02-سبتمبر-2018

اعتقال مديرة المخابرات الماليزية السابقة (تويتر)

تترقب الأوساط السياسية في ماليزيا، أن تصدر السلطات، قرارًا باستدعاء اثنين من الأمراء السعوديين لسماع أقوالهم في التحقيقات التي تجريها لجنة مكافحة الفساد الماليزية (MACC)، حول تورط حسنه عبد الحميد مديرة الاستخبارات الخارجية الماليزية السابقة (MEIO) في اتهامات متعلقة باستغلال السلطة، عن طريق الحصول على نحو 12 مليون دولار من الشرق الأوسط، قبيل الانتخابات البرلمانية الرابعة عشرة التي جرت منذ عدة أشهر، وانتهت بفوز تحالف الأمل المعارض وقتها بقيادة مهاتير محمد (93 عامًا) بفارق سمح للتحالف بتشكيل الحكومة.

تصاعدت احتمالية تورط السعودية بالتدخل في الانتخابات الماليزية، خاصة مع وجود اسم آخر من المتوقع استدعاؤه للتحقيق، وهو هشام الدين حسين وزير الدفاع الماليزي الأسبق

وقد نقل هذه المعلومات غير الرسمية، من غرفة التحقيقات، شاهر دين علي  محامي المديرة السابقة للمخابرات الماليزية حسنة عبد الحميد، وقال خلال تصريحات صحفية:"إنه من المنتظر استدعاء ثلاثة أفراد يعتقد أنهم متورطون في القضية من أبوظبي، إضافة إلى تتبع اثنين من الأمراء السعوديين"، مؤكدًا أنه ليس لديه تفاصيل حول الأسماء أو وظائف الشخصيتين النافذتين في المملكة، ومدى تورطهم في القضية، وهل هم شهود أم متهمون؟

وكانت جهات التحقيق الماليزية قد بدأت بحملة اعتقالات منذ شهر آب/أغسطس الماضي، تكللت باعتقال حسنه عبد الحميد، ونحو 7 ضباط آخرين من موظفي الدوائر الأمنية التابعة لرئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبد الرزاق، ورجل أعمال، ويواجه المتهمون عدة تهم من بينها الجلب والمساعدة في جلب نحو 12 مليون دولار أمريكي (49.37 مليون رينجيت ماليزي) يعتقد -وفقًا للتحقيقات- أنها أموال حكومية، تابعة للصندوق السيادي الماليزي (MDB1)، كان من المقرر استخدامها في الانتخابات، فيما تؤكد مصادر من داخل جهاز مكافحة الفساد إلى أن مصدر الأموال القادمة لماليزيا هو الشرق الأوسط،، دون تحديد دولة بعينها.

12 مليون دولار من الشرق الأوسط

وقد تصاعدت حسب مراقبين احتمالية تورط السعودية في القضية، خاصة مع وجود اسم آخر من المتوقع استدعاؤه، وهو هشام الدين حسين وزير الدفاع الماليزي الأسبق، المقرب من المملكة، ووفقًا لتصريحات شاهر دين علي، فإن اسم هشام مطروح للتحقيق معه، حيث تعتبر هيئة مكافحة الفساد أن هذا سبب في زيادة الحبس الاحتياطي لموكلته، غير أن المحامي أكد إنكار موكلته أي مسؤولية لوزير الدفاع السابق والأمراء السعوديين غير المعلن عنهم في القضية.

اقرأ/ي أيضًا: تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهوّرة".. الحكاية من أولها

في المقابل رفض عزام باكي، نائب رئيس مفوضية مكافحة الفساد، في تصريحات صحفية، الإفصاح عن حقيقة استدعاء هشام قريبًا. وقال إنه "ليس هناك تعليق. سيتم استدعاء أي شخص يمكنه المساعدة في التحقيقات"، وكان باكي قد رجح منذ أيام إمكانية اعتقال المزيد من المتهمين في المستقبل كما سيتم استدعاء أي شخص مفيد في التحقيقات، وأشار إلى أنه تم استدعاء عدة شهود، من بينهم ثلاثة أجانب، وسيتم تعقب ما لا يقل عن 20 شاهدًا آخر واستدعاؤهم للمساعدة في التحقيق.

تشير التوقعات إلى أن بعض تلك الأموال قد تكون استخدمت في الدعاية للتحالف القومي- الخاسر في الانتخابات- بقيادة رئيس الوزراء السابق نجيب عبدالرازق، وتزيد من صحة تلك الفرضية توقيت جلب الأموال قبل الانتخابات البرلمانية السابقة بنحو عشرة أيام. ولكن يختلف الحديث حول مصدرها، هل هي دعم من دول عربية أم أنها أموال حكومية تم اختلاسها من الصندوق السيادي؟ وقد تظهر الأيام القادمة مزيدًا من المعلومات.

وقد يعني وجود أسماء لأمراء سعوديين في التحقيقات، استدعاءهم، وتورط السعودية في قضايا فساد متعلقة برئيس الوزراء السابق نجيب عبدالرازق، ولن تكون تلك المرة الأولى التي يتورط فيها النظام السعودي مع نجيب. أما في حال كانت المملكة محطة لنقل الأموال الحكومية فقط، فهو يعني تسهيل نقل الأموال للتأثير على الناخب الماليزي، وفي كلتا الحالتين، سيكون هناك مزيد من التوتر في علاقة الرياض مع الحكومة الجديدة بقيادة مهاتير محمد، والتي اتخذت بالفعل عدة خطوات اعتبرها مراقبون معادية للمملكة، من بينها سحب القوات الماليزية من تحالف دعم الشرعية في اليمن، وكذلك غلق مركز الملك سلمان للسلام ومحاربة الإرهاب في العاصمة السياسية بوتراجايا.

