08-يوليو-2019

ألبير كامو (1913 - 1960)

تنويه: إن مجريات التحقيق والاستقصاءات التي أثيرت حول قضية كامو، حدثت خلال عامي 2010-2011، وإعادة طرحها اليوم إنما بسبب غيابها عن الساحة الثقافية العربية بالمجمل.


ألبير كامو المولود في 7 تشرين الأول/نوفمبر 1913، في الجزائر، هو ابن لفلاح فرنسي مهاجر مات في معركة المارن الأولى في 1941، وأم إسبانية أميّة.

استطاع كامو التغلب على الفقر المتأصل في عائلته، فور تخرجه من قسم الفلسفة بكلية الآداب في الجزائر، التي كانت تعد في ذلك الوقت واحدة من أعرق الجامعات الفرنسية. سرعان ما بدأ بالعمل الصحفي فارضًا نفسه ككاتب بارز، ليصبح بعد ذلك فيلسوف الوجودية الحديثة الأول.

استطاع كامو التغلب على الفقر المتأصل في عائلته، فور تخرجه من قسم الفلسفة بكلية الآداب في الجزائر

اقرأ/ي أيضًا: 7 حقائق لا تعرفها عن ألبير كامو

ضمن هذا الإطار، وعلى الرغم من أن كامو في سنة 1957 كان لا يزال شابًا، إلا أنه وبوساطة مجموعة تتألف من أربع روايات وسبع مقالات وأربع مسرحيات، فاز بجائزة نوبل للآداب. ذلك الحدث، بيّن أن حياته ستنطلق بالتأكيد، على الرغم من مشكلته الصحية التي كانت تعتبر فتاكة بالنسبة إلى طب ذلك الوقت. فقد كان مصابًا بمرض السل، وقد أجبره خلال شبابه على التوقف عن لعب كرة القدم، إلا أنه بالمقابل، ظل مدخنًا شرهًا، ما أبدى أن نهايته ستكون بسبب التدخين، لكن القدر كان لديه سيناريو مختلف، حيث قضى كامو في حادث سير، سنة 1960 أثناء عودته من بروفانس إلى باريس، في سيارة من نوع فيسيل فيغاFV3B  برفقة زوجته جانين ووالدها ميشيل غاليمارد وابنته آنّا.

في مساء يوم 3 كانون الثاني/يناير 1960، توقفت سيارة فيسل فيغا في سويسي (قرية بمقطاعة عين، في منطقة رون ألب في فرنسا)، الواقعة على بعد حوالي أربع ساعات من باريس. لقد كانت الرحلة طويلة، ومع بداية الغروب، قررت العائلة أن تتوقف أمام فندق "لو تشابون فن" لقضاء ليلتها، وهناك، احتفلت العائلة بميلاد ابنة كامو آنا جاليمارد التي كانت قد بلغت الثامنة عشرة من العمر في ذلك اليوم.

في صباح يوم 4 كانون الثاني/يناير 1960، وبعد تناول وجبة الإفطار، غادر الفندق كلٌّ من كامو وجانين وآنا وميشيل. كان في حوالي الساعة العاشرة صباحًا، وبينما تعبر سيارة فيسيل فيغا بلدية (فيليبيلفن: في بورغندي) الواقعة على بعد ساعة واحدة من باريس، فقد ميشيل غاليمارد سيطرته على القيادة فجأة، إذ كانت السرعة آنذاك قد بلغت حوالي 140 كيلومتر في الساعة، ما أدى إلى اصطدام السيارة بجذع أحد الأشجار المحيطة بالطريق.

على الرغم من أن كامو مات شابًا، إلا أنه وبوساطة مجموعة تتألف من أربع روايات وسبع مقالات وأربع مسرحيات، فاز بجائزة نوبل للآدب

مات ميشيل غاليمارد بعد بضعة أيام في المستشفى؛ بعكس كامو الذي مات لحظة سحبه من مقعد الراكب الأمامي، معانيًا من كسور في الجمجمة والعنق، أمّا جانين وآنا جاليمارد اللتان كانتا في المقاعد الخلفية فإصاباتهما لم تكن مميتة، ما أبقاهما على قيد الحياة، حسب مقابلة صحفية أجريت مع جانين جاليمارد بعد مرور سنة على الحادثة.

اقرأ/ي أيضًا: الجائزة الأدبية لرفض الجوائز الأدبية

أبلغ بعض شهود العيان بدورهم أن السيارة قد انزلقت فجأة، وحدها، ودون سبب، على امتداد الطريق المغطى بالجليد ولمسافة تسعة أمتار، لكن تقرير فحص الخبراء أظهر كسرًا في محور السيارة سببه انفجار أحد الإطارات، ولكن تمت أرشفة القصة على أنها حادث سير جرّاء الظروف الجوية، وتم إغلاق ملفها لمدة خمسين سنة.

كتبت صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية: ربما كان الجواسيس السوفييت وراء هذا، وفقًا للشاعر والكاتب الإيطالي جيوفاني كاتلي، وهو صحفي وعالم سياسة وكاتب إيطالي، وخبير في الأدب التشيكي. لقد عثر كاتلي أثناء اطلاعه على مذكرات الشاعر التشيكي جان زابرانا، سنة 2010، على ادعاء كتبه الأخير، يتلخص في أنه قد علم من مصدر موثوق، أن الحادث الذي قُتل على إثره كامو كان من تدبير الـKGB، حيث يضيف: "إن عملاء المخابرات السوفييتية، قد أتلفوا إحدى إطارات الـ فيسيل فيغا من أجل أن تنفجر أثناء الرحلة، بأمر من وزير الخارجية السوفييتي ديمتري شبيلوف، فقد صمم على إسكات صوت كامو، الذي كان يعتبر مقلقًا في ذلك الوقت".

