11-ديسمبر-2020

من اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر 1988 (أ.ف.ب)

في كل مرة يتأزم فيها الوضع الفلسطيني ويصل إلى مرحلة الانسداد، يأتينا من حيث لا نحتسب مسؤول فلسطيني ليتحدث عن ضرورة إصلاح منظمة التحرير وتجديد هيئتها القيادية، إذ أصبح المشهد مربكا ومعتما بعض الشيء، هل دعوات الإصلاح هذه ناتجة عن رفض لمواقف معينة، ومحاولة لتصحيح خطأ أو مسار ما، أم أنها مجرد حديث تكتيكي تحركه المصالح والمطامح الشخصية؟

هل مسألة الإصلاح وتجديد القيادة الفلسطينية، التي شتتها الانقسام، ورقة للمساومة في التجاذبات السياسية الداخلية؟

طالعتنا مؤخرًا وسائل إعلامية ومواقع إخبارية بخبر استقالة الدكتورة حنان عشراوي من عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي معرض توضيحها لحيثيات بيان الاستقالة نقرا ما يلي: "لقد حان الوقت لإجراء الإصلاحات المطلوبة وتفعيل منظمة التحرير، وإعادة الاعتبار لصلاحياتها ومهامها، واحترام تفويض اللجنة التنفيذية التي تعاني من التهميش وعدم المشاركة في اتخاذ القرارات، ولا بد من تداول السلطة ديمقراطيًا عن طريق الانتخابات، فالنظام السياسي الفلسطيني بحاجة إلى تجديد مكوناته ومشاركة الشباب، نساءً ورجالًا، والكفاءات في كل مواقع صنع القرار، والأمانة تتطلب أن يتحمل كل شخص مسؤولياته/ها ويقوم بمهامه/ها على أكمل وجه وبكل إخلاص وأمانة بما في ذلك اتاحة المجال للتغيير المنشود".

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة فلسطين: فلسطين.. أربعة آلاف عام في التاريخ (1 من 5)

لعل السؤال الأبرز الذي يتبادر للذهن وسط هذه الدهشة، هل كانت حنان عشراوي، الأكاديمية المرموقة والمعروف عنها كفاءتها العلمية والإطار القيادي البارز، مغيبة عن الهيئات القيادية لمنظمة التحرير أم ماذا؟ الكلام عن ضرورة تفعيل منظمة التحرير وإعادة الاعتبار لها وإشراك الشباب بمواقع صنع القرار لم يكن بالأمر الجلي والظاهر في فترة توليها منصب عضوية اللجنة التنفيذية. أعتقد أن ذاكرتنا لم توهن بعد وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن حالات عصية على الفهم والاستيعاب كهذه! هل نحن بالفعل أمام قيادات مفصولة تمامًا عن الواقع؟

ما تطرقت إليه الدكتورة حنان عشراوي كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إن افترضنا حسن النية، فهل كان هذا يتطلب ثلاثين سنة لتستوعب الدكتورة عشراوي الآن حقيقة أن منظمة التحرير تحتاج إلى إصلاح وتجديد؟

الأسئلة تتعدد وتدفع للغضب وتثير حالة من الاستهجان، هل مسألة الإصلاح وتجديد القيادة الفلسطينية التي شتتها الانقسام، بعد أن أغلقت اتفاقيات التسوية الموقعة الباب أمام قيام دولة فلسطينية ذات سيادة على الأرض الفلسطينية، وباتت بحكم الحصار الذي يدفع في اتجاه فصل القطاع عن الضفة الغربية، جغرافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، ورقة للمساومة في التجاذبات السياسية الداخلية؟

يتحدث كل قادة الفصائل ومسؤوليها وقيادات هيئات العمل الوطني عن ضرورة تجديد هيئات المنظمة وإدماج الشباب في العمل السياسي، في المقابل لا أحد منهم يبادر بتقديم أي شاب أو يدعمه ليتبوأ دورًا قياديًا بساحة العمل الوطني. مسؤول بتنظيم فلسطيني يتربع على الأمانة العامة منذ أكثر من خمسين سنة يتحدث بمناسبة وبغير مناسبة عن ضرورة الإصلاح وتجديد الهياكل القيادية، في حين هو غير مستعد للتنازل عن منصبه، وكأن التنظيم خلق معه وسيأخذه معه إلى القبر بعد عمر طويل.

مسؤول بتنظيم فلسطيني يتربع على الأمانة العامة منذ أكثر من خمسين سنة، وكأن التنظيم خلق معه وسيأخذه معه إلى القبر بعد عمر طويل!

