27-ديسمبر-2017

منذ حراك الريف، لم يشهد المغرب احتجاجات بضخامة احتجاجات جرادة (telquel)

لم يكد يخبو صدى الحراك الاجتماعي في منطقة الريف، حتى اندلعت احتجاجات جديدة بالمغرب في منطقة جرادة شمال شرق البلاد، حيث خرج عشرات الآلاف من سكان المدينة إلى الشوارع، على خلفية مصرع شقيقين في منجم للفحم، بعد تسرب الماء إليهما من داخل البئر على غفلة منهما، مما تسبب في غرقهما إثر تأخر عمليات الإنقاذ.

أشعل مصرع عاملي فحم بمنطقة جرادة بالمغرب، الغضب الكامن بين ساكنة المنطقة بسبب ارتفاع أسعار فواتير الماء والكهرباء واعتقال نشطاء

مصرع عاملي فحم يشعل الاحتجاجات

بدأت القصة حينما استفاقت ساكِنة مدينة جرادة، الجمعة الماضية، على وقع خبر وفاة شابين شقيقين يعملان في إحدى مناجم التنقيب عن الفحم الحجري، غرقًا، بعدما باءت محاولات الإنقاذ من قبل متطوعين من سكان المنطقة بالفشل، ليتم استخراج جثماني الضحيتين مساء اليوم التالي، في غياب لأي من المسؤولين وفرق الإنقاذ، ما أشعل غضب الساكنة، خصوصًا بعد أن حاولت السلطات دفنهما على وجه السرعة، فخرج السكان في مسيرة ليلية في اتجاه العمالة ومن ثم إلى المقبرة.

ورفض المواطنون وأسر "شهيدي الفحم الحجري"، كما بات يُطلق عليهما، دفن الضحيتين، إذ تجمع العشرات منهم أمام مستودع الأموات بالمدينة، رافضين إخراج الجثتين من مستودع الأموات، قبل فتح تحقيق معمق في القضية، بل قضى بعض الشباب ليلتهم داخل المقبرة لمنع أي محاولة دفن من قبل السلطات.

اقرأ/ي أيضًا: "احتجاجات العطش".. المغاربة بين شحّ المياه والقمع الأمني

وفي عشية اليوم الموالي، أي الأحد، خرج سكان مدينة جرادة في مسيرة حاشدة بعشرات الآلاف، هزت الرأي العام الوطني، طالبوا خلالها بتعويض أسرة الضحيتين الذين لقيا حتفهما نتيجة الإهمال، وبرفع التهميش عن المدينة وتوفير العيش الكريم لساكنتها، مرددين شعارات من قبيل "فوسفاط وجوج بحورة وعايشين عيشة مقهورة"، و"هي كلمة وحدة هاد الدولة فاسدة"، و"جرادة يا جوهرة خرجو عليك الشفارة".

ويوم الإثنين، عرفت المنطقة إضرابًا عامًا، شمل المحلات التجارية والمقاهي، تلبية لنداءات بعض نشطاء المدينة، قبل عودة الأمور إلى حالها الطبيعي منذ أمس الثلاثاء، وسط هدوء حذر، ما عدا احتشاد مجموعة من الشباب أمام مبنى العمالة. 

وقد أكّد نشطاء في المدينة أنّ حراكهم "لن ينتهي مع دفن الضحيتين، بل سيمتد إلى غاية تحقيق المطلب الأول الذي خرجت من أجله الساكنة، والذي يتجلى في حل مشكل فواتير الكهرباء الصاروخية، والتعجيل بفتح تحقيق في وفاة الهالكين مع معاقبة المسؤولين، وإيجاد بديل اقتصادي لسكان المنطقة الذين يعيشون اوضاعا صعبة".

وكانت مدينة جرادة تعيش قبل أسبوع غليانًا شعبيًا بسبب غلاء فواتير الماء والكهرباء واعتقال نشطاء، لتأتي حادثة "شهيدي الفحم" وتشعل حالة الاحتقان الاجتماعي في المنطقة.

ردود فعل الحكومة والمعارضة

عملت السلطات المغربية مُبكرًا على إخماد استياء سكان جرادة بعد مصرع عاملي الفحم، من خلال محاولتها الإسراع في دفن الضحيتين مباشرة بعد انتشالهما مساء السبت، حتى بدون صلاة جنازة، قبل أن تتراجع عن قرارها أمام رفض أسر الضحيتين وصيحات المحتجين الغاضبين, كما وعد رئيس الجهة الشرقية، بعيوي عبد النبي، بحضور وفد وزاري إلى المدينة في "أقرب وقت" لعقد حوار مع الساكنة والنظر في مطالبها، مضيفًا بأنه مستعد لإعلان استقالته إن لم يتحقق ذلك.

من جهة أخرى وصلت أصداء أزمة جرادة قبة البرلمان، وقال رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني  في معرض رده عن أسئلة بعض البرلمانيين بمجلس النواب حول "احتجاجات جرادة"، إنه "مستعد للقاء برلمانيي جهة الشرق من أجل أن يناقش معهم موضوع وفاة شابين في منجم للفحم، سواء هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل"، مقدمًا تعازيه لأسر الهالكين في بئر الفحم، دون أن يدلي بمزيد من الإجراءات أو التفاصيل.

وانتقدت المعارضة، الممثلة في حزب الأصالة والمعاصرة، طريقة تعامل الحكومة مع ساكنة إقليم جرادة، متهمًا إياها بـ"تهميش المنطقة وفشلها في تشغيل الشباب"، فيما طالب حزب "الاتحاد الاشتراكي"، الشريك الحكومي، بفتح "تحقيق شامل" حول حادث الشابين الشقيقين اللذين أغرقهما الماء في منجم للفحم بمدينة جرادة، ما أدى إلى اندلاع مظاهرات شعبية ساخنة بالمنطقة.

منذ حراك الريف، لم تشهد الساحة المغربية احتجاجات بحجم حراك جرادة، الذي هتف محتجوه باسم ناصر الزفزافي

ومنذ حراك الريف، لم تشهد الساحة المغربية انشغالات بأي من الاحتجاجات التي تظهر بين الفينة والأخرى في المناطق المهمشة، حتى وقوع حادثة "شهيدي الفحم" بمدينة جرادة، حيث عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات المنددة بحالة الإهمال التي يعيشها الإقليم، مطالبين المسؤولين بالقيام بأدوارهم وتنمية المناطق الفقيرة، كما واكب نشطاء الشبكات الاجتماعية تغطية الاحتجاجات الشعبية لساكنة المدينة صوتًا وصورة.

وربما لم تشهد المغرب احتجاجات بهذا الحجم منذ احتجاجات الحسيمة. وقد هتف محتجو جرادة باسم ناصر الزفزافي، قائد احتجاجات الحسيمة، تأكيدًا على استمرار الحراك الاجتماعي المطالب بتحسين الأحوال المعيشية للجهات والفئات المهمشة في البلاد.

وإجمالًا، يُمكن وصف 2017، بعام الاحتجاجات والمطالب الحقوقية والاجتماعي في المناطق الأكثر تهميشًا وفقرًا بالمغرب الذي يعيش نحو 19% من سكان مناطقه الريفية فقرًا مدقعًا، وأكثر من 15% من إجمالي سكانه يعيشون على أقل من ثلاث دولارات فقط في اليوم.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد مسيرة الرباط الحاشدة.. هل انبعثت روح "20 فبراير" من جديد؟

المغرب تهتز.. فاجعة الصويرة تعكس عمق معاناة المواطن المغربي