02-يوليو-2017

ماكمود إسنكلوف/ أوزبكستان

يقول المعنيون بمجال التنمية إن القضاء على ثقافة الفقر هو أصعب من القضاء على الفقر نفسه، المعضلة التي تؤرق ملايين الفقراء حول العالم، جميعهم يطمحون إلى تحسين حياتهم المعيشية وتجاوز حالة الفقر، غير أن بعضهم فقط من ينجح في الوصول إلى الثراء، فهل يمكن أن تكون للعوامل الثقافية دور في إنتاج الفقر وتكريسه عبر الأجيال؟

نظرية "ثقافة الفقر"

يُعرّف علماء الاجتماع الفقر بكونه وضع عيش الكفاف، أي توافر الشروط الأساسية التي يحتاجها المرء ليظل على قيد الحياة في وضع صحي معقول، من غذاء ومأوى ودواء، دون أن يتجاوز ذلك، أما عندما تغيب إحدى هذه الحاجيات الأساسية فيسمى ذلك بالحرمان، وكلا المفهومين يحيلان إلى تلك الفئات الشعبية الهشة، التي تعاني من نقص حاد في الموارد، مما يؤثر على جودة معيشتها وفي بعض الأحيان يهدد حياتها بالفناء.

يقول المعنيون بمجال التنمية إن القضاء على ثقافة الفقر هو أصعب من القضاء على الفقر نفسه

في عام 1961، طرح أحد المنظرين الأمريكيين، يدعى لويس أوسكار، تفسيرًا لانتشار الفقر في فئات اجتماعية دون أخرى، بالرغم من أنهم قد يتشاركون نفس الأرض والفرص، وأوضح رأيه في وجود "ثقافة الفقر" في أوساط كثير من الناس، تعيق صعودهم خارج شرنقة الفقر.

اقرأ/ي أيضًا: العفو الرئاسي في مصر... فرح ناقص

وتحيل فكرة "ثقافة الفقر" إلى أن هناك مجموعة من المعتقدات والقيم والعادات، مسؤولة عن إنتاج الفقر وتكريسه في بعض الأوساط الاجتماعية الحاضرة فيها، كفكرة القدرية، والتواكل، والتبعية، وانعدام الطموح، والإيمان بالقوة بدلًا من العقل، والذكورية، وبالتالي فإن الفقر، حسب هذه النظرية، ليس نتيجة لنواحي القصور والعجز الفردي، وإنما هو نتاج بيئات ثقافية اجتماعية معينة ينشأ فيها الأفراد، لينتهي بهم المطاف في صفوف الفقراء.

كيف تعمل العوامل الثقافية على إنتاج الفقر؟

يتتلقى الأفراد ثقافة الفقر عبر التنشئة الاجتماعية، انطلاقًا من أسرهم والوسط الذي تربوا فيه المتسم بقلة الموارد، الذي يلقن معتقدات وعادات، تكرس اليأس والتبعية وضعف الطموح وعدم تقدير المعرفة، ويزداد الوضع سوءًا عندما تكون هذه الأوساط حافلة بالجريمة والمخدرات والفوضى والجهل، حيث تترسخ في الأفراد قيم العدوانية والانحراف ويُحرم من المعرفة اللازمة لتحسين وضعه.

ويقول في هذا الصدد لويس أوسكار إن "الناس الذين يعيشون في كنف الفقر تنطبع سماتهم وسلوكهم وشعورهم بقيمهم داخل المجتمع، إذ يتعدى الأمر مسألة الحرمان إلى الجريمة، كالإدمان وفقدان القدرة على الحراك الاجتماعي"، فيدرك الأطفال مبكرا أنه لا معنى للطموح أو التطلع إلى حياة أفضل، ويستعيضون عن ذلك بالاستسلام والتواكل والرضى بأوضاع الفقر.

