10-أغسطس-2018

الأسد وزوجته

تثير الصورة التي تجمع أسماء الأسد مع زوجها في غرفة متواضعة من غرف إحدى المشافي العسكرية في دمشق، وهي تتحضر لجلستها العلاجية الأولى ضد سرطان الثدي الذي تم تشخيصه حديثًا، في نفس المتلقي التعاطف، كما لو كنّا نتضامن مع أنفسنا في مواجهة الألم والموت الذي قرّر أن يقتحم حياتنا بغتة.

في عمومية  المعركة مع السرطان، يجد المرء نفسه أمام نوع من المعارك التي تفتقد نهايتها إلى اليقين، مما يجد نفسه مضطرًا إلى التسلح بالأمل.

موقع أسماء الأسد من تركيبة السلطة في سوريا يخرجها من مرتبة "سيدة الياسمين" إلى مرتبة "سيدة الجحيم" على حد وصف صحفية نيويورك بوست الأمريكية لها

أما في علاقته بالأمل الذي كان يستمده من كتاباته المسرحية، تمكن سعد الله ونوس من إرغام الموت بالتراجع عن موعده سنتين كاملتين، فيما قهرته الفنانة الفلسطينية ريم البنّا بالغناء، وحين لم ينفع واصلت ببقايا من وترها المشروخ، الذي لم يحتمل حزنها، فانكسر على عتبة بيتها في الناصرة. وفيما كنّا نتوقع أن تهزمه السيدة الأولى من باب الأناقة كـ"سيدة للياسمين"، أصرت أن تهزمه من باب السياسية، مزاوجة عن قصد بين محنتها الشخصية ومحنة شعبها الذي، ومن منظور الأسد وأسماء، ابتلي بجرثومة الإرهاب وانتصر عليه.

اقرأ/ي أيضًا: أسماء الأسد.. "سيدة الجحيم الأولى" التي خدعت العالم الغربي

في السيرة الذاتية لأسماء الأسد، نحن أمام سيدة تدخل الأربعين، وفق تعبير محمود درويش "بكامل مشمشها"، 43 عامًا. عاشت الـ25 عامًا من حياتها الأولى كسيدة لندنية. تتقن الإنكليزية بأناقة إلى جانب الفرنسية والإسبانية مع حرصها على تعلم العربية، لغة والديها السوريين. إشكالية هي السيدة، تثير حفيظة البريطانيين الذين يقفون عاجزين عن فهم الدوافع التي تجعل من شخص ما يتخلى طواعية عن قيم المجتمع البريطاني الديمقراطية التي تكفل له وللآخرين أول ما تكفل الكرامة البشرية، والتي تتعامل مع المختلف، والمعارض، كجزء من نسيج طبيعي في وطن مؤسس على الاختلاف وتضارب المصالح؛ ليكون جزءًا من قيم الاستبداد في نسخته الأسدية، قيم المسلخ البشري والبراميل المتفجرة، الذي تحتكر السياسية بوصفها منحة وحق يخصها هي وحدها، لا بوصفها نوعًا من الإدارة العقلانية لإدارة الشأن العام للمواطنين.

في دفاع أسماء الأسد عن زوجها، تسرد رؤيته عن نفسه، كما رواها لابنته الصغيرة، التي سألته يومًا عن نفسه: "بابا قل لي ماذا تعمل؟"، ليرد عليها باقتضاب: "إني أساعد الناس يا ابنتي!". ترى هل كانت تعرف السيدة الأولى أن القائد الشيوعي للخمير الحمر بول بوت، لم يكن في سابق عهده إلا خريجًا لجامعة السوربون الفرنسية المرموقة؟ وأنه لم يكن يفعل شيئًا في زمن إمساكه بالسلطة، سوى مساعدة الناس، تلك المساعدة التي كلفت الكمبوديين ثلاثة ملايين حياة؟

ما تخفيه الصور الثابتة لأسماء الأسد تظهره الفيديوهات، حيث نجد أنفسنا أمام امرأة تجمع في يديها كل إشارات السلطة ورموزها

في وصف صحيفة "الديلي ميل" البريطانية تبدو السيدة أسماء كـ"وردة" في مستنقع من الجحيم بوصفة راعية لبرنامج "ضحايا الوطن"، ذلك البرنامج الذي يركز على إعادة التأهيل السريع للمعوقين من الحرب وعودتهم إلى الأنشطة المفيدة اجتماعيًا، بالإضافة إلى ذلك فإنها تعتني بأسر الجنود القتلى وتوفر المدارس الداخلية للأيتام. دون أن تكلف الصحيفة نفسها عناء البحث، عن ماهية الشخص المسؤول أو السياسة التي قادت إلى هذا العدد المهول من الضحايا، أو حتى عن تشخيص، وإن شبه موضوعي، للواقع السوري.

اقرأ/ي أيضًا: بعد فشله "الباهر" في الرياضيات.. حافظ بشار الأسد مادة تهكم السوشال ميديا!

تبدو أسماء الأسد في الصورة التي تجمعها بزوجها، أقرب ما تكون إلى سيدة من عامة الشعب، متقشفة وزاهدة، ولا يخلو وجهها من مسحة حزن شفيف، إذ تكاد تبدو مثل القديسات في الأيقونات الكنسية. إذًا لِمَاذا لَمْ تختر أن تطل علينا من موقع إلكتروني آخر غير الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، لتخبرنا عن وضعها الصحي؟ ما تخفيه الصور الثابتة، تظهره الفيديوهات، حيث نجد أنفسنا أمام امرأة تجمع في يديها كل إشارات السلطة ورموزها. فهي لا تصدر الأوامر إلا لتطاع، ولا تسأل من قبل الآخرين إلا لتمنح وتتفضل، ولا تشارك في حكم إلا لتكون صانعة مصائر هذا الكم الكبير من الناس الذي يقعون تحت حكم نظام زوجها، الأمر الذي يخرجها من مرتبة "سيدة الياسمين" إلى مرتبة "سيدة الجحيم" على حد وصف صحفية نيويورك بوست الأمريكية لها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

معرض مكتبة الأسد للكتاب.. رسالة الثقافة الدموية

حافظ الأسد.. ذاكرة الرعب