تشير التوقعات إلى أن الأموال السعودية قد تكون استخدمت في الدعاية للتحالف القومي الخاسر في الانتخابات نجيب عبدالرازق

وكانت هيئة مكافحة الفساد أعلنت أنها استعادت حتى الآن نحو 6.3 مليون دولار أمريكي (25 مليون رينجيت ماليزي)  إضافة إلى 900 ألف بعملة الرينجيت الماليزي، من أصل 12 مليون دولار تم جلبها إلى البلاد. وتمت مصادرة الأموال من خلال مداهمات لوحدات سكنية ومواقع تابعة للمتهمين، فيما لا يزال المحققون يفحصون إمكانية إدخال الأموال عبر مطار كوالالمبور الدولي، وهو الأمر الصعب لضخامة المبلغ، إضافة إلى أنه من الصعب عدم ملاحظة وجود هذه المبالغ الكبيرة، خاصة أن القوانين الماليزية تمنع إدخال أي شخص لمبالغ مالية تتعدى 10 آلاف دولار دون تسجيل سبب الدخول وبعلم السلطات الأمنية.

أما حسنة عبد الحميد، التي تم إدراجها كـ "قسم البحث" في إدارة رئيس الوزراء السابق وفقًا للصحف الماليزية، فتواجه إلى جانب الاتهامات بإساءة استخدام الأموال، أزمة أخرى حول رسالة سربت يظن أنها وجهتها لمديرة المخابرات المركزية الأمريكية، جينا هاسبل، قبل أيام قليلة من الانتخابات الماليزية التي جرت في أيار/مايو الماضي، ودعت فيها واشنطن لتقديم المساعدة في الانتخابات لنجيب عبدالرزاق الذي وصفته بالصديق الحقيقي للولايات المتحدة، لمنع منافسه مهاتير محمد من الصعود للحكم مرة أخرى. ووصفت حسنة عبد الحميد مهاتير بالسياسي الاستبدادي المعادي للغرب والولايات المتحدة، وفي حال ثبوت الاتهام قد تحاكم بتهمة الخيانة. وأعلن مدير عام الشرطة الملكية الماليزية في وقت سابق، نية الجهات الأمنية استجواب عدد من موظفي السفارة الماليزية في الولايات المتحدة بسبب تسريب الرسالة، ولم يعلن تفاصيل التحقيق.

اقرأ/ي أيضًا: عودة "الثعلب العجوز".. كيف فاز مهاتير محمد وما المتوقع في عهده؟

أزمات ابن سلمان مع ماليزيا

على مدار السنوات القليلة التي شهدت صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى سدة الحكم في المملكة، استطاع "الأمير المتهور" إبهار الجميع بقدرته على صناعة الأعداء وخسارة الحلفاء، حتى ماليزيا التي ظلت لسنوات طويلة حليفًا للنظام السعودي، ونادرًا ما يصدر عنها تصريحات رافضة للسياسات السعودية. كما أن المملكة التي تسيطر وفقًا للواقع الجغرافي على الحرمين المكي والنبوي تحظى بمكانة دينية كبيرة لدى المسلمين الأغلبية في ماليزيا، غير أن الرياض اختارات الانحياز دون رؤية للدفاع عن رئيس الوزراء السابق، فمع تصاعد الأزمات بين نجيب عبدالرازق رئيس الوزراء السابق من جهة والمعارضة من جهة اخرى، خاصة منذ 2015، اختارت السعودية التأييد المطلق لنجيب إضافة إلى الدفاع عنه وحمايته من المحاسبة القضائية.

ولعل أزمة الصندوق السيادي الماليزي (MDB1)، أفضل مثال على تلك الحماية. فبعد تصاعد الاتهام لنجيب بالفساد المالي واكتشاف تحويل نحو 681 مليون دولار إلى حسابة الشخصي، دخلت المملكة على الخط وأصدر عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، بيانًا في 2016، يدعي فيه أن الأموال المحولة لحساب عبدالرزاق ما هي إلا هبة من المملكة، وحفظت القضية بعد أن عين عبدالرزاق مدعيًا عامًا جديدًا، وظل الأمر حتى فشل نجيب في الحفاظ على منصبه، وأعادت الحكومة الجديدة بقيادة مهاتير محمد فتح ملفات صندوق (MDB1) وهو ما ذكر الماليزيين بالحماية الباطلة التي أعطاها السعوديون لرئيس الوزراء الفاسد.

كانت القرارات الصادرة تباعًا من الحكومة الماليزية المتعلقة بالشأن السعودي، تثير شكوكًا حول أزمة قريبة في الأفق بالرغم من عدم الإعلان الصريح من جانب الماليزيين، بينما حظي التعاون العسكري بردة فعل سريعة من الحكومة الماليزية الجديدة، ففي حزيران/يونيو الماضي، أعلن وزير الدفاع الماليزي محمد سابو سحب القوات الماليزية من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وبالرغم من التأكيد المستمر على عدم خوض القوات لمعارك على الأرض، إلا أن الأمر اعتبر عصيانًا وخلافًا مع دولة كانت تعد من أبرز حلفاء المملكة. وتبع ذلك قرار الحكومة بغلق مركز الملك سلمان للسلام الدولي. والهدف الرئيسي للمركز مكافحة الإرهاب والتعاون بين البلدين في هذا المجال، وكان أبرز المعترضين على الخطوة وزير الدفاع السابق هشام، والذي يعتقد أنه سيستدعى للشهادة في قضية مديرة المخابرات الماليزية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

7 أسئلة حول فضيحة "صندوق التنمية الماليزي" والتورط السعودي فيها!

عيد الفطر في ماليزيا بالصور.. اجتماع إسلامي وعربي واسع