23-يونيو-2023
gettyimages

تشهد الهند ارتفاعات كبيرة في سجل الاضطهاد الديني للأقليات (Getty)

أثارت زيارة الدولة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للولايات المتحدة، والاحتفاء الكبير بها، الذي وصل إلى توضيح الولايات المتحدة كيفية التعامل مع مودي في إطار الحديث عن حقوق الإنسان، موجة من الإدانات والاحتجاجات، نظرًا لسلوك الهند ضد الأقلية المسلمة والمسيحية، وإجراءات مودي التي تساهم في "تآكل الديمقراطية" وقمع الصحافة.

"يجب ألا نضحي أبدًا بحقوق الإنسان على مذبح النفعية السياسية، ونحث جميع أعضاء الكونغرس الذين يدّعون الدفاع عن الحرية والديمقراطية على الانضمام إلينا في مقاطعة هذا المشهد المحرج"، بحسب بيان عدة أعضاء من الكونغرس قاطعوا زيارة مودي

وكان أعضاء مجلس النواب الأمريكي رشيدة طليب وإلهان عمر والنائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز وكوري بوش وكوييسي مفومي، قد أعلنوا عن مقاطعة خطاب رئيس الوزراء الهندي أمام الكونجرس يوم الخميس في ضوء أعمال العنف والقمع التي تتعرض لها وسائل الإعلام، والأقليات الدينية.

وقال طليب وبوش وعمر وجمال بومان في بيان "مودي لديه سجل سيء السمعة وواسع لانتهاكات حقوق الإنسان. لقد كان متواطئًا في أعمال الشغب في غوجارات عام 2002 التي أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 شخص ، مما أدى إلى إلغاء تأشيرته إلى الولايات المتحدة. لقد استهدفت حكومته علانية المسلمين والأقليات الدينية الأخرى، ومكنت من العنف القومي الهندوسي، وقوضت الديمقراطية، واستهدفت الصحفيين والمعارضين، وقمعت الانتقادات باستخدام تكتيكات استبدادية مثل إغلاق الإنترنت والرقابة".

زكي وزكية الصناعي

وأضاف البيان المعارض لزيارة مودي: "من المخجل احترام هذه الانتهاكات بالسماح لمودي بإلقاء كلمة في جلسة مشتركة للكونغرس، نرفض المشاركة فيها وسنقاطعها. نحن نتضامن مع المجتمعات التي تضررت من مودي وسياساته".

وتابع البيان، بالقول: "يجب ألا نضحي أبدًا بحقوق الإنسان على مذبح النفعية السياسية، ونحث جميع أعضاء الكونغرس الذين يدّعون الدفاع عن الحرية والديمقراطية على الانضمام إلينا في مقاطعة هذا المشهد المحرج".

وفي بيان، قال مركز العلاقات الإسلامية، إنه "يرحب بتعهدات أعضاء الكونجرس بمقاطعة الاجتماع المشترك للكونغرس يوم الخميس الذي يكرم رئيس الوزراء الهندي اليميني المتطرف والمناهض للمسلمين".

وفي مقابل الاحتفاء الذي حظي به رئيس الوزراء الهندي خلال الزيارة، تظاهر العشرات بالقرب من البيت الأبيض، أمس الخميس، ضد الزيارة، وقال أحد المتظاهرين وهو مدير المناصرة في المجلس الهندي للمسلمين الهنديين أجيت ساهي: "ينبغي على مودي أن يفكر في سبب كون السؤال الأول الذي طُرح عليه في المؤتمر الصحفي يتعلق في انتهاكات حقوق الإنسان. من الواضح للجميع أن هناك انتهاكات للحقوق في الهند".

وكانت النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، قد انضمت إلى النواب التقدميين، الذين دعوا إلى مقاطعة خطاب مودي أمام الكونغرس، وفي تغريدة عبر تويتر، حثت النائبة الديمقراطية عن نيويورك، أعضاء الكونغرس من المدافعين عن "التعددية والتسامح وحرية التعبير" إلى مقاطعة خطاب مودي أمام الكونغرس، وسلطت التقدمية أوكاسيو كورتيز الضوء على حظر مودي السابق من دخول الولايات المتحدة، وتقارير وزارة الخارجية عن سجل الهند في الحريات الدينية، بالإضافة إلى الترتيب الحالي للبلاد في مؤشر حرية الصحافة. 

