04-مارس-2017

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو (Getty)

يبدو أن العالم بات مغرمًا بتتبّع خرجات وتغريدات السّيد الجديد للبيت الأبيض، والتفاعل معها كما يتفاعل الأطفال مع ألعاب الفيديو، فيما يتعلق بقضايا كثيرة تعني الداخل والخارج الأمريكي، لكنه يغرق في صمت مشبوه فيما يتعلق بتلك التي تعني الشأن الفلسطيني، وكأنه يُعطي إشارةً على أنه مستعد مسبقًا لأن يقبل كلّ المفاجآت في هذا الباب.

من ذلك أن مبعوثة الولايات المتحدة الأمريكية إلى مجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة قالت أمام أعضاء المجلس إن بلادها سوف تعارض كل محاولة لنزع الشرعية عن إسرائيل أو إدانتها عن أيّ فعل تقوم به في إطار مسعاها إلى حماية نفسها من "الإرهاب الفلسطيني"، ولم تتوقف عند هذا الحد، بل راحت تعاتب المجلس على ما أسمته بهوسه بملاحقة إسرائيل.

هل يحقّ لواشنطن، بعد مناصرة تل أبيب، أن تلوم موسكو على مناصرتها لنظام دمشق، الذي يقوم بانتهاكات شبيهة لما تقوم به إسرائيل!

صحيح أن كثيرًا من الوعود التي قطعها ترامب في حملته الانتخابية، فيما يتعلق بسياسته الخارجية، لم يُطبّق بعد وسوف لن يطبق، بعد أن وُضعت أمامه المعطيات الموضوعية المختلفة، من طرف المخابر الأمريكية المختلفة، وييدو أن تلك الوعود المتعلقة بالشأن الفلسطيني، ما ظهر منها وما بطن، سوف تكون الاسثناء فتطبق بحذافيرها، لأن الوقائع على الأرض تقول إن فلسطين لا بواكي لها، وإن تل أبيب التي انتظرت عودة الجمهوريين سنوات طويلة، سوف لن تضيع الفرصة للانتقام بالضغط على واشنطن لتزكية ذلك.

هنا تطرح هذه الأسئلة نفسها: ما معنى أن يفتتح ترامب عهدته الأولى بالانحياز السّافر إلى إسرائيل من غير أي شرط، رغم تأكيد دراسات كثيرة أن نسبة كبيرة من العوامل المؤدية إلى استفحال ظاهرة الإرهاب في العالم، تتعلق بالتعسفات الإسرائيلية في حق الإنسان والمكان في فلسطين؟ فهل يُعقل أن يُحارب الإرهابَ من هو صادق في ذلك بتأجيج مسبّباته؟

اقرأ/ي أيضًا: كيف فشلت الـ "CIA" في تحذير إسرائيل من 6 أكتوبر؟

هل يحقّ لواشنطن، بعد هذه المناصرة المطلقة لتل أبيب، رغم انتهاكاتها السّافرة لحقوق الإنسان ومنها الحق في الحياة، أن تلوم موسكو على مناصرتها لنظام دمشق، رغم قيامه بالانتهاكات نفسها؟ أم أن هناك اتفاقًا غير معلن بين الطرفين يقضي بأن يغضّ كلَ واحد منهما الطرْف عن الآخر، ليكون الشعبان الفلسطيني والسّوري الضحيتين الوحيدتين؟

ولئن بات مفهومًا لماذا وقفت موسكو هذه الوقفة الصّلبة مع بشار الأسد، على مدار خمسة أعوام، إذ يكفي الإلمام بالثمار الاقتصادية والأمنية التي ستجنيها في المستقبل القريب، إن هي استطاعت أن تفرض تفوقه في الميدان نهائيًا، فليس مفهومًا أن تقف أمريكا مع إسرائيل على مدار سبعة عقود، من غير أن يتزحزح موقفها، وهي التي لم تجن من ذلك إلا الخسارات المادية والمعنوية.

لماذا لا ترفع تل أبيب وواشنطن الحرج عن نفسيهما، بإعلان الاتحاد. فتصبح إحداهما تابعة للأخرى؟ كأن تصبح تل أبيب ولايةً أمريكية

لقد صرفت الأموال وخاضت الحروب وزرعت القواعد العسكرية في مفاصل العالم، بحجّة حماية الأمن القومي الأمريكي، لكن الوقائع كلها تؤكد أن ذلك كان من أجل الأمن القومي الإسرائيلي بالدرجة الأولى، وأنها ما كانت ملزمةً بأن تفعل عشر ذلك، لو أنها كانت متزنة في التعامل مع الملف الفلسطيني، وحملت الطرف الإسرائيلي على أن يخضع للحلول التي أقرّها المجتمع الدولي.

إن وجوهًا كثيرة في الداخل الأمريكي أدركت مبكرًا حجم الخسارات التي تتكبّدها بلادها، بسبب هذا الانحياز المنافي للمنطق، لكنها بقيت معزولةً وغير مؤثرة، بسبب جملة من الميكانيزمات التي رسخها اللوبي الإسرائيلي داخل النسيج السياسي والاقتصادي والإعلامي الأمريكي، وهو بهذا لا يحتل فلسطين فقط في الحقيقة، بل ويحتل أمريكا أيضًا.

من هنا، لماذا لا ترفع تل أبيب وواشنطن الحرج عن نفسيهما، بإعلان الاتحاد بينهما، فتصبح إحداهما تابعة للأخرى؟ كأن تصبح تل أبيب ولايةً أمريكية؟

اقرأ/ي أيضًا:
السودان وإسرائيل.. المصالح المشتركة للأعداء
صفقة أسلحة تاريخية بين أمريكا وإسرائيل