01-يوليو-2017

مقاطعة قطر كشفت الوجه الحقيقي لعدد من البلدان الخليجية في علاقة بفلسطين والاستبداد (بندر الغالود/ الأناضول)

تمر الأمة الإسلامية بشكل عام، والعربية على وجه الخصوص، في هذه الفترة بواحدة من أحلك مراحلها التاريخية، حيث باتت مناطقها سوقًا حية للموت والدمار والخراب، ومحلًا لصراع الكبار واستعراض عضلاتهم أمام بعضهم، وبات سكانها فئران تجارب لآخر ما توصلت إليه الصناعات العسكرية العالمية، وفي مثل هذه الظروف الحاسمة من التاريخ الإنساني يذهب كل شيء على شكل أرقام بعدد الضحايا والوفيات، وتبقى المواقف وأصحابها موزعين بين سطور التاريخ الناصعة وسجل الشرف، وآخرين مرميين في مزبلة التاريخ.

وجهت بوصلة العداء إلى قطر وحوصرت جوًا وبحرًا وبرًا في محاولة لإسكات أصوات المطحونين في بلدانهم بين رحى الاحتلال والاستبداد

هذه المعادلة التاريخية نشهدها عيانًا هذه الأيام وبشكل غير مسبوق، ففي الوقت الذي من المفترض أن تتكاتف فيه الجهود لرفع الظلم عن المظلومين في سوريا الجريحة، أو إعادة شيء من سعادة "اليمن السعيد" لأبنائه الذين يتوزع حصد أرواحهم بين الكوليرا وأسلحة الحوثيين وطائرات التحالف، أو وقف نزيف الدم العراقي الذي ضجت من سيلانه بلاد الرافدين منذ ما يقارب العقدين على التوالي، وفلسطين وما أدراك ما فلسطين الجريحة، التي لا تزال تئن تحت وطأة احتلال غاشم وغزتها المحررة يتوزعها حصار الاحتلال وتخاذل الأشقاء.

اقرأ/ي أيضًا: أمير السعودية الطائش يكرر مؤامرات الأسلاف ويضع عمه تحت الإقامة الجبرية

في مثل هذا الظرف العصيب وبدل أن يوجه الأشقاء العرب بوصلة عدائهم إلى الكيان الصهيوني أو الاحتلال الروسي في سوريا أو الأمريكي في كل العالم العربي، كانت بوصلة ذلك العداء موجهة إلى شقيقتهم الصغرى من حيث المساحة والكبرى من حيث الأداء على مستوى مشروع الأمة الحضاري بشهادة كثير من المتابعين. وجهت بوصلة العداء إلى قطر وحوصرت جوًا وبحرًا وبرًا في محاولة لإسكات أصوات المطحونين في بلدانهم بين رحى الاحتلال والاستبداد، ومن هنا فقط بدأت مرحلة التمايز والانقسام إلى فسطاطين بينهما مواقف مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس.

مواقف المحاصرين لقطر في هذه المرة سقطت عنها كثير من الأقنعة التي لطالما تجملت بها لحجب مستوى عمالتها للمشروع الصهيوني العالمي، وبدا أن هذه الدول تخوض حربًا شرسة متقاطعة مع نفس الحرب التي يخوضها الاحتلال الإسرائيلي في ثاني القبلتين وثالث الحرمين، وقد لخصتها كلمات لوزير الخارجية السعودي في الأيام الأولى للحصار: "لقد طفح الكيل من قطر وعليها وقف دعمها للإخوان وحماس". كما لخصتها تسريبات سفير الإمارات في الولايات المتحدة، إضافة إلى مطالبات الكتاب السعوديين بإعادة العلاقات مع إسرائيل ودراسة السلطات السعودية فتح المجال الجوي أمام طيران الاحتلال.

تعول الدول المقاطعة على قوتها الاقتصادية وتستند على ودّ أمريكي اشترته بمليارات كان الأقربون من عوزة مواطنيها أولى بها

أمام كل هذه المواقف التي تدع الحليم حيران من دول كانت بالأمس تجتمع في محافل دولية لدعم القضية الفلسطينية يتبين حقًا من بكى ممن تتباكى، ويتبين أيضًا سر ضعف الدول العربية في تقديم أي خطوة للقضية الفلسطينية منذ عهد النكبة والنكسة إلى اليوم.

تعول هذه الدول في مشروعها المقاطع هذا على قوتها الاقتصادية وتستند على ودّ أميركي اشترته بمليارات كان الأقربون من عوزة مواطنيها أولى بها، لكنه الوهن حين يدب في النفوس، صحيح أن المال والثروة في عصرنا اليوم هما عصب الحياة، وصحيح أن بإمكانك أن تصنع بهما المستحيل، لكن الأمر الصحيح الآخر الذي غفل عنه إخوان قطر المقاطعون أن في الحياة ما هو أسمى من المال وأنقى من الثروة إذا فقدته واجتمعت لك ثروة العالم بأسرها فإنك ستبقى فاقدًا لكل شيء وإذا حزته حزت كل شيء.

في الحياة قيم ومبادئ ومعانٍ جميلة تقف مع الإنسان وتدور في فلك الإنسان، تقف معه إذا ظلم تنصره تعينه، تداويه إذا مرض، تواسيه إذا حزن، هذه المعاني من قواعد الحياة أن التعاطي معها وتجسيدها صنيع وليس تصنع، وحين يجد الجد يتبين دائمًا من بكى ممن تباكى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وجه الإمارات المفضوح في اليمن.. حرب على الشرعية وحقوق الإنسان

أبوظبي على لسان سفيرها في موسكو: حرية الصحافة والتعبير ليست لنا