29-سبتمبر-2020

عمل رقمي لـ مصطفى يعقوب/ سوريا

كنت طالبًا جامعيًا حين قام النظام السوري، كعادته، باعتقال عدد من الشباب لأسباب  سياسية، وكنت من بينهم. معاملة عناصر وضباط المخابرات في الفرع الذي اقتادونا إليه لي وللمعتقلين الآخرين، وأصوات التعذيب التي كانت تنتشر في أرجاء القبو الذي يحتوي على الزنازين والمهاجع التي تم حشر المعتقلين فيها، والتي كانت تصل حادة إلى زنزانتي، وآثار الدم في غرف التحقيق التي جرّونا إليها، وغير ذلك مما بات معروفًا ومنتشرًا عن سجون النظام السوري ومعتقلاته، تكشف عن ضرورة تفكيك مفهوم "المعارضة"، وكيف يمكن أن تكون "معارضًا" لأنظمة استبدادية، كالأنظمة العربية، وبصفة خاصة لنظام شمولي متوحش كالنظام السوري!    

لا يقف حائلًا بين المعارض في الأنظمة الديمقراطية وبين آرائه سوى الدستور والقوانين التي تسري على الجميع

اعتياديًا، ومنذ ما قبل ثورات الربيع العربي وحتى الآن، نطلق صفة "معارض" على كل شخص أو تيار أو حزب يتخذ مواقف مناهضة لأنظمة الاستبداد بكل درجات المناهضة تلك. لكن هذا التعبير يحمل مغالطة من نوع ما: إذ إن المعارضة تتشكل وتمارس دورها المنوط بها في ظل أنظمة ديمقراطية تسمح بوجودها، بل إن هذه الأنظمة لا تقوم دون وجود معارضين ينتقدون أداء الحكومة ويتنافسون معها ومع الأحزاب والتيارات والاتجاهات الأخرى بغية الوصول، غالبًا، إلى السلطة السياسية لتنفيذ مشروعهم، وهم بهذا يضعون مصداقيتهم وإمكانياتهم في قيادة الدولة ومؤسساتها على المحك مباشرة. تراهن المعارضة في ذلك على شعبيتها: فإما أن تفقدها أو تكسب المزيد من المؤيدين لها حسب الحال، وحسب أدائها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغير ذلك..

اقرأ/ي أيضًا:  بشار الأسد.. استحالة السياسة

في الأنظمة الديمقراطية لا وجود للقائد الملهم الذي يسخّر الناس لتمجيده، ولا وجود لأجهزة مخابرات تكمّم الأفواه تحت طائلة التشريد والسجن والتعذيب والموت، وكل تلك الممارسات التي نعرفها جميعًا كشعوب في المنطقة، عبر معايشتنا القسرية لأنظمتنا منذ استيلائها على السلطة الذي قارب في بعض البلدان نصف قرن كسوريا.

المعارض يستطيع التعبير عن آرائه، كفرد، بكل الوسائل والطرق التي تتيحها الأنظمة الديموقراطية، كما يستطيع تشكيل أحزاب والدخول إلى البرلمان والاشتراك في الحكومة عبر نسب التصويت. ويستطيع، بل يحق له، أن يؤسس وسيلة إعلامية للتعبير عن آرائه، وطرح مشاريعه وتبيان ما هي الأسس التي يستند عليها في معارضة الحكومة أو مشروع ما من مشاريعها. وأحيانًا يتوجب عليه ذلك، إن لم يكن في وسيلة خاصة به، فبالوسائل التي توفرها الحكومة وفعاليات المجتمع المدني وقطاعات رؤوس الأموال.

لا يقف حائلًا بين المعارض في الأنظمة الديمقراطية وبين آرائه سوى الدستور والقوانين التي تسري على الجميع، دون تمييز من أي نوع كان. فالديمقراطية، في أحد معانيها القوية والثابتة، هي المساواة أمام القانون.

المعارض يستطيع الخروج مع مؤيديه ومن يريد من الناس في مظاهرة ضد الحكومة وتكون هذه المظاهرة مكفولة ومحمية من الحكومة نفسها، وفي أي مكان وأي زمان، في الشوارع والساحات، ومن الجوامع والكنائس وأماكن اللهو...

هذه بعض "الصفات" التي إن انطبقت على شخص، أو حزب، أو تيار، أو جماعة... كان لهم أن يكونوا معارضين. فأيها تنطبق على العرب وباقي شعوب المنطقة والسوريين؟ ولا واحدة!

عندما يخرج الناس بمظاهرة سلمية ويلاقيهم النظام بالسلاح فإن هذا يعني أنه يراهم أعداء

عندما يتم سجن شخص ما ليوم أو لسنوات بتهمة أن لديه رأيًا مخالفًا لرأي الحكومة، وعندما يتم ذلك بقوة القمع والبطش والمخابرات، فإن ذلك يعني أن تلك الأنظمة لا ترى إلى "معارضيها" على أنهم خصوم سياسيون، بل أعداء. وعندما يتم التنكيل بالأحزاب التي تنتقد أداء الحكومة والنظام وتتم ملاحقة أعضائها ومقراتها ووسائل إعلامها فإن هذه الأحزاب لم تعد معارضة إنما معادية. وما يضيف على ذلك كله بعدًا دراماتيكيًا أن ذلك كله يتم بناء على أمر مخابراتي وليس على أمر قانوني.

اقرأ/ي أيضًا: حكومات الأسد التي تفشل دومًا

وعندما يكون حديث الناس همسًا لأن "الحيطان إلها أذان"، وبالتالي فهي تسمع الحديث الذي يعرف الناس أن عواقبه وخيمة للغاية، قد تكون الموت تحت التعذيب، ذلك يعني أن الناس ليسوا معارضين، بل إنهم أعداء الحاكم والحكومة والنظام.

وعندما يخرج الناس بمظاهرة سلمية يهتفون للوطن وللحرية، فيلاقيهم النظام بالسلاح الحي وبالموت، أو بالاعتقال والمطاردة، أو بذلك كله، فإن هذه ليس مظاهرة معارضة، بل مظاهرة أعداء... وهكذا... إذًا، فإن الأمر الذي يستقيم مع هذه الحالة، هي الكف عن تسمية من هم ضد النظام بـ"معارضين"... الحالة الصحيحة، هنا، هي أن النظام يعاملهم كأعداء له. حيث لا صفة من الصفات التي تجعل الواحد معارضًا، متوفرة في الحالة العربية، السورية خاصة منذ استلام هذا النظام الحكم، ومنذ أن اعتبر السوريين أعداءه.

ثمة فرق كبير إذًا بين أن تكون معارضًا لنظام، وبين أن يعتبرك عدوًا له.

الآن، وبعد أن حل بالسوريين ما حل، كيف يمكن للسوري أن يعتبر نفسه معارضًا للنظام؟ الأجدر أن يعتبر نفسه معاديًا له.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الوباء أداةً في يد الأسد

مرض القصر الجمهوري