وقالت كورتيز: "الخطاب المشترك هو من بين أكثر الدعوات المرموقة والتكريمات التي يمكن أن يقدمها كونغرس الولايات المتحدة، لذلك لا ينبغي أن نفعل ذلك مع الأفراد الذين لديهم سجلات مقلقة للغاية في مجال حقوق الإنسان، خاصة للأفراد الذين خلصت وزارة خارجيتنا إلى تورطهم في انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان للأقليات الدينية والمجتمعات المضطهدة الطبقية".

ووصفت النائبة طليب، خطاب مودي أمام الكونغرس الأمريكي بأنه "مُخزٍ"، وكتبت في حسابها على تويتر: "تاريخ مودي الطويل من انتهاكات حقوق الإنسان، وأعماله المعادية للديمقراطية واستهداف المسلمين والأقليات الدينية ورقابة الصحافيين غير مقبولة".

بدورها، استضافت النائبة إلهان عمر، لقاءً في الكونغرس، مع خبراء حقوق الإنسان وقادة حرية العبادة وأعضاء آخرين في الكونغرس لمناقشة قضايا السياسة الهندية، بعد خطاب مودي المشترك أمام الكونغرس.

ونشرت عمر، تغريدة في حسابها على تويتر، جاء فيها "قامت حكومة رئيس الوزراء مودي بقمع الأقليات الدينية، وشجعت الجماعات القومية الهندوسية العنيفة، واستهدفت الصحافيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان مع الإفلات من العقاب".

المأزق الهندي

وتحت عنوان "المأزق الهندي"، جاءت افتتاحية صحيفة "نيويورك تايمز"، تعليقًا على الحفاوة منقطعة النظير، خلال استقبال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، وجاء في المقالة: "أحيانًا قدمت المثالية والبراغماتية مزاعم متنافسة بشأن السياسة الخارجية الأمريكية، وقادت إلى خيارات صعبة أنتجت الخيبة. كانت هناك لحظة في تسعينات القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، من شأنها تعبيد الطريق أمام نظام سياسي واقتصادي عالمي، لكن هذا الوهم قاد إلى العالم المعقد الذي نعيش فيه، حيث تتناقض فيه مثل الديمقراطية الليبرالية، وبخاصة في الديمقراطيات الحية، مع شعبية الحكام الأقوياء، والرغبة بالأمن وقوى كراهية الأجانب والتظلمات". 

وتشير الافتتاحية إلى أنها تدرك أهمية الهند العالمية وموقعها الاقتصادي، إلّا أنها تؤكد على ضرورة قيام بايدن بإجراء مناقشة صريحة "وإن كانت غير مريحة في بعض الأحيان" مع الهند حول حقوق الإنسان.

وتضيف الصحيفة: "لا يقتصر المأزق على الهند. كيف تدير الولايات المتحدة علاقاتها مع الأنظمة الاستبدادية المنتخبة، من حكومة القانون والعدالة في بولندا إلى ائتلاف بنيامين نتنياهو اليميني المتطرف في إسرائيل إلى حكومة رجب طيب أردوغان في تركيا، هي واحدة من أهم الأسئلة الاستراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية. سيراقب قادة هذه الدول وغيرها عن كثب ليروا كيف تتعامل إدارة بايدن مع هذه الديمقراطية الآسيوية التي لا غنى عنها والتي تزداد استبدادًا".

getty

ويختتم المقال، بالقول: "من المهم أيضًا توضيح أن التعصب والقمع يتعارضان مع كل ما تعجب به أمريكا في الهند، ويهددان الشراكة مع الولايات المتحدة التي يسعى رئيس وزرائها بنشاط إلى تقويتها وتعميقها. أمريكا تريد وتحتاج إلى احتضان الهند، ولكن يجب ترك السيد مودي دون أي وهم حول مدى خطورة ميوله الاستبدادية، لشعب الهند وعلى صحة الديمقراطية في العالم".

