، الأمر الذي يضعنا في مواجهة السؤال التالي: هل كانت الدولة التي أقامها الأسد في سوريا دولة غير طائفية حقًا، لا يتمتع بها أبناء طائفته بأية معاملة تفضيلة على حساب الطوائف الأخرى؟ وهل حقًا أن ما يحكم علاقتها، أي دولته، مع جميع الطوائف الأخرى التصنيف الطبقي الماركسي الذي تبناه البعث في مؤتمره القطري السادس "الذي قسم العالم إلى عالم الأخيارالمتمثل بالعمال والفلاحين والبرجوازية الثورية أو الصغيرة من جميع الطوائف، مقابل عالم الأشرار المتمثل بالأعيان والبرجوازيين"؟ أم أن هذا التصنيف الطبقي لم يكن هو المحرك الأساسي لآليات عمل قادة انقلاب 1963، بقدر ما كانوا يتحركون من وحي الوعي الشعبي المسيطر المتمثل بالوعي الطائفي، الذي ظل يحكم علاقة السوريين مع بعضهم البعض حتى عام 1963 وما بعده؟

في ظل السجال الدائر بين بعض المسلمين السنة، بما فيهم الإخوان المسلمون، والسلطة الأسدية على وقع أحداث 1979 في حلب التي شهدت انتفاضة شعبية عارمة ضد السياسات الاقتصادية للأسد التي أضرت باقتصاد المدينة، روّج البعض منهم  لفكرة المؤامرة العلوية لاستلام السلطة، مستشهدين بحضور الأسد لمؤتمر الطائفة الأول عام 1960 الذي أوصى بضرورة تسلل المزيد من العلويين إلى الجيش، ليسهل عليهم الوثوب إلى السلطة، كما حضوره لمؤتمر الطائفة الثاني مع مجموعة من الضباط  العلويين الفاعلين أمثال محمد عمران وعزت جديد وإبراهيم ماخوس، الذي أوصى بقيام دولة علوية عاصمتها حمص.

سواء صحت تلك الرويات أم لم تصح لافتقارها لوثائق ذات مصادقية عن ذلك المؤتمر السري، فإنها تعكس الطريقة التي ظل السوريين يلجؤون إليها في التعبيرعن أنفسهم سياسيًا، حتى عام 1963 حيث كانت الطائفة تلعب دور الحزب، أو على الأقل تعمل على فك التعارضات والخلافات التي قد تنشأ عن مفاعيل الترشح على المقاعد المخصصة لأتباع المذهب العلوي. أما عن الظروف التي أوصلت الضباط العلويين إلى السلطة، فلم يكن ذلك ناتجًا عن نجاح تنفيذ المؤامرة المعدة في مؤتمرات الطائفة، بقدر ما كان ذلك ناشئًا عن التسريحات المتعسفة في صفوف الضباط السنة التي كانت تعقب كل انقلاب عسكري يقوم به ضابط سني ضد آخر، وترك الضباط العلويين في مراكزهم لأنهم لم يكونوا يشكلون خطرًا عليهم، وحتى في انقلاب 1963 لم يكن بمقدور الضباط العلويين أن يشكلوا فرقًا في معركة السيطرة على السلطة، لولا الدعم الذي حصلوا عليه من الضباط الناصريين السنة.

لا يقيم نظام الأسد علاقة متساوية مع أبناء الطائفة العلوية جميعًا، إنما يقيمها على أساس أولويات القرابة العائلية والمصاهرة

