21-يوليو-2022
غابة ميغارا بالقرب من أثينا

(Getty) حريق في غابة ميغارا بالقرب من أثينا

نحن من أحرق الغابات. نحن من لوّث البحار. نحن من قلّص مساحة الغابات. نحن من أذاب الجليد في القطبين.

أسأنا إلى كلّ حياة على هذه الأرض. كلّ ما صنعناه موت. والعجيب أنّ لدينا قدرة هائلة على تجاهل ذلك، وعدم الشعور بأي ذنب. لم نكن يومًا في وارد مراجعة أنفسنا لأننا نشعر أنه يحق لنا أن نفعل ذلك، في الوقت نفسه نرفض أن نعطي هذا الحق لأحد آخر، فلا النحلة يحقّ لها أن تلسع، ولا أشواك النباتات يجوز لها أن تخز. أما نحن فنبيح لأنفسنا فعل كل الأشياء التي يغدو من المخجل بعدها أن نأتي على ذكر اللسعة والوخزة!

صار أكثر من 70 % من أعداد الطيور على سطح الكوكب طيورًا مستأنسة، والأغلبية الساحقة من هذه الطيور هي الدجاج

يقول صانع الوثائقيات الطبيعية البريطاني ديفيد أتينبارا في أحد أفلامه كلامًا يختصر الجريمة كلها: "صارت بصمتنا الآن عالمية بحق. صار تأثيرنا الآن عميقًا بحق. إن اعتداءنا الأعمى على الكوكب تسبّب أخيرًا في تغيير أساسات عالم الأحياء. مارسنا الصيد الجائر وأوصلنا 30% من المخزون السمكيّ إلى مستويات حرجة. نقطع أكثر من 15 مليار شجرة سنويًا. من خلال وضع السدود وتلويث الأنهار والبحيرات والإفراط في استغلالها تسببننا في خفض أعداد كائنات المياه العذبة بأكثر من 80 %. بدلنا الطبيعة البرية بطبيعة مدجنة. أصبح نصف مساحات الأراضي الخصبة مزارع الآن. صار أكثر من 70 % من أعداد الطيور على سطح الكوكب طيورًا مستأنسة، والأغلبية الساحقة من هذه الطيور هي الدجاج. قضينا على حجم وزن الثدييات على سطح الكوكب. بالإضافة إلى أن 60 % منها حيوانات نربيها لنأكلها، والباقي من الفئران إلى الحيتان تشكل نسبة 4 % وحسب. هذا هو كوكبنا الآن. يديره البشر لأجل البشر. لم يتبق الكثير لبقية عالم الأحياء".

عندما يكتمل تدمير هذا العالم فإن الدمار لن يحيق بالطبيعة وحدها، بل بالإبداعات الإنسانية الرائعة، من فنون وآداب. سوف تُوأد كل الكتب والمشيدات والأفكار. وسوف تُباد كل الإضافات الحسّاسة التي تعلّمناها من أمنا الطبيعة. كل ذلك لينال أحد الجشعين لقب "أغنى رجل في العالم"، ومن أجل أن يظل لوبي السيارات، أو لوبي اللحوم، في إحدى الدول المهيمنة، يصنع السياسة وينصّب السياسيين، غير مبال أبدًا بأن الحياة الكبرى من إبداع أجساد الحشرات ومناقير الطيور وأصابع القردة، وهي تنقل الطلع والحبوب من زهرة الى أخرى، ولا شأن لإيلون ماسك أو جوزيف بيزوس بأي سببٍ من أسبابها.

كلنا يعرف خطورة ما يجري. فمنذ تسعينيات القرن الماضي وأصوات العلماء تحذّرنا من هذا المسار، وها نحن نعيش الآن السيناريو المتوقّع، لكن الغريب أننا لا نزال نقصر مفهوم الحياة على البشر، على الرغم من امتلاء عيوننا بمشاهد الغيوم والأشجار، وانتعاش وجوهنا من النسائم. ولأن معادلة زماننا هي "حياة = إنسان" فهذا بالضبط أساس السقوط.

المأساة الكبرى أن الذين دمّروا المناخ لن يكونوا موجودين على قيد الحياة حين تبدأ الانهيارات الكبيرة، ومن يدفع الثمن سيكون جيل آخر

 

من العادل جدًا أن يُنزل بنا هذا الكوكب أسوأ أنواع العقاب، وأن يجعل من حياتنا مهدّدة بالانقراض، فالأذى الذي أنزلناه به وبكائناته لا يُحدّ ولا يُحصر برقم، والأسوأ من ذلك أن المؤرخين، جميع المؤرخين، حينما يتحدثون عن جرائم بني البشر الكبرى: إبادة الشعوب الأصلانية، والعبودية، والمحرقة النازية.. لا يذكرون في رأس هذه الفظائع العنف الهائل الذي صببناه بحقد وكراهية على جسم الكوكب الذي يؤوينا ويطعمنا ويسقينا.

المأساة الكبرى أن الذين دمّروا المناخ لن يكونوا موجودين على قيد الحياة حين تبدأ الانهيارات الكبيرة، ومن يدفع الثمن سيكون جيل آخر، وقبل ذلك ستكون بلدانهم الغنية والقوية جاهزة لحمايتهم بالتصدي لأزمات المناخ والجوع ونقصان الماء، بينما البلدان الفقيرة والضعيفة، التي لا يد لها في كل ذلك، ستتعذّب ساعةً تلو ساعة، ويومًا تلو آخر، حتى يحين موعد القيامة.