سجل من الانتهاكات

وبحسب تقديرات سابقة، ففي عام 2021، ارتفع خطاب الكراهية والاعتداءات الجسدية ضد الأقليات وأماكن عبادتهم في الهند. 

وفي الأشهر التسعة الأولى من 2021، كان هناك ما لا يقل عن 300 عمل عنف موجه ضد الأقليات الدينية في جميع أنحاء البلاد، دون توجيه أي عواقب جدية للجناة، في إشارة إلى تقلص الحريات الدينية، وتراجع العلمانية في بلد متنوع من الناحية الدينية.

وفي بلد تمثل الأقليات الدينية ما يقارب من 20% من سكان البلاد البالغ عددهم زهاء 1.4 مليار نسمة، من بينهم حوالي 200 مليون مسلم و28 مليون مسيحي، ورغم ذلك يهدد مودي التعدد الديني من خلال "هندوسنة الهند" مع صعود التيار القومي الهندوسي، الذي ينتمي إليه مودي نفسه.

وساهم حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي، في أعمال عنف واضطهاد ديني، للمسلمين والمسيحيين، حيث تصاعدت أعمال العنف الطائفي في السنوات الأخيرة بحسب كل التقديرات، مع تحولها إلى المؤسسة الرسمية، التي أقرت قوانين جديدة، تتدخل في الملابس الدينية وطريقة الطعام وأماكن العبادة، مع إلغاء السيادة الذاتية لإقليم جامو وكشمير، في محاولة لتحقيق تفوق هندوسي.

وبحسب التقديرات، فقد تصاعد العنف ضد الأقلية المسيحية، منذ عام 2014 وكان عام 2021 هو العام الأكثر عنفًا على الإطلاق، حيث تم إحصاء أكثر من 500 حادث عنف، بزيادة قدرها 80% عن الذي سبقه، بما يشمل الهجمات على الكنائس والمدارس الدينية ورجال الدين. وتشير تقارير صحيفة إلى أن "الإسلاموفوبيا في عهد مودي هي القاعدة وليست حدثًا هامشيًا".

مودي نفسه كان متورطًا في بعض أحداث الكراهية، فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مودي في عام 2005 ورفضت إدارة بوش منحه تأشيرة دخول بسبب "الانتهاكات الجسيمة للحرية الدينية بشكل خاص"، نتيجة مقتل أكثر من 1000 شخص، معظمهم من المسلمين، خلال العنف الطائفي في ولاية غوجارات في عام 2002 التي كان يحكمها. 

والعنف الديني وقمع الصحافة يرتبط في مودي باستمرار، حيث منعت السلطات الهندية فيلمًا وثائقيًا لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن أحداث عام 2002 بعنوان "الهند: سؤال مودي".

تنا

وبحسب تقارير أمريكية رسمية، فإن الحكومة الهندية متورطة في قضايا اختفاء قسري خارج نطاق القضاء في مناطق جامو وكشمير. كما قامت الحكومة بطرد الأشخاص من أماكن إقامتهم واستولت على ممتلكاتهم وهدمت منازلهم بدون إجراءات قانونية، وذلك على أساس خلفية دينية.

والقمع في الهند يشمل حرية الصحافة، حيث أشار مؤشر حرية الصحافة العالمي 2022 الصادر عن "مراسلون بلا حدود" إلى أنها "خطرة على الصحفيين"، مع " انتهاكات متكررة " و"حملات كراهية منسقة ودعوات للقتل".

كما أصدرت الحكومة الهندية قوانين تعمل على تجريم التحول الديني من خلال الزاوج، وشجعت الحكومة الهندية "سياسات تمييزية دينية، بما في ذلك القوانين التي تستهدف التحول الديني والعلاقات بين الأديان وارتداء الحجاب وذبح البقر، مما يؤثر سلبًا على المسلمين والمسيحيين والسيخ والداليت والأديفاسي".

في مقابل الاحتفاء الذي حظي به رئيس الوزراء الهندي خلال الزيارة، تظاهر العشرات بالقرب من البيت الأبيض، ضد الزيارة

ووفق تقرير "Just Security" استمر تدمير الممتلكات، بما في ذلك أماكن العبادة في الأحياء ذات الأغلبية المسلمة والمسيحية بالهند.