05-فبراير-2017

لقطة من فيلم high and low لـ أكيرا كوروساوا

من الأشياء التي تلفت نظري دائمًا في إخراج أي مخرج، تكوين الكادر وحركة الكاميرا. وهناك مدارس كثيرًا للتكوين والحركة. مثلًا هناك مدرسة المخرج الياباني الجميل "ياسوجيرو أوزو" الذي صور كل أفلامه بعدسة 50 ملم حتى بعد تطور الكاميرات ودخول الألوان إلى السينما، فكان الكادر الخاص به صغير وهادئ، وكانت كاميرته ثابتة دائمًا في كل الكادرات، عمومًا "أوزو" لديه أسلوب إخراجي جميل ربما نتكلم عنه في مقال قادم.

هناك مدرسة الصيني "وونغ كار واي" الذي تكلمنا عن فيلم له بعنوان "سعداء سويًا" في مقال سابق. مدرسته في الإخراج تختلف تمامًا عن مدرسة "أوزو"، فحركة الكاميرا عنده سريعة في معظم المشاهد، مع كادرات واسعة تشمل معظم عناصر المشهد ومونتاج سريع يُعطي حيوية لكل مشاهد الفيلم. أما كاميرا "أكيرا كوروساوا" فتختلف.

سيناريو فيلم High and Low نوع شبه جديد يثبت فيه "كوروساوا" جدارته. أداء تمثيلي عظيم من بطل الفيلم "توشيروا ميفوني" رفيق "كوروساوا"

لأتكلم عن حركة الكاميرا وتكوين الكادر عند "كوروساوا" فالأمثلة كثيرة، لكني فضلت أن أتكلم عن فيلم شِبه منسي لكوروساوا لا يتكلم عنه الكثير، هذا الفيلم هو High and Low. قد تظن مع بداية الفيلم أن قصته مكررة وعادية وأنك شاهدتها في أفلام سابقة وتالية كثيرة، لكن هناك عنصر يٌضاف يقلب الموازين تمامًا ويصنع فيلمًا من أمتع ما يكون.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "أسد".. رحلة التيه في وقائع الخيال

لدينا بطل الفيلم ذلك الرجل العصامي، الذي يعمل في مصنع لصناعة الأحذية، ونكتشف أنه صاحب مبادئ وأنه مُقدم على صفقة تزيد أسهمه في المصنع. يتم اختطاف ابنه وتُطلب فدية كبيرة ستؤدي -لو تم دفعها- إلى إنهاء الصفقة قبل أن تتم. لكن سريعًا نكتشف أن الخاطف قد اختطف بالخطأ صديق ابن البطل والذي في نفس الوقت ابن السائق الخاص بالبطل. فيجد البطل نفسه في صراع نفسي كبير، هل يدمر صفقته ليحرر ابن السائق.

سيناريو الفيلم من أقوى ما يكون، نوع شِبه جديد يثبت فيه "كوروساوا" جدارته. أداء تمثيلي عظيم من بطل الفيلم "توشيروا ميفوني" رفيق "كوروساوا" وبطل معظم أفلامه. نأتي هنا لأفضل عناصر الفيلم: دائمًا أركز على الكادرات في أي فيلم، وللحقيقة لم أجد فيلم جمع هذا الكم من الكادرات الجميلة مثل هذا الفيلم، أعتقد أن مشاهد الفيلم بالكامل لا تخلوا من كادر واحد على الأقل جميل.

الساعة الأولى من الفيلم نظل في مكان واحد مما قد يؤدي إلى ملل المشاهد، لكن الكادرات التي يصنعها "كوروساوا" تمحي هذا الملل على الإطلاق. مثال آخر، قرب نهاية الفيلم يوجد من 7 دقائق عبارة عن سرد مجريات القضية على لسان رئيس المباحث والضباط وهو مشهد -بلا شك- ممل وطويل، لكن "كوروساوا" ينهي هذا الملل بكادرات من أفضل ما يكون.

الساعة الأولى من فيلم high and low نظل في مكان واحد، ما قد يؤدي إلى ملل المشاهد، لكن كادرات كوروساوا تمحي هذا الملل على الإطلاق

حركة الكاميرا في هذا الفيلم صنعت إخراجًا مسرحيًا في المشاهد الحوارية فيه، فمثلًا نصف الفيلم الأول وهو الأكثر غزارة من ناحية الحوار ومن ناحية الإخراج المسرحي، نجد حركة الكاميرا تتنوع مع تنوع مواقف كل شخصية، فنجد مثلًا أن معظم المشاهد الأولى تُظهر السائق بعيدًا في أقصى يمين أو يسار الكادر مما يؤكد لنا أنه شخص غير مهم بالرغم من أن الأحداث تدور حول قضيته.

مثلًا حين يقرر البطل عدم مساعدة السائق تبتعد الكاميرا فيظهر صغيرًا في الكادر بينما يظهر السائق قريبًا من الكاميرا فيظهر أكبر منه. مثلًا المشاهد التي يعود فيها البطل إلى حيرته بين مساعدة السائق أو لا نجد الكاميرا تبتعد وتخرج معظم الشخصيات منه ويظل البطل وحيدًا في منتصف كادر واسع.

الأمثلة كثيرة، والمميزات في هذا الفيلم لا تنتهي، فأتمنى أن يكون هذا المقال قد شجعك على مشاهدة الفيلم.

اقرأ/ي أيضًا:
20 فيلمًا ينتظرهم عشاق السينما في 2017
لماذا يحتاج العالم إلى "لالا لاند"؟