24-فبراير-2017

رجل وامرأة جالسان بجانب بعضهما وهما رافعان صور وجوه تعبيرية (Getty)

أصبح مألوفًا خلال عمليات الدردشة على وسائل التواصل الاجتماعي، أو التطبيقات العاملة على الهواتف الذكية، استخدام الرموز التعبيرية، والتي تعرف بمسمى "إيموجي"، ويتم تداولها بكثرة كتعبير عن مشاعر معينة، منها الوجه الضاحك، أو الغاضب، وأكثرها الوجه الذي يرسل قبلة مع قلب، أو شارة التأكيد المشتقة عن خاصية الإعجاب في "فيسبوك"، ناهيك عن قصص الملصقات، ولا أعرف ماذا أيضًا يوجد من ابتكارات مماثلة.

خلال الآونة الأخيرة تكاثرت القطع الصحفية التي تشرح طرق استخدام الإيموجي، ومعنى كل سبب للوجه المرسل، وأنه يعكس تمامًا ما يشعر به، لتجعل من المستخدم كما لو أنه غير عارف تبعيات استخدامها، والتي أجدها عملية إقناع حتى يتبدل الشعور الإنساني بالشعور التكنولوجي، أو يتحول الإنسان إلى إيموجي خالٍ من المشاعر والأحاسيس، عندما كنتُ صغيرًا تخيلت نفسي "بوكيمون"، لكن لم يصل بي المطاف أن أتصور نفسي أشبه اكتشافًا بحجم الإيموجي أبدًا، إلا أن ذلك لا يعني إعجابي بالاسم الذي اعتمد في مجاميع وسائل التواصل.

لم تعد هناك رسائل تصف الشعور الحقيقي، أو تترك فرصة للتخيل، تلك التي كانت ترافق الرسائل قبل استلامها، ويملئها الانتظار والشوق

حاليًا لا أظن أن هناك من يتعامل حتى اليوم بالمراسلات الورقية، حتى الكتب أصبح منها نسخ إلكترونية. وبالتالي لم تعد هناك رسائل تصف الشعور الحقيقي، أو تترك لك فرصة للتخيّل، تلك التي فعلًا كانت ترافق الرسائل قبل استلامها، ويملئها الانتظار والشوق. قضت وسائل التواصل الجديدة على جميع المسافات، لكنها في المقابل صارت كما لو أنها تريد قتلنا ببطء شديد، ولن أكون رومانسيًا لأتغزل بالمراسلات الورقية أكثر من اللازم، لأن المشكلة ليست في وسائل التواصل بعد أن أثبتت فائدتها، العقبة الشخصية بالنسبة لي في الإيموجي تحديدًا.

اقرأ/ي أيضًا: أطول رحلة في التاريخ

عندما بحثت عن أصول الإيموجي، وجدت أكثر من مصدر مطابق غالبًا اعتمد على ما جاء في النسخة العربية لمحرك البحث "ويكيبيديا"، والذي يقول: "تم إنشاء الرموز التعبيرية الأولي في 1998 أو 1999 بواسطة (الياباني) شيجتاكا كوريتا"، وأن "أصل الكلمة هو نحت من كلمتي e والتي تعني صورة، وmoji التي تعني حرف أو رمز"، واختيرت ككلمة للعام الفائت في قاموس "أوكسفورد" الإنكليزي.

هذا عن المنشأ والكلمة، لكن ماذا عن التفاصيل التي ملأت حياتنا بالمشاعر المغلفة، أتخيل كيف تتم سرقة أحاسيسنا من دون أن نشعر بذلك، لا أستطيع أن أتكهن مدى الرموز التي أصبحت تعكس شخصيتنا عند الآخر، هكذا صارت مشاعرنا مجرد وجوه صفراء، و"إيموجيات كيوت"، صرنا نتشابه جميعنا في طريقة الضحك، واختفت غمازات الابتسامات الجميلة من على كوكب الأرض، لكن لدي أمل أن أجدها في أحد الكواكب السبعة التي اكتشفتها "ناسا" بعد 40 سنة ضوئية.

قبل أيام كنتُ أكتب رسالة أريد أن اختمها بإيموجي لوجه مبتسم، ببساطة ذهبت للبحث عن معاني الوجوه المبتسمة كل على حدا في المواقع الإلكترونية، أمضيت وقتًا طويلًا أحاول معرفة الفارق بين جميع الإيموجيات المبتسمة بأسنان أو دونها، كان عندي شك أنني استخدم الإيموجي الخطأ، في النهاية استسلمت للأمر الواقع مرسلًا إيموجي الابتسامة الاعتيادي، وحتى الآن أصر على أن الابتسامة التي أرسلتها كانت أصدق من الإيموجي المرسل، فعليًا منذ تلك اللحظة ساءت علاقتي الافتراضية مع الإيموجي والملصقات، إلا في حال حصلت على دورة تدريبية من إحدى المنظمات غير الحكومية تعلمني ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: صديقي المجنون

ربما الخروج إلى دول الشتات بأجمعها فرض علينا استخدام كافة وسائل التواصل للحديث مع الأصدقاء، لكن هذه النعمة أصبحت مرهقة، بالنسبة لي على الأقل، والسيطرة المطلقة على عدم التواصل مع أحد عبر الفضاء الافتراضي كانت فرصة لقتل المشاعر الإلكترونية، وعصر الإنسان الآلة، أتخيل أننا أصبحنا ملكًا لمختبر تجارب يمارس تطبيق اكتشافاته التكنولوجية علينا، وتوجيهنا بأجهزة تحكم عن بعد حسب أبحاثه، واقناعنا أنها الهيمنة العالمية الجديدة لكن بطريقة مهذبة لا يسودها العنف.

أتخيل أننا أصبحنا ملكًا لمختبر تجارب يمارس تطبيق اكتشافاته التكنولوجية علينا، وتوجيهنا بأجهزة تحكم عن بعد حسب أبحاثه

يمكنني هنا أن اقتبس عما نقل الكاتبان، برادن اللنبي، ودانيال سارويتز،  في مؤلفهما "حالة الإنسان الآلة" مما جاء في تعريف "الجمعية العالمية لما فوق الأنسنة" عن نفسها، بقولها إنه "سوف تتغير الإنسانية جذريًا بالتكنولوجيا في المستقبل، نحن نستشرف إمكان إعادة تصميم حالة الإنسان، بما في ذلك موسطات متغيرة مثل: استحالة تجنب الهرم، والقيود على القدرات الفكرية الإنسانية أو المصطنعة، والحالات النفسية غير المختارة، والمعاناة، وانحباسنا في كوكب الأرض"، الطريف في الأمر أن الذي يحبسنا على هذا الكوكب أشياء ابتكرتها التكنولوجيا.

الآن يجتاح وسائل التواصل إلى جانب الإيموجي، موقع "صراحة"، صرعة جديدة لزمن قادم. يكفي أن تنشأ حسابًا حتى تأتيك الرسائل التي تريد أن تصارحك بمشاعرها اتجاهك، من دون أن تعرف المرسل، لم أستطيع تخمين السبب الحقيقي لهذه "الصراحة" غير المجدية، اختبرت الموقع بإنشاء حساب لمعرفة آلية عمله دون أن أنشره. كل ما عليك فعله فقط الدخول لتخبر الآخر بمشاعرك الحقيقة سرًا، لكن ذلك لن يمنع صراحتك من تذييل رسالتك بإيموجي قد يكون مناسبًا للكشف عن شخصيتك.

اقرأ/ي أيضًا:
عزاء لفرويد
مذكّرات قبل الانتحار