14-يناير-2024
غرافيتي في ولاية سيدي بوزيد وسط تونس

غرافيتي في ولاية سيدي بوزيد وسط تونس ( ANIS MILI/AFP)

يصادف اليوم الأحد، الذكرى الثالثة عشرة لانتصار أول ثورات الربيع العربي في تونس. ذكرى لا تتزامن فقط مع خفوت الديمقراطية وازدهار الأصوات المناهضة لها على طول الوطن العربي، والتضييق على أبسط الحريات، وعودة زمن الانتخابات الشكلية، ولكنها تتزامن أيضًا مع مرور مئة يوم على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في قطاع غزة والضفة الغربية. وأمام العجز العربي في وجه واحدة من أبشع مجازر العصر الحديث، وانفصال الرسميات العربية عن تطلعات الناس، غضبهم، وشعورهم بالعجز؛ تعود صرخات الربيع العربي الأولى طازجة، وتتجلى وجاهتها ربما كما لم تتجل من قبل.

أمام العجز العربي في وجه المجزرة الإسرائيلية وانفصال الرسميات العربية عن تطلعات الناس، تعود صرخات الربيع العربي الأولى طازجة، وتتجلى وجاهتها كما لم تتجل من قبل

تُظهر نتائج المؤشر العربي الذي أصدره "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وهو أكبر استطلاع رأي عربي، أن الغالبية العظمى من سكان المنطقة العربية تأثروا بشكل مباشر بما يحدث في فلسطين، يعتبرون ما يحدث قضيتهم الخاصة، وتؤثر الجرائم على صحتهم النفسية، وهم قادرون على تشخيص ما جرى وفهم السياقات الأوسع له رغم التضليل الإعلامي المستمر. مع ذلك، لم تنعكس هذه الإرادة الشعبية العارمة التي يتزايد انحيازها مع فلسطين كقضية عادلة، في موقف الأنظمة التي اكتفت رغم فداحة الجريمة بتحركات أولية، هذا إن تحركت أصلًا.

امتلأت وتمتلئ شوارع المدن الغربية بالمتظاهرين؛ احتجاجات في كل مكان، انسحابات، استقالات، ضغوط على الممثلين والسياسيين والنواب في البرلمانات، أما شوارع المدن العربية فلم تشهد أي تحركات منظمة أو مستدامة، ربما لشعور بالعجز، ربما إقرارًا بعبث الضغط الشعبي على أنظمة لا تعطي هذا الضغط أهمية كبيرة، وربما لأن الأثمان الكبيرة التي دفعها الناس لم تؤد إلى عدالة أو حرية أو ديمقراطية في نهاية المطاف. لكن الأكيد أنه، وفي أكثر من عقد من الثورة المضادة، سلبت الأنظمة من الناس الفضاء العام، فككت برلمانات، اختفت الساحات العامة، وصار التجمع شبهة. أما الهامش المحدود الذي كان يمتلكه الناس عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فطمرته أجهزة المخابرات وتقنيات الذباب الإلكتروني وعنصرية الخوارزميات.

بعد مئة يوم من المجزرة، يبدو الربيع العربي ذكرى بعيدة من زمن غير هذا الزمن، ذكرى تلاحقها أجهزة المخابرات ويطاردها بانتظام رجال الشرطة، لكن الأصوات المخنوقة من أجل فلسطين، والفجوة الهائلة بين ما يريده جموع الناس وبين ما تفعله السلطات على الأرض، هما دليل من يحتاج إلى دليل على أن الحل هو دائمًا في أن يجد صوت الشارع طريقًا إلى القرار.

 في الذكرى الثالثة عشرة لانتصار أول ثورات الربيع العربي، نستطيع أن نتذكر على الأقل، والتذكر في زمن النسيان الإجباري يصبح مقاومة، أن 2011 كانت سنة سوداء على إسرائيل

 في الذكرى الثالثة عشرة لانتصار أول ثورات الربيع العربي، نستطيع أن نتذكر على الأقل، والتذكر في زمن النسيان الإجباري يصبح مقاومة، أن 2011 كانت سنة سوداء على إسرائيل. ويمكن أن نتأمل ولو قليلًا، أن ما يحدث في فلسطين اليوم يحدث في واقع تعبر فيه الأنظمة العربية عن تطلعات الناس وتمثل انحيازاتهم العادلة. في واقع من البطش المركب والتقاطعات الكثيرة بين الاستبداد والاستعمار ومقاومتهما، فإن التأمل فيما كان يمكن أن يكون، هو مقاومة أيضًا.