ضمن هذا الإطار، يعد كامو مثقفًا يساريًا، وقد وصل عندما كان شيوعيًا سابقًا إلى مناصب متعددة، إضافة إلى أنه حين سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1946، وضعته وكالة المخابرات المركزية تحت المراقبة- وفقًا لمقال نشرته جريدة عصر إيران (الصادرة في طهران) في صفحتها السياسية سنة 2018. بعنوان: "بعد نصف قرن، الـKGB متهم باغتيال كامو".

لقد وقع كامو في عداوة مع الشمولية السوفييتية، كما ثبت مرات عديدة، وخاصة خلال الأزمة المجرية سنة 1956، حيث هاجم قرار موسكو بإرسال قواتها إلى المجر بغرض قمع التمرد، أيضًا لأنه في الوقت نفسه، وبدلًا من التهدئة، زاد كامو جرعته في سنة 1958 في قضية بوريس باسترناك، الذي تم حظر نشر كتابه "دكتور زيفاجو" من قبل ستالين.

هاجم كامو الاتحاد السوفييتي في سنة 1958 في قضية بوريس باسترناك، بسبب حظر كتابه "دكتور زيفاجو"

وفقًا لصحيفة عصر إيران، فإن صحيفة، كورير ديلارا سارة، تخلص أخيرًا إلى أن موسكو لديها أسباب كافية لاغتيال كامو بالطرق الاحترافية للـKGB.

اقرأ/ي أيضًا: تعرّف إلى 5 كتاب تعرضوا للاضطهاد في زمن الاتحاد السوفيتي

في منحى آخر، قام جيوفاني كاتيلي بإجراء استقصاء آخر لمعرفة المصدر الذي حصل زابرانا من خلاله على هذا الخبر، حيث شمل بحثه مثقفين يعيشون بين براغ وموسكو ومنهم من يقوم بنقل المعلومات إلى وكالة الاستخبارات المركزية. حتى تلخص لدى كاتيلي، أن المشتبه به الرئيسي- كمصدر- لخبر موت كامو على يد الـKGB، هو الكاتب التشيكي جوزيف سفوريكي، لكن الأخير يعيش في كندا وليس من السهل الاتصال به.

استبعد أمين الطبعة الفرنسية لمذكرات زابرانا، باتريك أورينك، أن يكون الحادث بسبب جهاز المخابرات السوفييتي الـKGB، لأنه حسب قوله لا يمكن الاعتماد عليه.

بعد البحث، انتهى كاتيلي بتأليف كتاب حول هذا الموضوع "كامو يجب أن يموت"، الصادر سنة 2013، حيث ترجم إلى عدة لغات منها الإنجليزية والفارسية، وقد أدى انتشاره إلى أن أجرى اتصالًا مع مؤلفه، من قبل المحامي جوليانو سبزالي الذي بدا مهتمًا جدًا بالقصة، ذلك بأن الأخير يعد صديقًا لمحامٍ فرنسي مشهور في الشرق الأوسط، هو جاك فيرجيس، المعروف في وسائل الإعلام باسم محامي الشيطان أو محامي القضايا الخاسرة، كان فيرجيس من المؤيدين لقضية استقلال الجزائر، وقد دافع عن جميلة بوحيرد، التي حكم عليها بالإعدام في فرنسا لمشاركتها في هجوم أسفر عن مقتل 11 شخصًا.

كان فيرجيس مدافعًا عن اليسار، وعن اليمين، واليمين المتطرف، وعن الإرهابيين والمجرمين الدوليين، بالإضافة إلى أي عميل رفضه محامون آخرون. لدرجة أنه اقترح على أرييل شارون، في حال احتاج إلى مساعدة قانونية، فإنه سيكون جاهزًا، مع العلم أن شارون لم يكن ليقبل ذلك بسبب مواقف فيرجيس المؤيدة للفلسطينيين- حسب مقال نشرته صحيفة الجارديان سنة 2013 بعنوان "لن يغلق ملف كامو". عمل فيرجيس، وهو من أصل فرنسي ـ فيتنامي، لسنوات عديدة مع المخابرات الصينية، وكان متأكدًا تمامًا من حقيقة أن كامو قد تم قتله من قبل المخابرات السوفييتية- حسب صديقه سبزالي الذي أوضح ذلك خلال اتصاله مع كاتيلي بعد صدور الكتاب- وأوضح سبزالي أن أجهزة المخابرات الفرنسية، وعلى الرغم من علمها بالخطة، فإنها لم تفعل شيئًا للحؤول دون وقوعها، فذلك يعود إلى موافقتها على إنهاء الإزعاج الذي يسببه كامو.

العلاقات بين فرنسا والاتحاد السوفييتي كانت دائمًا أكثر ارتباطًا مما يُعتقد عادة، حتى في عهد ديغول، لأن الفرنسيين لم يفضلوا أبدًا الهيمنة الأمريكية على العالم الغربي

يشير كاتيلي إلى أن العلاقات بين فرنسا والاتحاد السوفييتي كانت دائمًا أكثر ارتباطًا مما يُعتقد عادة، حتى في عهد ديغول، لأن الفرنسيين لم يفضلوا أبدًا الهيمنة الأمريكية على العالم الغربي.

اقرأ/ي أيضًا: سفيتلانا أليكسيفيتش.. حارسة الذاكرة

على الرغم من كل هذه القرائن، فإن الدليل على أن الأمور قد سارت كما ادعى زابرانا وسبزالي لا يزال غير موجود، وما زالت جواب قضية موت كامو، ضمن إطار الاحتمالات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

‎نهارٌ كامل في مقبرة الشِعر