باجتماع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالأمناء العاميين للفصائل الذي عقد بين بيروت ورام الله قبل ثلاثة أشهر، كان على جدول الأعمال بحث تداعيات صفقة القرن الأمريكية، وسياسات الضم الإسرائيلية، واتفاقات التطبيع مع إسرائيل الذي أعلنت عنه مؤخرًا عدد من الدول العربية، بالإضافة للبند الحاضر دائمًا ألا وهو إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وإصلاح منظمة التحرير. صف من الأمناء العاميين أغلبهم على عتبة الثمانين من العمر، منهم وجوه غير معروفة عند الشعب الفلسطيني، يتحدثون عن ضرورة إصلاح هياكل المنظمة وتجديدها وإشراك أكبر عدد من الفصائل بالقرارات المصيرية، لكن القاسم المشترك بين كل تلك الخطابات أن تمرير خطوات الإصلاح لا يكون إلا عن طريقهم!

اقرأ/ي أيضًا: القصص التي ترويها فلسطين

كان مشهدًا عبثيًا منفصلًا عن الواقع، وحديثًا إنشائيًا لم يأخذ التحديات على محمل الجد، هل هذا هو ما يدفع بالوضع للتغيير؟ ما كنا نشاهده هو حالة تفرد بالقيادة الفلسطينية بشقيها السلطوي والمعارض مع عدم مبالاة لما يحدث، هل نملك ترف إضاعة الوقت لمواجهة الاستحقاقات والتغيرات على الساحة العربية والدولية؟

ضرب هذا التفرد بالقرارات والسكوت والصمت طيلة السنوات الماضية عن تعطيل عمل المؤسسات الوطنية بالصورة الفلسطينية بشكل بالغ ومؤثر على الصعيد الدولي، وخلق حالة سلبية في التعاطي معها على الصعيد العربي كذلك.

يتطلب الأمر وقفة تاريخية أمام الذات، الوضع الدولي تغير ودائرة الحلفاء حوصرت وتقلصت ولم تعد مثل قبل، المحيط العربي يهرول بعقد اتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي، التعاطي الهزيل والارتجالي دفع الأمور صوب طريق مسدود، إذ أصبح إصلاح الحركة الوطنية الفلسطينية ضرورة ملحة يتجاوز الخطاب النظري لإنجاز التحول الديمقراطي الذي يمنح الأمل للشعب المنهك، والمحاصر بالداخل والشتات لإعادة صياغة تحالف عربي ودولي لمواجهة التحديات وخريطة التحالفات السياسية الجديدة بالمنطقة، تلك المهام لا يمكن لها أن تأخذ طريقها على أرض الواقع بنفس الأدوات التي أوصلتنا للانسداد الذي نمر به، لا السياسات القديمة المتبعة ولا الخيارات الأحادية ولا الخطاب البعيد عن الواقع، من يعيد بعث الروح بالواقع الفلسطيني ويخلق قيادة متجددة تعيد بعث الحلم الفلسطيني؟.

كم نحتاج أن نشد أيادي بعضنا البعض ونتحلى بروح المبادرة للدفع بالتغيير، حتى لا يقال عنا مستقبلًا: "لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟"

لكن ما يبعث على الأمل هي الدعوات ومبادرات التي ظهرت للعلن يتقدمها شباب من الداخل الفلسطيني والشتات، تجاوزت الحديث النظري عن موضوع الإصلاح ودور الشباب بأطر المنظمة إلى العمل على أرض الواقع من خلال الحث والدعوة لعقد مؤتمرات وطنية جامعة، تعيد الاعتبار للثوابت الوطنية الفلسطينية، وتجدد صوغ وبناء تحالفات على أسس ثوابت حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، تلك الخطوات لن تجد لها مساحة للتنفيذ ما لم يتم تأسيس البديل، المبني على الإيمان الحقيقي في التغيير، التاريخ إذًا يكرر نفسه، ولنتذكر أن القيادات التي واكبت الثورة وتبوأت مواقع قيادية كانت في العشرينات وأخذت زمام المبادرة بعد أن أيقنت أن الاعتماد على النفس هو طريق التحرير بعد التجارب المريرة التي رافقت النكبة فخطت مسيرة ثورة حفظت للأجيال اللاحقة.

اقرأ/ي أيضًا: صفر الزمن الفلسطيني

كم نحتاج أن نشد أيادي بعضنا البعض ونتحلى بروح المبادرة للدفع بالتغيير لتجاوز هذا العجز والعطب الحاصل، ووضع حد فاصل لهذا الانحدار حتى لا يقال عنا مستقبلًا: "لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟".

 

اقرأ/ي أيضًا:

في معنى أن النكبة ليست حدثًا