08-سبتمبر-2016

عمر البشير (Getty)

تداول رواد بمواقع التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين، على نطاق واسع، الخبر الذي أوردته صحيفة "هآرتس" عن دعوة إسرائيل للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى تحسين علاقاتهما مع السودان.

لإسرائيل مصلحة في ضرب التغلغل الإيراني في أفريقيا، ووقف تسرب السلاح إلى الفلسطينيين من السودان، ولهذا تحاول تحسين علاقتها بالسودان

ووظف كثيرون الخبر لوصم الحكومة السودانية بتطابق مصالحها مع إسرائيل، إلى الحد الذي تدافع فيه الأخيرة عنها، مستدعين موقف السودان الأخير في القمة العربية بنواكشوط، حين رفض مشروعًا لإحالة مسؤولين إسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية، رغم تأكيده وقتها على دعمه للقضية الفلسطينية. إلى جانب الدعوة التي قدمها أحد الأحزاب في الحوار الوطني السوداني، بتطبيع العلاقة مع إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: كيف مولت "الأمم المتحدة" بشار الأسد

وكانت "هآرتس" نقلت عن مسؤولين إسرائيليين، أن السودان يتحرك نحو "المحور السني" الذي تقوده السعودية، في أعقاب قطع علاقاته مع إيران قبل عام، ومن ثم مشاركته في حرب اليمن. ويأتي تحسين العلاقات الأمريكية الأوروبية مع السودان، كنوع من الحافز الذي طُرح في المحادثات الإسرائيلية مع نائب وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية، توم شانون، في القدس الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى محادثات مماثلة أجرتها إسرائيل مع فرنسا وإيطاليا ودول أخرى في أوروبا.

وبحسب الصحيفة؛ فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية، ترى أن قطع الخرطوم لعلاقاتها مع طهران، أدى إلى تعليق توريد الأسلحة من السودان إلى قطاع غزة. وهو ما عده الإسرائيليون "خطوة إيجابية" طلبوا من المبعوث الأمريكي عدم تجاهلها، كما أوردت "هآرتس" أيضًا أن إسرائيل استخدمت علاقاتها الواسعة في أوروبا في الماضي، لمساعدة السودان في معالجة قضية ديونه الخارجية الكبيرة، البالغة 50 مليار دولار، إذ يرى الإسرائيليون أن انهيار الاقتصاد السوداني، سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في أفريقيا ومن ثم تعزيز مواقع الإرهابيين.

وأوردت صحيفة "اليوم التالي" السودانية، أمس الخميس؛ تصريحًا لمسؤول بالخارجية السودانية، قال فيه إن ما أوردته "هآرتس"هو"محاولة لاستباق التطورات الإيجابية بين السودان وأمريكا"، وإن "إسرائيل تحاول أن تكسب رصيدًا من ذلك"، وقال إن مفاوضاتهم مع أمريكا لا تحتاج وساطةً إسرائيلية، بل تتم مباشرة مع الجانب الأمريكي.

واستبعد المسؤول الذي أغفل اسمه، أن يكون ما ورد في صحيفة "هآرتس" بمثابة مبادرة إسرائيلية لتقريب وجهات النظر، وقال إن ما جاء فيها "يتضمن نقطة صحيحة واحدة" تتعلق بالأثر الذي قد يحدثه انهيار الاقتصاد السوداني على المنطقة.

يمثل الحصار الاقتصادي الأمريكي على السودان، المفتاح لفهم التحولات السياسية للحكومة السودانية، في محاولاتها المستميتة لفك الخناق عنها

اقرأ/ي أيضًا: مأزق الخليج في مصر

ويمثل الحصار الاقتصادي الأمريكي على السودان، المفتاح لفهم التحولات السياسية للحكومة السودانية، في محاولاتها المستميتة لفك الخناق عنها. ففي السنوات الأخيرة، بدأت سياسة الحصار المستمر منذ العام 1997؛ تؤتي أكلها، بعد سنوات من الاستهانة الرسمية بها، فنجد اليوم الحكومة السودانية على استعداد لفعل أي شيء بلا استثناء، في مقابل الوعد برفع الحصار، الذي صار على فم كل مسؤول، في أي تصريح له داخليًا أو خارجيًا، فالبلاد اليوم على شفا انهيار اقتصادي تام.

وفي سبيل التخلص من الحصار، شارك السودان في "عاصفة الحزم"، وقبلها بادر بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان، ومن ثم أعقب ذلك طرد السفير الإيراني من الخرطوم، وقام النظام السوداني كذلك بمحاربة قوافل تهريب السلاح إلى الفلسطينيين، وقبلها شارك الأمريكيين في الحرب على الإرهاب وسلمهم معلومات ومطلوبين، وأخيرًا وجه مليشياته لإيقاف عبور المهاجرين إلى أوروبا عبر الأراضي السودانية، وغيرها من الخطوات التي تهدف إلى إقناع الأمريكيين والأوروبيين بتعاون النظام معهم واستعداده للانخراط ضمن حلفائهم إن أعيد السودان إلى الحظيرة الدولية.

وبالعودة إلى الدعم الإسرائيلي لرفع الحصار عن السودان؛ فإن نظام البشير اليوم ليس في موقع يسمح له برفض وساطة كهذه، حال تأكد أنها ستدعم فرصه في الخروج من مأزقه الاقتصادي الحالي، إلا أن ثمة مأزق آخر يترتب على قبوله بهذه الوساطة إن حدثت، وهو أن الخطاب الرسمي لنظام البشير بُني على معاداة إسرائيل، كسبًا للرضا الشعبي الذي تحتل فيه القضية الفلسطينية الصدارة. لذا عمل متداولو الخبر على الإنترنت، لرسم صورة تضع النظام السوداني وإسرائيل على خط المصالح ذاته، بغرض إضعاف أي تأييد محتمل للنظام في الشارع السوداني.

لإسرائيل مصلحة في ضرب التغلغل الإيراني في أفريقيا والبحر الأحمر، ووقف تسرب السلاح إلى الفلسطينيين من السودان، وفي سبيل هذه المصلحة أقدمت على ضرب مواقع داخل العاصمة الخرطوم في 2012 وقبلها شنت غارات متعددة على قوافل تهريب السلاح في صحراء السودان الشرقية.

اليوم، من دون الحاجة إلى عمل عسكري، يقوم النظام السوداني بهذه المهمة، مبررًا لموقفه من إيران بدعم المصالح العربية، فيما يقول إنه يكافح تجارة البشر وموجات اللجوء إلى أوروبا عبر أراضيه؛ كغطاء لإغلاق الطرق التي تحمل السلاح شمالًا. هي إذن مصالح مشتركة بين كيانين يقولان إنهما عدوان.

اقرأ/ي أيضًا:

صفقة أسلحة تاريخية بين أمريكا وإسرائيل

رجل المخابرات الأمريكية الذي يسبب صداعًا لأمريكا