وهكذا يتشرب الأفراد هذه المعتقدات والقيم والعادات من خلال تنشئتهم الاجتماعية، التي تلقوها في أوساطهم الفقيرة، ليعلموها بدورهم لأطفالهم جيلًا بعد جيل، فيعيدون بذلك إنتاج الفقر فيما يشبه دوامة لا متناهية، طالما لم يغيروا تلك الثقافة أو الوسط الذي عاشوا فيه، بالحصول على تعليم جيد أو بالهجرة نحو العيش في بيئة أكثر رفاها، لاكتساب معتقدات وقيم وعادات أكثر طموحا.

ولذلك يعتبر أوسكار بأن ثقافة الفقر هي: "تكيف ورد فعل الفقراء على مكانتهم الهامشية في مجتمع طبقي، رأسمالي، على الفردية، إنها تمثل جهدًا للكفاح والتغلب على المشاكل، مع شعور بفقدان الأمل واليأس الذي يتطور من إدراك عدم احتمال إنجاز النجاح بقيم وأهداف المجتمع الأكبر".

نقد نظرية "ثقافة الفقر"

إذا كان اتجاه لويس أوسكار، يحمل المسؤولية للأفراد بدرجة أولى عن فقرهم بإرجاعه السبب إلى الثقافة التي يعيش فيها الفقراء، فإن هناك اتجاهًا آخر، يجد ذلك "لومًا للضحية"، ويعتقد أن القوى الهيكلية والعوامل البنيوية في المجتمع هي التي تنتج الفقر وتعيد إنتاجه، محملًا هذا الاتجاه المسؤولية للنظام السياسي والاجتماعي.

هناك الكثير من الفقراء المختلفين في طباعهم الشخصية وتكوينهم العلمي، تمكنوا من تجاوز شرنقة الفقر

يقول منظرو هذا التيار إن البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة في المجتمع، من مثل الطبقة الاجتماعية والجنوسة والمرتبة المهنية والتحصيل العلمي والسلطة والانتماء، هي التي تشكل أسلوب توزيع الثروة، أما هبوط الهمة وانعدام الطموح وغياب الحافز فهو في واقع الحال "محصلة ونتيجة" للقيود المفروضة على أوضاع الفقراء، وليس سببًا في إنتاج الفقر.

اقرأ/ي أيضًا: ما لا يعرفه إخوان قطر المقاطِعون!

ومن ثمّة فإن تخفيف الفقر، لا يعتمد تغيير توجهات الناس ونظرتهم للحياة، بقدر ما يرتبط الأمر بوضع سياسات هادفة لتوزيع الدخل والموارد بين أفراد المجتمع بصورة أكثر إنصافًا، عبر دعم الفئات الهشة من الأطفال والنساء والأقليات، بالإضافة إلى توفير الدولة الحاجيات الأساسية لجميع العائلات، ومن هنا جاءت فكرة التعويض على البطالة والأطفال وتقديم الخدمات التعليمية والصحية المجانية بالإضافة إلى تخفيف الضرائب على محدودي الدخل بأوروبا.

غير أنه علينا أن نتحاشى الطابع الإطلاقي لتصور كلا الاتجاهين للفقر، سواء الأول الذي يرهن مصير الفرد بالثقافة التي تلقاها في تنشئته الاجتماعية، أو الثاني الذي يربط وضعه بالبنى الراسخة في المجتمع، إذ أن الأفراد ليسوا مجرد أشخاص سلبيين لا حيلة لهم أمام الفقر، بل لديهم قدرة ذاتية على التفاعل بأشكال مختلفة مع أوضاعهم الاجتماعية، مثلما يتعرضون لفرص وتجارب مختلفة، بدليل أن هناك الكثير من الفقراء المختلفين في طباعهم الشخصية وتكوينهم العلمي، تمكنوا من تجاوز شرنقة الفقر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ذكرى 30 يونيو.. "نهضة" الإخوان التي قصمت ظهر مصر

لعنة السوري