04-مايو-2023
Getty

قد تطور المواجهة المتوترة في الساحة البحرية خلال الأيام المقبلة (Getty)

تشهد مياه الخليج العربي تصعيدًا هو الأكبر بين الولايات المتحدة وإيران، منذ عام 2019، على خلفية عمليات احتجاز السفن في مضيق هرمز، أحد أهم الممرات المائية في العالم، وأكثرها حركةً للسفن.

ردًا على احتجاز الولايات المتحدة ناقلة نفط إيرانية، شهدت الأيام الماضي ردود فعل إيرانية مشابهة

وتعيد التوترات الحالية إلى الأذهان الاستهدافات المتكررة على سفن النقل في ثمانينات القرن الماضي، فخلال حرب الخليج الأولى، اندلعت حرب أطلق عليها "حرب الناقلات" بين إيران والولايات المتحدة، رغم أن هذه الأخيرة لم تكن طرفًا في الحرب.

حرب ناقلات النفط 

أثناء حرب الخليج، شن نظام صدام حسين هجمات مكثفة على محطة تصدير النفط في جزيرة خرج الإيرانية، فيما ردت إيران بهجوم على ناقلتي نفط سعودية وكويتية، ليتسع الصراع وتتدخل الولايات المتحدة الأمريكية فيه.

في حينه، أدت الهجمات المتبادلة، إلى تهديد استقرار أسواق النفط، بالإضافة إلى التأثيرات على شركات التأمين العالمية، وهو ما انعكس بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي.

Getty

وفي عام 1987، اشتدت ذروة حرب ناقلات النفط، فقد استهدف العراق وإيران ما مجموعه 161 ناقلة نفط وباخرةً تجارية، كما وقعت 12 مواجهة مباشرة بين البحرية الأمريكية والإيرانية.

وردًا على الهجمات الإيرانية المتزايدة في عام 1987، أطلقت الولايات المتحدة عملية "إرنست ويل" لحماية ناقلات النفط الكويتية، حيث قامت بتغيير علم الناقلات الكويتية، مما يجعل البحرية الأمريكية مؤهلةً لعمليات الحماية. حيث كانت الولايات المتحدة ترسل سفنًا لمرافقة وحماية ناقلات النفط الكويتية، بالإضافة إلى دوريات استطلاع ومروحيات تحمل قوات خاصة مستعدة لعملية التدخل. لكن الحدث الأبرز حدث في 25 تموز/يوليو 1987، حين اصطدمت ناقلة نفط كويتية بألغام بحرية إيرانية، وكانت الناقلة متجهةً للولايات المتحدة، تحت حراسة البحرية الأمريكية.

Getty

وفي 24 آذار/مارس 1988 اصطدمت البارجة الأمريكية "USS Samuel B. Roberts" بلغم إيراني أطلقته بحرية الحرس الثوري في البحر، وأوشكت البارجة على الغرق. وبعد خمسة أيام من الحادثة، تم استهداف منصات النفط "سلمان" و"نصر" في إيران، انتقامًا للبارجة الأمريكية، كما تم إغراق الفرقاطة "جوشن" الإيرانية.

في 18 نيسان/أبريل 1988، استهدفت البحرية الأمريكية عددًا من المنشآت النفطية الإيرانية في مياه الخليج.

وفي 3 تموز/يوليو 1988، أطلقت سفينة حربية أمريكية، صاروخًا على طائرة ركاب إيرانية، قالت الولايات المتحدة إنها أخطأت التقدير، وظنتها طائرةً حربية، قتل خلال الهجوم 290 مدنيًا.

شبح حرب الناقلات

في 8 أيار/مايو 2018، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، من جانب واحد، وأعاد فرض العقوبات عليها بسبب برنامجها النووي. 

وردًا على ذلك، هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة النقل البحري الدولي، حيث يمر أكثر من 20 مليون برميل من صادرات النفط يوميًا باتجاه دول العالم، وهو ما يمثل ثلث إمدادات النفط في العالم.

