29-سبتمبر-2021

بورتريه لكامو

لا يغيب ألبير كامو كثيرًا عن عالمنا الراهن. كلما فعل سرعان ما يأتي كتاب أو مقال أو فيلم وثائقي ليعيده إلى دائرة الضوء.

في كتاب جديد بعنوان "ألبير كامو، العبثية ـ الوجودية ـ الانتحار"، (دار نينوى 2021، ترجمة وتقديم عقبة زيدان)، ثمة 27 كاتبًا يحتفون بكامو، يستذكرون كتبه وأفكاره ونشاطه السياسي ومساهماته الصحفية، وإذا كانت النصوص الكثيرة هنا قد اختلفت في زوايا الرؤية والتفاصيل المطروحة، فإنها اتفقت على أمر واحد: تمجيد "هذا المخلوق الرائع".

ماذا ستكون الحياة إذا كنت تعتقد أنها عبثية، وأنه لا يمكن أن يكون لها معنى؟ هذا هو بالضبط السؤال الذي يطرحه كامو

يكتب زيدان في تقديمه: "بصفته روائيًا وكاتبًا مسرحيًا وأخلاقيًا ومنظرًا سياسيًا، أصبح ألبير كامو بعد الحرب العالمية الثانية المتحدث باسم جيله ومرشد الجيل التالي، ليس فقط في فرنسا، وإنما أيضًا في أوروبا والعالم".

اقرأ/ي أيضًا: تُرجمَ قديمًا: ألبير كامو

وتكتب لورا ماغواير عن "أسطورة سيزيف"، كتاب كامو الأكثر شهرة، متسائلة: "ماذا ستكون الحياة إذا كنت تعتقد أنها عبثية، وأنه لا يمكن أن يكون لها معنى؟ هذا هو بالضبط السؤال الذي يطرحه كامو... يقول: هناك مشكلة فلسفية خطيرة واحدة فقط، وهي الانتحار. كان مسكونًا بهذا السؤال حول ما إذا كان الانتحار هو الرد عقلاني الوحيد على عبثية الحياة". وتقارن ماغواير بين كامو ونيتشه، فالحل الذي توصل إليه الكاتب الفرنسي مختلف تمامًا عن حل الفيلسوف الألماني، بل ربما يكون أكثر صدقًا، إن بطل كامو العبثي "لا يلجأ إلى أوهام الفن أو الدين. ومع ذلك فهو لا ييأس في وجه العبثية.. بل إنه يحتضن علنًا عبثية حالته"، سيزيف محكوم بأن يدفع صخرة إلى أعلى الجبل، وستعاود الصخرة الهبوط في كل مرة، ليعاود البطل الملعون دفعها مجددًا، هكذا إلى الأبد.. هو يدرك عبثية عمله هذا لكنه يستمر عن طيب خاطر بدفع الصخرة إلى أعلى.. "قد تتساءل كيف يمكن اعتبار ذلك حلًا. هذا ما اعتقده كامو في ذهنه. نحن بحاجة إلى مواجهة صادقة مع الحقيقة القاتمة، وفي الوقت نفسه، نتحدى رافضين السماح لهذه الحقيقة بتدمير الحياة. في نهاية الأسطورة، يقول كامو إنه يتعين علينا تخيل سيزيف سعيدًا".

ويختار آدم جونبيك زاوية طريفة، وربما مستهجنة، للنظر إلى كامو. يكتب: "كان الروائي والفيلسوف الفرنسي الجزائري ألبير كامو رجلًا ذا مظهر وسيم للغاية، حيث وقعت النساء في حبه بلا حول ولا قوة لهن.. قد يبدو هذا أمرًا تافهًا، إلا أنه دائمًا ما يكون أول ما يحدث، هو أن يتحدث الأشخاص الذين يعرفون كامو عن شكله".

قال كامو مرة إنه "إذا كان عليه أن يكتب كتابًا عن الأخلاق، فسيحتوي على ستمائة وتسعة وتسعين صفحة". في الصفحة الأخيرة سيكتب: "أنا أدرك واجبًا واحدًا فقط، وهو الحب". ويعلق جيمي لومباردي قائلًا: لكن كامو لم يخبرنا ما هو الحب، أو كيف نفهم واجبنا تجاهه. ويجيب هو: "ما كتبه (كامو) كان طريقة لفهم كفاحنا في عالم عبثي كعمل تمرد. وما هو الحب إن لم يكن فعل التمرد؟". نعيش جميعًا في ظل حقيقة مؤكدة قاتمة: إننا محكومون بالموت، فكيف تستقيم الحياة مع هذا الحكم الصارم؟ لم العناء إذًا؟ بل ولم الحياة نفسها؟. "الجواب عند كامو هو التمرد؛ في الفن؛ في الجمال؛ وفي الحب".

"ليست هناك شخصية تمثل الفكر في منتصف القرن العشرين أكثر من ألبير كامو".. هكذا كتب آدم سيتسر، معترفًا أنه في وقت ما من شبابه كان ينظر إلى كامو على أنه "فيلسوف الإحباط"، ولكن في وقت لاحق، "عندما أصبحت الحياة محبطة حقًا"، تغيرت زاوية الرؤية فصار ينظر إلى فيلسوف العبث "بإحساس من القرابة والفتنة". ويضيف: "ألبير كامو هو أحد الفلاسفة القريبين من قلبي، لأنه ساعدني على رؤية نفسي بشكل أكثر وضوحًا، وبالتالي ساعدني على الخروج من مكان مظلم للغاية".

"ليست هناك شخصية تمثل الفكر في منتصف القرن العشرين أكثر من ألبير كامو".. هكذا كتب آدم سيتسر

ولد ألبير كامو عام 1913، في الجزائر، لأم إسبانية مصابة بالصمم، وأب فرنسي قُتل بعد مولد ابنه بعام واحد في إحدى معارك الحرب العالمية الأولى. ورغم الفقر والظروف الصعبة تمكن كامو من إنهاء دراسته الثانوية والحصول على منحة لدراسة الفلسفة في جامعة الجزائر.

اقرأ/ي أيضًا: مقتل ألبير كامو.. سر المخابرات السوفييتية

رحل إلى فرنسا حيث انضم إلى المقاومة الفرنسية أثناء الاحتلال الألماني، وأصدر مع جان بول سارتر نشرة تنطق باسم المقاومة (Combat)، وقد صارت صحيفة يومية فيما بعد.

في عام 1935 انتمى إلى الحزب الشيوعي الفرنسي قبل أن يغادره في وقت لاحق، وإضافة إلى رواياته ومسرحياته، ألف كتبًا ومقالات فلسفية عديدة تمحورت حول مقولات الوجود والحب والموت والتمرد والمقاومة والحرية.. نال جائزة نوبل للأدب عام 1957 ليغدو ثاني أصغر من نالها من الأدباء. توفي يوم الرابع من كانون الثاني/يناير عام 1960 إثر حادث سيارة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

7 حقائق لا تعرفها عن ألبير كامو

ألبير كامو حول كورونا.. المعاناة عشوائية وذلك أبسط ما يمكن قوله