لا يعني ذلك أن الضباط العلويين لم يكن لديهم وعي أو رغبة بالاستيلاء على السلطة، وتجييرها لصالح طائفتهم التي يتحدرون منها، بل مرد ذلك لمعرفتهم بتوازن القوة الذي كان يميل لضباط الطائفة السنية، وهكذا عندما شعروا بقدرتهم المتنامية على فعل ذلك لم يتأخروا عن الفتك بحلفائهم الناصريين، مستندين في ذلك على تحالفهم مع ضباط أقليات المذاهب الأخرى كالدروزوالإسماعليين وبعض السنة، ومن أجل أن يضمنوا سيطرتهم الطائفية على الجيش قاموا بتسريح ما يقارب 700 ضابط سني واستبدلوهم بضباط بعثيين من الطوائف الأخرى، فيما بلغت حصة الضباط العلويين ما يقارب الـ 300 ضابط. وما أن حل انقلاب صلاح جديد 1966 ضد قيادة البعث المدنية، ممثلة بمشيل عفلق ورفاقه، حتى أطاح بالضباط السنة المحسوبين على رئيس الجمهورية السني أمين الحافط، وبدلًا من أن يبدي مزيدًا من الانفتاح على الضباط الدروز قام بطردهم من الجيش على نحو جماعي بعد محاولة الضابط الدرزي سليم حاطوم اختطافه، الأمر الذي قاد إلى سيطرة شبه كاملة  للضباط العلويين على الجيش ومن ثم استئثارهم بالسلطة المطلقة.

اقرأ/ي أيضًا: صدام حسين.. الدكتاتور الذي يأبى الموت

وجد حافظ الأسد نفسه عام 1970 وجهًا لوجه أمام السؤال المصيري التالي: من هو؟ فأصر أن يعرّف نفسه كزعيم طائفة منتصرة على طوائف أخرى. في تقديمه لنفسه كزعيم، فرض على أتباعه أن يتعرفوا عليه كشخص فوق النقد، مرفوع دومًا وأبدًا إلى مستوى القداسة، فالعلوي الجيد في قاموسه هو العلوي المطيع، الذي ينفذ ولا يعترض، إذ يكفيه فخرًا أن يكون في صف القائد الملهم الذي يقود أتباعه إلى المجد، وهو ينشد: "أن تكون مع الأسد، يعني أن تكون مع نفسك". أما في تقديم نفسه كمنتصر، فقد تطلب منه أن يقايض جميع أبناء الطوائف الأخرى بالخدمة والشقاء والكدح لصالح الفاتح الجديد مقابل تكرمه عليهم بالأمان، مذكرًا إياهم بالقول البربري الخالد "الأسد أو نحرق البلد"، ما داموا في عرفه ليسوا أكثرمن رعايا أو عبيد.

ثمة إحساس قار في نفوس السوريين بأن جميع العلويين يتفردون بحكم سوريا، ويتنعمون بخيراتها دون أن يقدموا عملًا يتناسب مع المنافع التي يحصلون عليه من خلال جهاز الدولة البيروقراطي، غير أنه مع ذلك يظل حكمًا يفتقر إلى الدقة كونه لا يلحظ التراتبية السلطوية التي تحكم علاقة الأسد بالطائفة العلوية، فنظام الأسد لا يقيم علاقة متساوية مع جميع أبناء الطائفة كما لو كانوا أعضاء في أخوية دينية مصغرة، تقوم العلاقة بينهم على التكافل في السراء والضراء، بل تخضع لأولويات القرابة العائلية والمصاهرة، فعلاقة الأسد بأخيه رفعت علاقة لا تدانيها أية علاقة، كونه الحارس الأمين المكلف بحماية مملكة آل الأسد، ولقد أبدى دومًا حفاوة دائمة بالوجيه القبيح والبلطجي لأخيه ما دام يساهم في سياسة تخويف وترهيب الجميع، بما فيهم أبناء الطائفة، من التفكير بالانقلاب على سلطته وملكوته، إلا أنه ومع ذلك لم يتسامح معه عندما أبدى رغبة بوراثته وهو ما يزال على قيد الحياة، غير مدرك للطبيعة الفردانية للسطة التي لا تقبل القسمة على اثنين.

أظهرت حملة الاعتقالات الواسعة التي شنها نظام الأسد ضد منظمة العمل الشوعي عام 1982، التي كان مركز ثقلها الرئيسي في مناطق سكن الطائفة العلوية خطأ الصورة النمطية، التي حرصت على تصوير الطائفة العلوية ككتلة متجانسة متراصة خلف سلطة آل الأسد، فالاعتقلات لم تظهر الشروخ والتصدعات التي تعتري جسد الطائفة الاجتماعي، بل أثبتت وعي جزء كبير منهم إزاء حقيقة حكم نظام الأسد بصفته نظام حكم مافيوي يقوم على علاقات التراتبية والخضوع، والتعامل مع الآخرين  كخدم وأزلام لا كشركاء وأنداد، نراه لا يتوانى عن توظيف الجميع في خدمته دون أي اعتبار لآدميتهم وكرامتهم.