هجمات 2019

في عام 2019، عاد استهداف السفن إلى الواجهة، بعد أن تصاعد التوتر بين إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل. وشهد ذاك العام ما لا يقل عن 6 هجمات، من بينها هجمات كبيرة. 

ففي 12 أيار/مايو 2019، تم استهداف 4 سفن تجارية بميناء الفجيرة في الإمارات، مما أدى لأضرار متفاوتة. وفي 13 حزيران/ يونيو 2019، تعرضت ناقلات نفط لهجوم في بحر عُمان، وأدت إلى إصابة الناقلات بأضرار كبيرة وكانت من أبرز أحداث المواجهة البحرية.

بالمقابل، تعرضت العديد من الناقلات الإيرانية لهجمات مماثلة كان أولها في تشرين أول/أكتوبر 2019، حين تعرضت الناقلة الإيرانية "سابيتي" لإضرار، بفعل قذائف أو ألغام لاصقة، وقد تكررت هذه الهجمات على السفن الإيرانية خلال ذلك العام. فيما تشير المعطيات إلى أن إسرائيل تقف وراء أغلب عمليات الاستهداف، وفي حينها هددت إيران برد حازم إذا حاولت إسرائيل اعتراض ناقلاتها النفطية مرة أخرى.

وفي تموز/ يوليو 2019، احتجزت بريطانيا ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق بحجة أنها كانت تشحن النفط إلى سوريا في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي، وردت إيران بتوقيف ناقلة نفط بريطانية وطاقمها في الخليج العربي، قبل أن تتراجع طهران ولندن على الخطوة، بعد عدة أسابيع بإطلاق سراح السفن.

هجمات 2020

شهد عام 2020، هدوءًا نسبيًا تزامن مع انتشار جائحة كورونا في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى إغلاق الحدود في عدة دول، لكن ذلك لم يعني انتهاء "حرب السفن".

ففي 25 تشرين الثاني /نوفمبر 2020، تعرضت ناقلة نفط يونانية لانفجار في ميناء الشقيق السعودي على البحر الأحمر، ما تسبب في أضرار بالغة بالناقلة.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2020، وقع انفجار في ناقلة ترفع علم سنغافورة في ميناء جدة السعودي على البحر الأحمر، مما تسبب في أضرار بالناقلة، كما أُغلق الميناء.

هجمات 2021

في كانون ثاني/ يناير 2021، احتجزت إيران ناقلة كورية جنوبية في مضيق هرمز، مما أثار خلافًا دبلوماسيًا بعدما طلبت طهران من سيول الإفراج عن 7 مليارات دولار مجمدة في بنوكها بموجب العقوبات الأمريكية. وفي 9 نيسان/أبريل 2021، أعلنت سيول أن طهران أفرجت عن ناقلة النفط، ورغم أنها لم تأتِ على ذكر الأموال الإيرانية المجمّدة. 

وفي تموز/يوليو 2021، تعرضت ناقلة نفط ترفع العلم ليبيريا لهجوم قبالة سواحل عُمان في بحر العرب. و تم تشغيل السفينة من قبل شركة "Zodiac Maritime" ومقرها لندن، وهي جزء من مجموعة "Zodiac" التابعة للملياردير الإسرائيلي إيال عوفر. وقُتل في الهجوم عدد من طاقم السفينة، هما بريطاني وروماني. ونفت إيران تورطها في الهجوم. لكن الحكومة الإسرائيلية أكدت أن الهجوم نفذته إيران عن طريق طائرة مُسيّرة.

