17-فبراير-2021

كتاب "ألبير كامو" (ألترا صوت)

ألترا صوت – فريق التحرير

تستعيد هذه المساحة الأسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات الناشرين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.


تجمع الباحثة الفرنسية جرمين بري (1907 – 2001)، في كتابها "ألبير كامو" الصادر بطبعته الثانية عام 1981 عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، ترجمة جبرا إبراهيم جبرا، بين السيرة الذاتية والنقد الأدبي في قراءتها لتجربة الكاتب والروائي الفرنسي ألبير كامو (1913 – 1960)، حيث تُقدِّم للقارئ في مستهل الكتاب بعض التفاصيل البيوغرافية حوله، بهدف توضيح تجارب وأحداث متعلقة بأعماله الأدبية، قبل الانتقال لتناولها نقديًا.

تصف جرمين بري مغامرات ألبير كامو السياسية بقولها إنها: "تنسجم وشخصيته، فهو ما اتخذ موقفًا سياسيًا إلا وثبت فيما بعد، إجمالًا، أنه موقف سليم"

يضم الكتاب 24 فصلًا موزعًا على 306 صفحات، خصصت المؤلفة الفصول الأولى منها لسرد مقتطفاتٍ من حياة ألبير كامو خلال الفترة الممتدة بين عامي 1913 و1955، إذ استعرضت فيها جوانب مختلفة من حياته في الجزائر، وحاولت ربطها وتوضيح علاقتها بما أنجزه كامو أدبيًا.

اقرأ/ي أيضًا: تُرجمَ قديمًا: بابا همنغواي

تسلط الباحثة الفرنسية الضوء على علاقة صاحب "الموت السعيد"، المميزة والفريدة بحسب تعبيرها، بالجزائر العاصمة، وتعتبرها المملكة الداخلية التي يشير إليها دومًا، بقصدٍ أو بدونه، في أعماله الأدبية، بالإضافة إلى أنها المكان الذي منح لغته الفرنسية: "نفسًا جديدًا، وبريقًا جديدًا، وتوترًا بيّنًا، ووضوحًا صارمًا، وهي بحد ذاتها كفيلة لتفريقه عن الكتّاب الفرنسيين. لذا، فإن كامو، بفكره وتعبيره، بقي مغروس الجذور كليًا في تجربته الجزائرية".

وتمر جرمين بري سريعًا على طفولة كامو، والفقر الذي عاشه، ومراهقته المبكرة، وعلاقته بمحيطه، المدينة والعائلة تحديدًا. وتوضح للقراء أيضًا العوامل التي دفعته نحو الأدب، وتأثير قراره بترك بيت العائلة والعيش وحيدًا على مسيرته الأدبية، إذ تعتبر أن حياته الذهنية بدأت تنمو وتتطور بسرعة غير عادية بعد اتخاذه لتلك الخطوة.

وتفرد أيضًا مساحة للحديث عن مواقفه السياسية، لا سيما انضمامه إلى الحزب الشيوعي عام 1934. وتشير هنا إلى أن السياسة لم تكن تعني كامو إلا بشكلٍ عامٍ جدًا، وتصف مغامرته السياسة الأولى بالقول إنها: "تنسجم وشخصيته، فهو ما اتخذ موقفًا سياسيًا إلا وثبت فيما بعد، إجمالًا، أنه موقف سليم عمليًا وخلقيًا، غير أنه كان في الأغلب أسبق من معاصريه إلى اتخاذ مثل هذه المواقف، كما أن مواقفه أشد حزمًا ونفاذًا".

في الفصول التالية، تبحث بري في علاقة ألبير كامو بباريس وأجوائها الأدبية، وترى أنها سببت له شعورًا بعدم الراحة، إذ وجد فيها: "حرفته كأديب حرفة مضنية، وكيف أن باريس تخضع كتّابها "تجربة غرور" أليمة، استسلم لها كغيره، بسهولة". ويضيف: "فهو يعترف بأنه إذا، إذا أراد أن يتخلص من فتنتها المخادعة والتعب الذي تسببه له، اتخذ لنفسه مظهر البرود والخشونة، رافضًا كل إطراء بمزيج من الحماقة والنفرة".

تنتقل الكاتبة بعد ذلك لتناول أعماله الأدبية بالترتيب: رواياته، مسرحياته، وأخيرًا مجموعة من مقالاته. وتبدأ بالحديث عن روايته "الموت السعيد" (بدأ كامو بكتابتها تحت عنوان "الحياة السعيدة" قبل أن يتخلى عنه) حيث ترى أنها: "تحوي الجنين لكل ما كتب كامو فيما بعد، غير أنها، من حيث الموضوعات، على الأقل، أشبه برحم ولدت فيه كتاباته اللاحقة. فأعماله المنشورة الثلاثة الأولى تغذت كثيرًا من "الحياة السعيدة"، (...) ومرسو، بطل روايته "الغريب" إنما يمثل دورًا أقل جديدًا وأقل شأنًا من دور مرسو بطل "الحياة السعيدة"، وإن يكن الشبه بين البطلين معدومًا تقريبًا إلا في نقطة واحدة".

تسلط جرمين بري الضوء على علاقة كامو، المميزة والفريدة، بالجزائر العاصمة، وتعتبرها المملكة الداخلية التي يشير إليها دومًا، بقصدٍ أو بدونه، في أعماله الأدبية

وفي حديثها عن "الغريب"، تقول إنها، من بين روايات كامو الثلاث ومجموعته القصصية الوحيدة، هي الأقرب إلى ذلك الشكل الأدبي الذي لا يزال، رغم مرور نصف قرنٍ من التجارب، يُعتبر في الأوساط الأدبية والنقدية هو الرواية. تقول في وصفها: "الإيقاع الزمني في سرد "الغريب" صفة أساسية في تأليفها. فالجمل الحقائقية القصيرة المتقطعة في صفحاتها الأولى، تعكس صلة مرسو بالزمن: كل حس متعاقب يسجل مع كل لحظة متعاقبة".

اقرأ/ي أيضًا: مقتل ألبير كامو.. سر المخابرات السوفييتية

وتحت عنوان "أبطال عصرنا"، تفرد المؤلفة مساحة إضافية للحديث عن أبطال كامو: مرسو بطل "الغريب"، والدكتور ريو بطل "الطاعون"، وكلامنس في "السقوط". ثم تنتقل للحديث عن مسرحه ومقالاته الأدبية. وفي كل فصل من فصول الكتاب، تُشدد جرمين بري على فكرة أن كامو، قبل كل شيء، فنان. إنه: "فنان له رأيه الصعب فيما يجب أن يكونه كلا الفن والفنان".

 

اقرأ/ي أيضًا:

7 حقائق لا تعرفها عن ألبير كامو

ألبير كامو حول كورونا.. المعاناة عشوائية وذلك أبسط ما يمكن قوله