ظن نظام الأسد أنه بمقدوره القيام  بمهمة إعادة بناء المجتمع السوري المكون من طوائف سياسية متشعبة، عبر تبنيه الوصفة اللينينية للبناء المجتمعي القائم على اتحاد العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين في حزب ثوري واحد، تزول فيه التناقضات الطبقية والطائفية نتيجة زوال طبقتي ملاك الأراضي الكبار والبرجوازية، مع قدرته على الاحتفاظ بدور فاعل لطائفته السياسية التي مكنته من الوصول للسلطة، إلا أن الممارسة السياسية المعتمدة على اقتصاد الدولة الاشتراكي شكلت مدخلًا مناسبًا لولادة مجوعة من الأثرياء الطائفيين الجدد المسمين بأصحاب عمولات الخمسة بالمائة، الذي كانوا يمارسون عملهم على مرأى ومسمع من الأسد نفسه.

نحن إزاء نظام سياسي يطابق بينه وبين الدولة السورية ويفخخها بالانتماءات الطائفية ويرعاها، ثم نراه يعيب على السوريين الكشف عن طبيعتها الطائفية

أدى النهج الطائفي في قيادة المجتمع والاقتصاد الذي اتبعه الأسد إلى ولادة نهج طائفي مقابل، تجلى بظهور حركة الإخوان المسلمين كممثل عن الطائفة السنية التي تم تهميش مشاركتها في الثروة والحكم، وقاد التضاد والتنافس بين قطبي الطائفتين السلطة والإخوان إلى انزلاق المجتمع السوري إلى حرب أهلية 1979ـ 1982، ظاهرها الكراهية والاستعلاء الديني وباطنه التمييز الاجتماعي والطبقي.

اقرأ/ي أيضًا: كافكا في "الكامبات"

في تعالي الأسد الابن على الواقع ورفضه لفك الارتباط الطائفي مع دولته الأمنية وإعادته الاعتبار لدولة المواطنين، فوجأ بثورة مجتمع الهشيم السوري 2011، وهو يطالب باستراد حقه في دولة الحق والقانون المتعالي على الطوائف، حق البشر في العيش بكرامة مع حقهم بالتوجه نحو الآخر المتمثل بسلطة آل الأسد لنيل الاعتراف منها بهم كأشخاص كاملي الأهلية الوطنية، فلم يجد في جعبته للرد عليهم سوى الأسطوانة المشروخة عن الطائفة السنية، وهو إن كان صحيحًا إلى حد ما، فإنما يعكس طبيعة السلطة الأسدية التي لا يمكن أن ينشأ في ظلها من كيانات اجتماعية إلا ما يشبه بنيتها الطائفية، ولا أدل على ذلك من إصرار الدروز على التعرف على أنفسهم كطائفة لا يربطها بدولة الأسد أي رابط سوى علاقة الطغيان المفروضة عليهم فرضًا، وإلا كيف نفهم رفضهم لإرسال أبنائهم لخدمة العلم خارج الحدود الادارية لمحافظتهم لو لم يكونوا على قناعة تامة بأن دولة الأسد الطائفية لا تمثلهم؟

هكذا، نحن إزاء نظام سياسي يطابق بينه وبين الدولة السورية ويفخخها بالانتماءات الطائفية ويرعاها، ثم نراه يعيب على السوريين الكشف عن طبيعتها الطائفية، مفضلًا التحايل على الجميع عبر تقدمه بمفهوم غريب للوطنية يقوم على رفع ذاته الرئاسية إلى مصاف الذات الوطنية الجامعة كرديف للذات السورية المنقسمة على نفسها طائفيًا، كلما لو أنه كان بريئًا من كل هذا التجذر الطائفي، الذي لولا رعايته له لما قدر له أن يتسبب بكل هذا الخراب الجاثم على صدور السوريين جميعًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يحق لنا أن نشعر بالأمان؟

التطبيع العربي.. وقائع فشل فلسطيني