وفي أب/أغسطس 2021، بثت 4 ناقلات نفط كانت تبحر في خليج عُمان، إشارات مفادها أنها ليست تحت السيطرة، ونقلت وسائل إعلام عن الحكومة البريطانية، أن الناقلات تعرضت إلى الاختطاف.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2021،  حاولت البحرية الأمريكية اعتراض ناقلة النفط الإيرانية "سما" بعد دخولها قناة السويس في اتجاه البحر المتوسط والساحل السوري، فاستعدت لاعتراضها، لكنها فوجئت أن فرقاطة روسية، بمعية قطعة بحرية روسية أخرى، كانت ترافق الناقلة الإيرانية.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أعلن الحرس الثوري الإفراج عن ناقلة فيتنامية بعد استعادة حمولتها من النفط، إثر احتجازها لنحو أسبوعين على خلفية ما قال إنها محاولة أمريكية لمصادرة النقط الذي حملته الناقلة. ونفت واشنطن الأمر، مشيرةً الى أن قواتها البحرية اكتفت بمراقبة قيام بحرية إيرانية بمصادرة ناقلة نفط ونقلها إلى مياهها الإقليمية.

Getty

هجمات 2022

في أيلول/سبتمبر 2022، احتجز أسطول تابع للبحرية الإيرانية سفينتين عسكريتين أمريكيتين لفترة وجيزة، في البحر الأحمر.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2022، أفرجت إيران عن ناقلتي نفط يونانيتين احتجزتهما قبل ستة أشهر في مياه الخليج.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2022، تعرضت ناقلة نفط ترفع العلم الليبيري، للهجوم من قبل طائرة مُسيّرة قبالة خليج عُمان، ويشار إلى أن السفينة تديرها شركة مقرها في سنغافورة، ويمتلكها رجل الأعمال الإسرائيلي عيدان عوفر.

هجمات 2023

في 10 شباط/ فبراير 2023، استهدفت ناقلة نفط قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي بطائرات مسيرة تعود ملكيتها لرجل أعمال إسرائيلي.

وفي شهر نيسان/ أبريل الماضي، صادرت البحرية الأمريكية شحنة نفط إيرانية بالقرب من جنوب أفريقيا. ردت عليها طهران باحتجاز ناقلة نفط ترفع علم جزر مارشال في خليج عُمان، بينما كانت تبحر في المياه الدولية. وتقول إيران إن السفينة اصطدمت بسفينة إيرانية في مياه الخليج، مما تسبب في وقوع إصابات، ثم حاولت الهروب عبر إطفاء أجهزة التتبع، بينما تقول البحرية الأمريكية إن إيران انتهكت القانون الدولي باحتجازها للسفينة.

وفي 3 أيار/ مايو،  قالت البحرية الأمريكية، إن إيران احتجزت ناقلة نفط ثانية خلال أسبوع في مياه الخليج العربي، وأن ناقلة النفط التي ترفع علم بنما، احتجزتها البحرية الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني، أثناء مرورها عبر مضيق هرمز.

وسيلة ضغط

تحولت قضية النفط والعقوبات الأمريكية على إيران، إلى نقطة توتر بين طهران وواشنطن، إذ تتهم واشنطن طهران بالتحايل على العقوبات لتصدير نفطها الى دول مثل الصين وفنزويلا، بالإضافة للنظام السوري. 

في حين تبني إيران "إستراتيجية تقوم على الرد وعدم السكوت" في التعامل مع الدول التي تحاول عرقلة تدفق نفطها تماشيًّا مع العقوبات الأمريكية، بما في ذلك الولايات المتحدة.

تهدف إيران من هذه العمليات إلى تعطيل تجارة النفط وزيادة الضغط على الولايات المتحدة والدول الغربية للعودة إلى طاولة المفاوضات

وتهدف إيران من هذه العمليات إلى تعطيل تجارة النفط وزيادة الضغط على الولايات المتحدة والدول الغربية للعودة إلى طاولة المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي، وإنهاء العقوبات، حيث تزامنت العديد من عمليات احتجاز السفن من قبل إيران، مع تعثر مفاوضات المشروع النووي.

من ناحية أخرى، يُعد الاستهداف المتبادل للناقلات الإسرائيلية والإيرانية، إلى نقطة مواجهة و"انتقام"، بحيث تحصل كافة العمليات، تحت سطح التوتر، وبدون نقل الحرب إلى البر، مما يعني إمكانية وقوع تدهور كبير.